باستخدام ظاهرة فيزيائية تعرف باسم عدسات الجاذبية، ربما يمكننا استخدام الشمس بوصفها تلسكوبًا عملاقًا للنظر إلى أعماق الفضاء البعيد.

تمتلك البشرية أحد أقوى التلسكوبات التقنية، التي سمحت لنا برؤية أجزاء مذهلة من الكون، والنظر عميقًا بما يكفي لرؤية الأيام الأولى لتشكل الكون.

هذه التلسكوبات، مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي تعد إنجازات هندسية مذهلة، تطلبت مليارات الدولارات وعقودًا من العمل الشاق.

ماذا لو كان لدينا تلسكوب موجود بالفعل وأفضل بكثير من أي تلسكوب آخر؟ لن يكون هذا التلسكوب تقليديًا، فليس به عدسات. لكنه أقوى من أي تلسكوب أنشأناه على الأطلاق. هذا التلسكوب سيستخدم الشمس ذاتها للنظر إلى الفضاء.

لنتخيل مدى قوة هذا التلسكوب الشمسي، لنأخذ مثلًا تلسكوب جيمس ويب، بمرآة قطرها 6.5 أمتار، يمكن لتلسكوب جيمس ويب التقاط صورة بدقة تبلغ عُشر ثانية قوسية، أي أدق بـ 600 ضعف مقارنةً بالعين البشرية. بهذه الدقة يمكن لتلسكوب جيمس ويب رصد تفاصيل عملة معدنية من بُعد 40 كيلومترًا.

أما تلسكوب أفق الحدث، فهو مجموعة التلسكوبات الراديوية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم. بالتناسق الدقيق لتلك التلسكوبات، نتمكن من التقاط صور مذهلة للأقراص الغازية التي تحيط بالثقوب السوداء العملاقة. بلغت دقة التلسكوب 20 ميكروثانية قوسية.

ماذا لو أردنا تلسكوبًا أكبر؟ هذا التلسكوب الضخم يحتاج إلى أطباق عملاقة وشبكات هوائية تطفو عبر النظام الشمسي، وكلا الأمرين يتطلب قفزات هائلة على صعيد قدراتنا التقنية.

لحسن الحظ، يوجد تلسكوب عملاق متاح بالفعل، موجود في مركز نظامنا الشمسي. مع أن الشمس قد لا تبدو مثل العدسة أو المرآة التقليدية الموجودة في التلسكوبات، تمتلك كتلةً ضخمة. وفقًا لنظرية النسبية العامة، فإن الأجسام الضخمة تثني نسيج الزمكان حولها، على هذا فإن أي ضوء يقترب من سطح الشمس ينحرف بفعل كتلتها الضخمة، وبدلًا من الاستمرار في خط مستقيم، يتجه نحو نقطة محورية، بجانب أشعة ضوء أخرى اقتربت من الشمس في الوقت ذاته.

تلك هي ظاهرة عدسة الجاذبية، ويستخدمها الفلكيون بالفعل لدراسة المجرات البعيدة. عندما يمر الضوء بالقرب من مجموعة مجرية عملاقة، تعمل كتلة تلك المجموعة المجرية عدسةً لتكبير وتضخيم الصورة الخلفية التي انبعث منها الضوء، ما يسمح لنا برؤية أبعد بكثير مما كنا نستطيع عادةً.

تمكننا «عدسة الجاذبية الشمسية» هذه أيضًا من الوصول إلى دقة عالية بشكل لا يصدق. كأن لدينا مرآة تلسكوب عملاقة بحجم الشمس. فإذا وضعنا الأداة المناسبة عند النقطة المحورية الصحيحة سنستطيع تسخير انحراف الضوء بفعل جاذبية الشمس، مما يسمح لنا برؤية الأجسام البعيدة في الكون بدقة مذهلة تبلغ 10-10 ثانية قوسية. أقوى بنحو مليون ضعف من تلسكوب أفق الحدث.

بالطبع ستواجهنا بعض التحديات عند استخدام عدسة الجاذبية الشمسية بوصفها تلسكوبًا. مثل أن النقطة المحورية للأداة يجب أن تكون 542 ضعف المسافة بين الأرض والقمر، أو 11 ضعف المسافة بين الأرض وبلوتو، أو ثلاثة أضعاف المسافة التي بلغتها أبعد مركبة فضائية اخترعتها البشرية: فويجر 1 التي أطلقت عام 1977.

لن تواجهنا فقط مشكلة إرسال مركبة فضائية إلى مسافة أبعد من أي مسافة أخرى سبق أن قطعناها، بل يجب أن تكون تلك المركبة الفضائية مزودة بالوقود الكافي للبقاء هناك أو للتحرك.

ستنتشر وتتفرق أجزاء من الصورة التي تلتقطها عدسة الجاذبية الشمسية في مساحة عشرات الكيلومترات من الفضاء، من ثم يتعين على المركبة الفضائية التحرك في تلك المساحة بأكملها لبناء صورة كاملة.

لم يبدأ التفكير في الاستفادة من الشمس بوصفها عدسة جاذبية في وقتنا الحالي، بل تعود الفكرة إلى سبعينيات القرن العشرين. اقترح علماء الفلك مؤخرًا تطوير أسطول من الأقمار الصناعية الصغيرة خفيفة الوزن، تستخدم أشعة الشمس مصدرًا للطاقة، للتحرك بسرعة 542 وحدة فلكية. فور وصولها إلى النقطة المحورية ستتباطأ وتنسق حركتها لبناء الصورة المطلوبة، ثم ترسل البيانات إلى كوكب الأرض للمعالجة.

ربما تبدو الفكرة غريبة، لكنها ليست بعيدة تمامًا عن الواقع. قد يتساءل البعض ماذا سنستفيد من هذا النوع من التلسكوبات الفائقة؟

مثلًا، إذا كان موجهًا إلى أقرب كوكب خارجي معروف مثل كوكب قنطورس الأدنى، فسنتمكن من النظر إلى الكوكب بدقة تصل إلى كيلومتر واحد.

مع الأخذ في الحسبان أن الخطط المستقبلية لأحدث التلسكوبات التالية لتلسكوب جيمس ويب، تطمح لتحقيق دقة تصوير للكواكب الخارجية بحيث يظهر الكوكب بأكمله بعدد أقل من عدد أصابع اليد الواحدة من البكسلات.

عدسة الجاذبية الشمسية قادرة على تقديم صور رائعة للسمات السطحية التفصيلية لأي كوكب خارجي في نطاق 100 سنة ضوئية، ناهيك بالرصد الفلكي للأجسام الأبعد.

يمكن القول إن مقارنتها بأي تلسكوب آخر يعد تقليلًا من شأنها. إذ إنها أفضل من أي تلسكوب آخر يمكننا اختراعه لمئات الأعوام القادمة. هذا التلسكوب لا نحتاج إلى بنائه فهو موجود بالفعل، نحن فقط نحتاج إلى أن نضع الكاميرا في الموضع المناسب.

اقرأ أيضًا:

تلسكوب جيمس ويب الفضائي يكتشف كوكبًا خارجيًا أكبر من المشترى بست مرات

كيف غير التلسكوب حياتنا؟ نافذة على الاختراع الذي غير رؤيتنا للكون

ترجمة: محمد إسماعيل

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر