التاريخ: مع أننا لم نزُرْ الشّمس من قبل، إلا أنّ أشعتها تزورنا. بتحليلٍ دقيق لأشعة الشمس، يمكننا معرفة الكثير؛ مثل درجة حرارة الشمس ومكونات هذا النجم. قد نتطرق إلى كيف يعرف العلماء درجة حرارة الشمس لاحقًا، ولكن كيف يعرف العلماء مكونات الشمس؟ وكيف تمّ اكتشاف وجود عنصر الهيليوم بالذّات؟
تبدأ القصة باكتشاف إسحاق نيوتن أنّ ضوء الشمس الأبيض يتكوّن في الحقيقة من طيف من الألوان، وذلك عن طريق مرور شعاع من الشمس من خلال منشور. هذا رائع ولكن غير دقيق، إذ أن الأطوال الموجية المختلفة تختلط ببعضها البعض، حسب قطر شعاع الشمس (حسب الفتحة التي يمر منها قبل مروره بالمنشور). إذا جعلت القطر أصغر، تُصبح ألوان الطيف أنقى وأكثر وضوحًا، حتّى في النهاية سيظهر لك كل طول موجي في مكانٍ واضح.
بعد قرن من نيوتن، طبّق الفيزيائي الألماني جوزيف فون فراونهوفر هذه التقنية بدقة أكبر وفوجئ بما وجد. وجَدَ أن الطيف الشمسي يقطعه مئات الخطوط السوداء الرفيعة، مع ذلك، إذا تمّ تسخين شيء بدرجة حرارة الشمس في المعمل، فأشعته تعطي طيفًا متواصلا لا وجود للخطوط السوداء فيه (والتي سُميت بخطوط فراونهوفر). هل هنالك خطأً ما بالشّمس؟
بعد عدة عقود، مرر غوستاف روبرت كيرشهوف ضوء أبيض من خلال غاز لهب مرشوش بمركّب يحتوي صوديوم (مثل ملح الطعام). حين نظر إلى طيف هذا الشعاع، وجد خط أسود يُشبه إلى حدٍ كبير خطوط فراونهوفر. فهم كيرشهوف ما حدث جيدًا، فقدرة كل ذرة على امتصاص وإطلاق الضوء تعتمد على ترتيب الإلكترونات في مدارات الذرة، ولأن كل عنصر لديه ترتيب وعدد مختلف من الإلكترونات، فكل عنصر يمتص الضوء بطريقة مختلفة. خطوط فراونهوفر هذه نتيجة امتصاص ذرات الصوديوم للضوء عند الطول الموجي 589 نانومتر.
نفس خط فراونهوفر عند 589 نانومتر موجود في طيف أشعة الشمس، نعم، يوجد بالشمس صوديوم. في خلال عقود قليلة، قارن العلماء خطوط فراونهوفر في أشعة الشمس بتلك في المعامل، وكثير من العناصر الموجودة بالشمس تمّ تحديدها. ولكن تبقى لغز صغير. هنالك خط فراونهوفر قريب جدًا من خط فراونهوفر الخاص بعنصر الهيدروجين، قريب جدًا لدرجة أنّ العلماء كانوا يتجاهلونه أو يعتبرونه هيدروجين.
خلال كسوف شمسي عام 1868، سجّل العالم الإنجليزي نورمان لوكير طيف أشعة الشمس، لاحظ وجود خط واضح عند الطول الموجي 587.6 نانومتر، توصّل لوكير إلى استنتاج جرئ ومنطقي بأنّ هذا تابع لعنصر كيميائي غير موجود على كوكب الأرض. من الاسم اليوناني “helios”، سَمَّي العنصر “Helium”.
بعد أكثر من 25 عامًا، اكتشف الكيميائي ويليام رمزي وجود الهيليوم على الأرض. الهيليوم يمثل 8% من الشمس، وهو يحمل السر وراء التفاعلات النووية بداخل النجوم مثل الشمس. حقيقة أنّ الإنسان اكتشف هذا العنصر في كرة نار تبعد عنا 150 مليون كيلومتر قبل أن يُكتشف على الأرض إن دلّ على شيء فيدل على قدرة المنهج العلمي الرصين.