هل يؤوي كوكب «بروكسما بي- Proxima B» أقرب جيراننا؟
ما إن أعلن المرصد الأوروبي الجنوبي عن اكتشاف كوكب يدور حول نجمه في نطاق الحياة ومشابه للأرض حتى بدأ العلماء بدراسة الاحتمالات التي تطرحها المعلومات المتوفرة عن هذا الكوكب، فهل اقتربنا فعلًا من لقاء شركائنا في هذا الكون!
يدور كوكب قنطوري الأقرب بي المعروف باسم بروكسما بي حول النجم القزم الأحمر قنطوري الأقرب «بروكسما سنتوري»، أقرب نجم إلى الشمس حيث يبعد عنها حوالي 4.25 سنة ضوئيَّة. ويكمل دورته المداريَّة كل 11.2 يوم، لكن لا يعلم الباحثون بعد وبدقة ما إذا كان مداره يأخذ شكلًا دائريًا أم بيضويًا، إلا أنَّ المعلومات تُشير إلى أنَّه يدور ضمن نطاق الحياة «أي على بعد مناسب من نجمه بحيث يمكن أن يتواجد الماء بصورته السائلة».
وتُعتبر طبيعة النجم القزم الأحمر واحدة من أهم التحديات التي تواجه إمكانية وجود حياة على سطح بروكسما بي، فكتلة النجم لا تتجاوز 12% من كتلة شمسنا، كما أنَّ سطوعه يُمثِّل 0.1% من سطوعها، مما يعني أنَّ بروكسما بي يجب أن يكون أقرب 25 مرَّة من نجمه مُقارنةً ببُعد الأرض عن الشمس ليدور ضمن نطاق الحياة. الأمر الذي يترتب عليه تأثُّر الكوكب وعلى نطاق واسع بقوى المد والجزر، مما يجعل من مدة دورته المداريَّة مُساوية لتلك المحوريَّة، الحالة التي تُشبه دوران القمر حول الأرض، بمعنى آخر سيضطر الكوكب أن يواجه نجمه بنصفٍ واحدٍ فقط من سطحه، أمَّا النصف الثاني فيبقى مُعتمًا مُتجمدًا، إلا إذا ساهمت تيارات الرياح بتدفئة سطحه المُعتم، وذلك في حالة كان للكوكب غلافًا غازيًا بالدرجة الأولى، وهذا بدوره ليس أمرًا حتميًا بعد.
وإذا ما علمنا أنَّ النجم قنطوري الأقرب معروف بنشاطه التوهجي، فذلك من شأنه أن يُعرِّض سطح بروكسما بي لانفجارات هائلة من البروتونات موجبة الشحنة. الأمر الذي يمكن تفاديه في حال كان للكوكب مجالًا مغناطيسيًا يُحيط به. لكن في حالة كوكب بروكسما بي فهذا المجال لن يكون ناشئًا عن دورانه حول نفسه باعتبار أنَّ سرعته غير كافية، لكنها ناشئة عن التيارات الحمليَّة في مركز اللُّب، حيث تصعد المواد الساخنة من أسفل إلى أعلى، فتبرد ثم تنزل مرة أخرى وهكذا. وقد كتب (روري بارنز- Rory Barnes) وهو أستاذ جامعي في علم الفلك من جامعة واشنطن في مقال له على موقع «Pale Red Dot» الإلكتروني: «قمت أنا والدكتور بيتر دريسكول بالتوصُّل حسابيًا إلى أنَّ التيارات الحمليَّة هذه كافية تمامًا للحفاظ على حقلٍ مغناطيسي قوي لمليارات السنين».
ويقترح (أو ميلي جيمس -O’Malley James) و(ليزا كالتينيغر- Lisa Kaltenegger) من جامعة كورنيل، فكرةً بيولوجيَّة مذهلة تُفسِّر كيف يمكن للكائنات الحيَّة أن تعيش تحت أجواء الغضب لنجم مثل قنطوري الأقرب. وتتلخص هذه الفكرة في أنَّ الكواكب مثل بروكسما بي قد تكون مأهولة بحياة تُسيطر عليها البروتينات الفلوريَّة، كتلك التي عند الشِعاب المرجانيَّة مثلًا، والتي تقوم بامتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجيَّة إلى أطوال موجيَّة ذات طاقة أقل.
كواكب مأهولة بكائنات مضيئة، رائع!
ولا تُعطينا البيانات المتوفرة معلومات دقيقة عن كتلة هذا الكوكب، لكنها تُشير إلى أنَّه على الأقل بنفس كتلة الأرض، وقد يكون أثقل. وقد كتب بارنز: «سيكون الكوكب أقرب في طبيعته لكوكب نبتون في حال كان أكبر حجمًا، كوكبًا محاطًا بغلاف غازي سميك، إلا أنَّ الاحتمالات التي تضع الكوكب ضمن مدار يسمح له بأن يكون ذو كتلة تجعل منه كرةً غازية عملاقة لا تتجاوز 5%»، لذا فمن المرجح أن يكون صخريًا.
كما أنَّ فرصة وجود جزيئات الماء هناك كبيرة جدًا باعتبار أنَّ الهيدروجين والأكسجين -المكونان لجزيء الماء- هما من أكثر العناصر انتشارًا في الكون، لكن ما نبحث عنه هو الماء بحالته السائلة. فبُعده الحالي والمناسب عن نجمه يُعتبر أحد شروط توفُّر الماء السائل لكنه ليس الشرط الوحيد، فلو تشكَّل هذا الكوكب في نطاق قريب جدًا من نجمه فمن المحتمل أنَّه قد فقد ماءه بعد فترة وجيزة من تشكُّله.
أما إذا تكوَّن في مكان بعيد ثم هاجر إلى موقعه الحالي، حينئذ ستزيد فرصة احتواءه على الماء السائل. كما أنَّ نشاط الحركة التكتونيَّة يلعب دورًا هامًا في تقييم مدى وفرة المياه على سطحه.
فالبيانات محدودة، والاحتمالات شتى. لكن البحث حتمًا مستمر من أجل الإجابة على التساؤل المحير: «هل نحن وحدنا في هذا الكون؟».
إعداد: آية ملص
تدقيق: هبة فارس
المصدر