تواجه شركات التكنولوجيا، التي تسعى بحماس لتطوير أحدث وأفضل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، معضلةً غير مريحة. تعتمد نماذج مثل تشات جي بي تي وجوجل جيميني على كميات هائلة من البيانات المخزنة في مراكز البيانات، التي تتطلب كميات كبيرة من الطاقة للمعالجة والتبريد المستمر.

يُعزى ذلك إلى سباق التسلح بين شركات التكنولوجيا الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، ولا تستطيع مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية تلبية هذا الطلب وحدها. يأتي جزء كبير من الطاقة الجديدة من مصادر الوقود الأحفوري، ما يقوض التزامات العديد من هذه الشركات الطموحة المتعلقة بتحقيق الاستدامة الكربونية.

تسعى شركات التكنولوجيا جاهدة للعثور على مصادر طاقة متجددة كافية للحفاظ على أهدافها المناخية قريبة المنال. بعضها يتطلع إلى شكل أكثر تطورًا من الطاقة الحرارية الجوفية حلًا جزئيًا. أعلنت شركة ميتا المالكة لفيسبوك الأسبوع الماضي عن صفقة جديدة مع شركة Sage Geosystems الناشئة للطاقة الحرارية الجوفية، لتطوير محطات طاقة جديدة قد تكون قادرة على توفير 150 ميغاواط من الطاقة الخالية من الكربون، وهي كمية تكفي لتزويد 70,000 منزل بالطاقة بحلول نهاية العقد. إذا نجح هذا المشروع الطموح، فقد يوفر لشركات التكنولوجيا دفعة كبيرة من الطاقة النظيفة لمساعدتها على تلبية الطلبات المتزايدة على الطاقة. وسيشكل أيضًا نقطة تحول مهمة للطاقة الحرارية الجوفية الحديثة، التي تطورت بفضل التقنيات والخبرات المستفادة من صناعة النفط والغاز.

قال جيمي بيرد، المدير التنفيذي لمشروع إينرسبيس وهي منظمة غير ربحية تركز على تعزيز الطاقة الحرارية الجوفية: «أعتقد أن العالم غير مستعد لما سيحدث فيما يتعلق بالطلب على الذكاء الاصطناعي».

أشار بيرد إلى أن صناعة التكنولوجيا والشركات الناشئة في مجال الطاقة الحرارية الجوفية ازداد الإقبال عليها. بعد سنوات من التطوير والاختبارات، أصبحت الطاقة الحرارية الجوفية الحديثة جاهزة لخدمة الشركات الكبرى. تستعد شركات التكنولوجيا، التي تحتاج بشدة إلى مصادر طاقة نظيفة جديدة، للاستثمار في هذا المجال. يشعر بيرد وآخرون في مجال الطاقة الحرارية الجوفية بالتفاؤل بشأن قدرة الشركات الناشئة مثل (سيج) على تلبية الاحتياجات الجديدة إلى الطاقة، مع أن الخبراء يشيرون إلى أنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الصناعة المتطورة يمكنها توسيع عملياتها وخفض الأسعار بسرعة كافية لتكون فعالة في بيئة الذكاء الاصطناعي سريعة النمو.

الطاقة الحرارية الجوفية الحديثة ليست مقتصرة على آيسلندا:

الطاقة الحرارية الجوفية في جوهرها ليست جديدة تمامًا. كانت عملية تحويل الحرارة المخزنة طبيعيًا تحت قشرة الأرض إلى طاقة محدودة بالبراكين والينابيع الساخنة، وهي أماكن تكون فيها الحرارة قريبة من السطح. تُستخدم هذه الطريقة للتدفئة وتخزين الطاقة، لكنها محدودة للغاية وتمثل أقل من 0.5٪ من إجمالي توليد الكهرباء في الولايات المتحدة. تسعى موجة من الشركات الناشئة المتخصصة في الجيل القادم من الطاقة الحرارية الجوفية مثل سيج إلى توسيع هذه القيود الجغرافية كثيرًا.

بدلاً من التقيد بالمناطق ذات النشاط البركاني، تمسح هذه الشركات البلاد للعثور على موارد أكثر وفرة من الصخور الصلبة الساخنة الموجودة تحت الأرض. باستخدام تقنيات مماثلة لاستخراج الغاز الطبيعي، تنشئ شركات الطاقة الحرارية الجوفية العديد من الشقوق داخل الصخور الساخنة للغاية، وتضخ فيها المياه التي تُسخَّن إلى درجات حرارة تصل إلى 300 درجة فهرنهايت. تعتمد هذه العملية على تقنيات التكسير الهيدروليكي المماثلة لتلك المستخدمة في صناعة النفط والغاز، لكنها تُستخدم هنا لتوليد الطاقة النظيفة، من الحرارة المخزنة في أعماق الأرض.

لن تُستخدم الطاقة الحرارية الجوفية التي تنتجها سيج مباشرة في تشغيل خوادم ميتا، بل ستُضاف إلى شبكة الطاقة التي تتصل بها مراكز بيانات الشركة. ما تزال مراكز البيانات التابعة لشركات مثل ميتا وغيرها تستقبل الكهرباء المُنتجة جزئيًا من مصادر الوقود الأحفوري. تُظهر الأبحاث أنه من الصعب تحديد المصدر الدقيق للطاقة التي تُسحب من الشبكة، ما قد يؤدي إلى تعويضات غير دقيقة. مع ذلك، إن هذه العملية المكونة من عدة خطوات هي الطريقة التي تدَّعي بها الشركات الكبرى مثل ميتا أنها تقلل من استخدام الوقود الأحفوري في تقارير الاستدامة. ستكون الطاقة الحرارية الجوفية إضافة أخرى لتعويضات ميتا المتجددة التي تحتاج إلى زيادتها مع تزايد الطلب على الكهرباء.

إن الأولوية في المستقبل هي تقليل التكاليف إلى الحد الذي تصبح فيه الطاقة الحرارية الجوفية منافسة للغاز الطبيعي. لكن ليس من المؤكد أن سيج أو أي شركة طاقة حرارية جوفية أخرى يمكنها التوسع بسرعة كافية لتلبية الطلبات الجديدة الكبيرة على الطاقة من قطاع التكنولوجيا. يبدو أن شراكات شركات الطاقة الحرارية الجوفية مع شركات التكنولوجيا واعدة، لكن يجب أن نتذكر أن مصدر الطاقة المتجددة هذا سيشكل في البداية جزءًا صغيرًا فقط من إجمالي استهلاك تلك الشركات للطاقة. يبقى أن نرى ما إذا كانت الطاقة الحرارية الجوفية ستصبح يومًا ما المصدر الرئيسي للطاقة في صناعة التكنولوجيا.

قد تجعل تقنية التكسير الهيدروليكي الطاقة الحرارية الجوفية أكثر انتشارًا:

مع أن الطاقة الحرارية الجوفية ليست حاليًا منتجًا رئيسيًا للطاقة في الولايات المتحدة، توجد مؤشرات إلى أن هذا الوضع قد يتغير في العقود المقبلة. تتوقع خارطة طريق حديثة من وزارة الطاقة الأمريكية أن القدرة الإنتاجية للطاقة الحرارية الجوفية قد تزداد 20 ضعفًا بحلول عام 2050. لن يقتصر التوسع على مراكز البيانات فقط، إذ إن شركة «فيرفو» -وهي منافس آخر في مجال الطاقة الحرارية الجوفية، قد تعاونت سابقًا مع جوجل لإنشاء محطة تجريبية بقوة 5 ميغاواط في نيفادا- تبني حاليًا محطة بقوة 400 ميغاواط في ولاية يوتا.

أعرب أستاذ جامعة كورنيل وخبير الهندسة الجزيئية الحيوية جيفرسون تيستر، عن تفاؤله بشأن صفقة ميتا مع شركة سيج، وأكد لمجلة بوبيولار ساينس أنه يظن أن الطاقة الحرارية الجوفية قد تكون مصدرًا جذابًا للطاقة، نظرًا إلى غزارتها النظرية وتوفرها المستمر، على عكس الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي تعتمد على الطقس وأوقات النهار.

مع ذلك، فإن الطاقة الحرارية الجوفية ليست حلًا سحريًا. ما تزال التكاليف المرتبطة بالعمليات مرتفعة. ومع أن القطاع حصل على تمويل كبير من قانون خفض التضخم الذي أقرته إدارة بايدن، فإن الطاقة الحرارية الجوفية تلقت دعمًا أقل بكثير من المصادر المتجددة الأخرى. توجد أيضًا مخاوف بيئية حقيقية، إذ تشير الدراسات إلى أن العمليات المستخدمة لتكسير الصخور الساخنة تحت الأرض، والمشابهة لتقنيات التكسير المستخدمة في صناعة الغاز الطبيعي، قد تؤدي إلى اضطرابات أو ما يُعرف بالزلازل المستحثة.

من أمثلة ذلك الزلازل، إذ رُبطت تقنيات الطاقة الحرارية الجوفية الحديثة بزلزال بلغت قوته 5.5 درجات في كوريا الجنوبية عام 2017، أسفر عن إصابة العشرات من الأشخاص. عندما سُئل عن احتمالية وقوع زلازل، قال جيمي بيرد المدير التنفيذي لمشروع إينرسبيس إن هذه المخاوف مبالغ فيها إلى حد ما، وقد يمكن تجنبها إذا حفرت الشركات بعيدًا عن خطوط الصدع الأرضي.

احتياجات الطاقة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تهدد الأهداف المناخية للتكنولوجيا:

الزيادة السريعة في نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية الأقوى، تجعل شهية صناعة التكنولوجيا للطاقة غير قابلة للإشباع. وفقًا لتقرير حديث صدر عن مؤسسة «جولدمان ساكس»، يتطلب استفسار واحد عبر نموذج تشات جي بي تي نحو عشرة أضعاف كمية الكهرباء مقارنةً ببحث عادي عبر جوجل. هذا يشمل فقط الاستجابات النصية، أما البيانات الكلية التي تولدها نماذج الصور والفيديو مثل «سورا»، فهي سابقة لزمنها وفقًا للتقرير. تشير التوقعات نفسها إلى أن أكثر من نصف الطاقة الجديدة المستخدمة لتلبية الطلب المرتبط بالذكاء الاصطناعي قد تأتي من مصادر غير متجددة.

يبقى السؤال: هل ستوفر المحطات الجديدة ووفرة الصخور الساخنة طاقة كافية وموثوقة -وبالسرعة المطلوبة- لتلبية الطلب؟ قد تصبح الطاقة الحرارية الجوفية بديلًا أنظف وقابلًا للتوسع من الوقود الأحفوري، لكن سيتطلب ذلك مستوى من الصبر والمثابرة التي لا تشتهر بها شركات التكنولوجيا. في الوقت ذاته، يظل مزودو النفط والغاز حاضرين في المشهد، وعلى استعداد لتشغيل محطاتهم لتلبية حاجة الذكاء الاصطناعي الكبيرة للطاقة.

اقرأ أيضًا:

شاهد روبوت جوجل يهزم البشر في لعبة تنس الطاولة!

ماذا تعني الخطوط على الزجاج الخلفي لبعض السيارات؟

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: نور حمود

المصدر