ما زال الفيزيائيون يحاولون التوفيق بين العالمين المختلفين: عالم ميكانيكا الكم the quantum الصغير والعالم الكبير الذي نعرفه. لنكن صرحاء، ميكانيكا الكم quantum mechanics مربكة جدًّا. جميع قواعد الفيزياء التي اعتدناها تختفي كما لو كانت سرابًا في فيزياء الكم.
ضع جسمًا في صندوق. وفقًا للفيزياء الكلاسيكية (والحس البديهي)، يجب أن يبقى هذا الجسم في الصندوق إلى الأبد. لكن في ظل ميكانيكا الكم، قد يكون ذلك الجسم ببساطة خارج الصندوق عندما تنظر في المرة التالية.
في التفكير الكلاسيكي، يمكن قياس زخم momentum وموضع position شيء ما بدرجة من الدقة. ليس الأمر كذلك في العالم الكَمِّي، فكلما عرفت عن أحدهما، قلّت معرفتك بالآخر. هل الشيء موجة أم جسيم؟ وفقاً لوجهة النظر الكلاسيكية، يمكن اختيار إجابة واحدة فقط. لكن اسأل ميكانيكا الكم، وستخبرك إنه الأمران معًا.
يصعب فهم العالم الكَمِّي، ولكن أحيانًا تفسح قواعد العالم الصغير المجال أمام العالم الكبير. لكن كيف؟ لسنا متأكدين تمامًا، لقد كانت رحلة طويلة وغريبة في محاولة الإجابة عن هذا السؤال.
شاهد الفيديو:
ذرة واحدة في المرة
كان الفيزيائي نيلز بور Niels Bohr أول من وضع بعض الملاحظات المفيدة بشأن العالم الكَمِّي. في أوائل القرن العشرين، بدأ العلماء ينتبهون للسلوك الغريب وغير المتوقَّع للأنظمة الذرية ودون الذرية subatomic. لقد أدركوا بعد عقود من العمل الشاق أن بعض الخصائص مثل الطاقة تأتي في حزم منفصلة من مستويات يُطلق عليها كوانتا quanta. منذ بدأ الفيزيائيون يضعون أساسًا رياضيًّا لشرح هذه التجارب، لم يضع أحد إطارًا كاملًا ثابتًا لها.
كان بور من أوائل من حاولوا ذلك. مع أنه لم يقدم نظرية كاملة عن ميكانيكا الكم، لكنه وضع بعض الأسس الجادة، وروج لبعض الأفكار التي أصبحت حجر أساس نظرية الكم الحديثة، التي كان أول ظهور لها في محاولاته لوضع نموذج الذرة.
في عشرينيات القرن الماضي، عرفنا من طريق مجموعة متنوعة من التجارب الرائعة للغاية أن الذرة تتكون من نواة ثقيلة كثيفة موجبة الشحنة، محاطة بسرب من الإلكترونات الصغيرة الخفيفة سالبة الشحنة. علمنا أيضًا أن الذرة يمكنها استقبال أو بعث طاقة محدودة للغاية.
لكن كيف تبدو الذرة؟
وضع بور الإلكترونات في مدار حول النواة، لتدور حول القلب الكثيف مثل الكواكب في نظام شمسي صغير. في النظام الشمسي الحقيقي، بإمكان الكواكب أن تدور في أي مدار يحلو لها. لكن في ذرة بور، كانت الإلكترونات عالقة في مسارات صغيرة، إذ إن لها مسافات مدارية مُحددة مسبقًا.
وبالقفز من مدار إلى آخر، تستقبل الذرة أو تطلق إشعاعًا محدودًا، لذا تُعَد الطبيعة الكَمِّية مُشفَّرة encoded.
شاهد الفيديو:
الانتقال إلى عالم الكم
لكن بور أضاف تحولًا أكثر إثارة للاهتمام. يوجد العديد من الطرق المحتملة لبناء نموذج كمي للذرة، لماذا يجب علينا استخدام هذا النموذج؟ وجد إنه عندما تبتعد الإلكترونات كثيرًا عن النواة، فإن طبيعتها الكمية تختفي، ويمكن وصف الذرة جيدًا باستخدام الكهرومغناطيسية الكلاسيكية. مجرد جسيمين مشحونين مترابطين.
عُرف هذا بمبدأ التوافق Correspondence principle، وكانت حجة بور إن هذا هو النموذج الأفضل للذرة. قد يكون لديك أي نظرية كمية تريدها، لكن النظريات الصحيحة هي تلك التي تفسح المجال للفيزياء الكلاسيكية في حدود معينة. في حالة ذرته، كان ذلك عندما ابتعدت الإلكترونات عن النواة.
كان نموذج بور للذرة غير مكتمل، واستُبدل لاحقًا بنموذج غلاف التكافؤ valence shell الذي ما زال قائمًا حتى اليوم. لكن مبدأ التوافق استمر، وشكَّل حجر الأساس لجميع النظريات الكَمِّية من بعده، باعتباره ضوءًا إرشاديًّا يسمح لعلماء الفيزياء ببناء الرياضيات المناسبة واختيارها لوصف العالم دون الذري.
لكن بور لم يتوقف عند هذا الحد، إذ إنه مع أن مبدأ التوافق سمح بالترابط بين العالمين الكَمِّي والكلاسيكي، فإن هذين العالمين ليسا متماثلين.
عدم اليقين الكَمِّي
في نفس الوقت الذي كان فيه بور حائرًا في كل ذلك، استطاع صديقه الرائع فيرنر هايزنبيرغ Werner Heisenberg التوصل إلى مبدأ عدم اليقين Uncertainty Principle الذي سرعان ما اشتُهر به. حاول قياس موضع جسيمات صغيرة، وسوف ينتهي بك الأمر إلى فقدان معلومات حول زخمها. والعكس، حاول تحديد زخمها، وسوف تجهل موقعها.
أخذ بور هذه الفكرة وانطلق بها. لقد رأى مبدأ عدم اليقين لهايزنبيرغ جزءًا من حقيقة أكبر بكثير من العالم الكَمِّي: إن كل شيء يأتي في أزواج. والزوج الأشهر في ميكانيكا الكم هو الموجة والجسيم. في الأنظمة الكلاسيكية، يوجد إما موجة بحتة أو جسيم بحت. يمكنك اختيار أحدهما فقط لتصنيف سلوك ما. لكن في ميكانيكا الكم تقترن الخاصيتان معًا: كل شيء موجة وجسيم في نفس الوقت، ويسلك خصائص كل منهما.
إضافةً إلى ذلك، تعتمد القواعد الكمية على الاحتمالات، وتعيد ميكانيكا الكم بناء الفيزياء الكلاسيكية عمومًا. بناءً على هذين المبدأين، جادل بور بأن نظرية الكم لا يمكنها أبدًا تفسير الفيزياء الكلاسيكية.
بمعنى آخر، تعمل الذرات وما شابهها وفق مجموعة من القواعد، وتعمل القطارات والناس وفق مجموعة أخرى من القواعد. قد تكون هذه الأشياء متصلةً وفق مبدأ التوافق، لكنها دائمًا تعيش حياةً منفصلة وموازية للأخرى.
هل كان بور محقًّا؟ يرى فريق من علماء الفيزياء إن الكثير من البحث ما زال ينقصنا، إذ نعيش أساسًا في عالم كَمِّي، وإنه ما زال بوسعنا تحقيق التوافق بين الفيزياء الكلاسيكية وقوانين الكم البحتة، ويرى فريق آخر أن بور قد توصل إلى حل اللغز، ولم نعد في حاجة إلى بحث الأمر مجددًّا. وتجاهل فريق ثالث الأمر تمامًا، وخاضوا في الرياضيات دون أن يشغلوا أنفسهم بالتفكير فيه، لكن ما زال الأمر يشغل تفكير الكثيرين.
اقرأ أيضًا:
لأول مرة على الإطلاق اكتشف العلماء أنماطًا كسرية في مادة كمومية
كيف يستطيع الرادار الكمومي أن يغير طبيعة الحرب تمامًا؟
ترجمة: محمد رشود
تدقيق: محمد الصفتي
مراجعة: أكرم محيي الدين