ما الذي يدفعك إلى البقاء مع شريكك مع أن علاقتكما فقدت رونقها وجاذبيتها؟ هل هو الحب؟ هل هو الخوف من الشعور بالوحدة والعزلة بعد الانفصال؟ هل هو القلق على الأطفال ومستقبلهم؟
لا شك أن جائحة كوفيد-19 وضعت العديد من القيود والعقبات في طريق الأزواج الذين يفكرون في إنهاء علاقتهم، ما دفعهم إلى التريّث والاستمرار في العلاقة مع أنها متزعزعة. من أمثلة تلك القيود: عدم الاستقرار المالي، وتعليم الأطفال في المنزل في ظل هذه الجائحة، وعدم القدرة على الخروج كثيرًا من المنزل والتعرف على أشخاص جدد.
وفقًا لدراسة جديدة، تُعد مشاعر الالتزام التي يبديها الشريكان تجاه بعضهما مؤشرًا إلى صحة العلاقة بينهما، لكن هذا الأمر غير صحيح دائمًا؛ إذ إن الالتزام لا يأتي دائمًا نتيجة رغبة حقيقية باستمرار العلاقة مع الشريك. إضافةً إلى ذلك، قد يجبر أحد الشريكين الآخر على البقاء باتباع أساليب السيطرة النفسية، أو قد يلجأ أحدهما إلى إظهار الأحاسيس التي تعطي الآخر شعورًا بالمسؤولية والالتزام تجاه شريكه. لذلك عندما تستمر العلاقة بين الشريكين بسبب عوامل بعيدة عن الحُب والرومانسية، قد يشعران بأنهما مقيّدان أو عالقان في علاقة لا يستطيعان الخروج منها.
قد تتساءل عن كيفية وصول العلاقة بين الشريكين إلى هذا الحد، والجواب هو وجود مشكلة قد تحدث في المراحل الأولى من العلاقة عندما يبدأ الزوجان بالاستقرار معًا، وهي جمود -فتور- العلاقة، ما قد يؤثر -إن استمر- في تطور العلاقة، خاصةً إذا لم يفكر الزوجان بجدية في الآثار المترتبة على ذلك.
تضمنت الدراسة إجراء مقابلات مع 35 مشاركًا يبلغ متوسط أعمارهم 32 عامًا، واستمرت المقابلات مع عدد منهم مدة 18 شهرًا. كان الهدف من الدراسة أولًا فحص مسار العلاقات في أثناء تطورها في حياة المشاركين، وليس دراسة العلاقات العالقة أو المقيدة.
لاحظ الباحثون بعد دراسة نتائج المقابلات أن بعض المشاركين ذكروا المشكلة السابقة في حديثهم عن تاريخ علاقاتهم، أي وصفوا علاقاتهم بأنها كانت مقيدة. ركز الباحثون في دراساتهم لاحقًا على هؤلاء، وأجروا المزيد من المقابلات معهم، وتوصلوا إلى وضع تعريف يصف العلاقة المقيدة، وهي العلاقة التي تحوي على الأقل واحدًا من العناصر الثلاثة التالية:
- الشعور بالندم نتيجة استمرار العلاقة مدة طويلة.
- محاولات عديدة ومستمرة لإنهاء العلاقة.
- التردد حول البقاء مع الشريك؛ إذ يشعر الشخص بوجود العديد من الحواجز أو العوائق التي تحول دون ترك شريكه وإنهاء العلاقة معه.
لا يأتي شعور الأزواج بأنهم مقيدون في علاقتهم مع شركائهم بين ليلة وضحاها، إذ تملأ عادةً المشاعر الإيجابية العلاقة بين الزوجين في البداية، وكلما طالت مدة العلاقة، ازدادت الحواجز التي تحول دون تفككها، وتلاشت تلك المشاعر الإيجابية الأولية. تشمل الحواجز طريقة التعايش المنزلي والزواج والأطفال وغيرها من الأمور العائلية، إضافةً إلى الجائحة الحالية.
لاحظ الباحثون أن الشركاء لم يدركوا أن تلك الأمور أو الحواجز كانت قيودًا لعلاقاتهم إلا بعد حدوثها فعلًا؛ إذ شعروا عندها بأن العلاقة أصبحت مقيدة وفاترة. بل إن بعضهم شعر بالحنين لبدايات علاقاتهم، تلك الأيام السابقة التي كانت تملؤها مشاعر الحب والإيجابية، ووصفوها بتعبيرات تؤكد مدى اشتياقهم إليها، إذ قال أحدهم: «كانت تلك اللحظات جميلة جدًا، وعلاقتنا كانت رائعة لدرجة أننا كنا نغض الطرف عن المواقف السيئة التي تحدث بيننا».
ذكر بعض المشاركين أن سبب استمرارهم في علاقاتهم مع شركائهم مدة طويلة هو الشعور بالراحة معهم، إذ إن الراحة مع الشريك أهم من العاطفة، وهذا الشعور تفتقده العلاقة المقيدة. ذكر مشاركون آخرون أن استقرار العلاقة أمر مهم أيضًا، إضافةً إلى الشعور بالراحة مع الشريك، وجاء التطرّق إلى هذه النقطة بسبب ما رأوه من عدم الاستقرار في علاقات الأهل وما نتج عنه من حالات الانفصال والطلاق، فلم يرغبوا في تكرار هذا الأمر لديهم وخلق جو غير مستقر لأطفالهم. أما المشاركون الذين عانوا صعوباتٍ في علاقاتهم الأسرية، لاحظ الباحثون أنهم كانوا -في أثناء العلاقة- أكثر ميلًا إلى وضع التزامات وخلق حواجز وعقبات من أجل تسريع الانفصال وإنهاء العلاقة.
كيف استطعتم الخروج من تلك العلاقات المقيدة؟ أجاب بعض المشاركين بأن قرار إنهاء العلاقة وترك الشريك جاء بعد مقارنة فوائد هذا القرار ومساوئه، إضافةً إلى أن عدم التوافق في العلاقة بين الشريكين قد يُشكّل بحد ذاته سببًا كافيًا لدفع أحدهما إلى المغادرة، ورأى البعض أن تحقيق الأهداف الفردية أمر أهم من البقاء في علاقة مقيدة.
قال بعض الباحثين: «إذا أردت التخلص من شعورك بأنك مقيد في علاقة، عليك أن تعالج المشكلة منذ بدايتها؛ أي لا تنتظر حتى تتراكم الالتزامات والعوائق في طريقك، فقط ثق بنفسك وبقدرتك على القيام بذلك واتخذ الخطوات اللازمة لاستعادة استقلاليتك. من ناحية أخرى، قد لا يكون الأمر بهذه السهولة للآخرين، إذ قد يصل البعض إلى مرحلة يشعرون فيها بأنهم غير قادرين على تحمل عواقب الانفصال، وقد يسألون أنفسهم: كيف يمكننا الخروج من علاقة استمرت طوال حياتنا تقريبًا؟».
ربما يمكنك التفكير بطريقة أخرى. استعد بعقلك الذكريات الجميلة التي جمعتك مع شريكك، فبدلًا من التركيز على الأشياء التي تمنعك من المغادرة، فكر في الأسباب التي دفعتك سابقًا إلى الارتباط بشريكك وتأسيس حياة مشتركة معه. ليس هذا فقط، فكر في طرق تمكنك من استعادة كل الأوقات والذكريات الجميلة معه. قد تلجأ إلى سؤال شريكك عن شعوره تجاهك، وقد تحاولان معًا استعادة تلك الأيام واللحظات العاطفية الجميلة.
باختصار، يمكنك تجاوز ما سبق عبر التغلب على مشاعر الركود والوحدة والحيرة، وسيساعدك ذلك على العودة إلى الطريق الصحيح في علاقتك مع شريكك، الطريق الذي سيحافظ على علاقتكما سنوات وعقود من الزمن، طريق الحب والوفاء.
اقرأ أيضًا:
هذا ما يحدث لدماغك بعد الانفصال
خمسة أمور تؤزم العلاقة بين الزوجين وتجرهم إلى الطلاق! إليكم الحل
ترجمة: د. يوسف الجنيدي
تدقيق: أكرم محيي الدين