لاحظ العلماء أن كثيرًا من إناث الرئيسيات يحملن الموتى من أطفالهن مدة طويلة نسبيًا، وتشير أكبر الدراسات في هذا السلوك إلى أن الرئيسيات من غير البشر لديهم وعي جزئي بموت الآخرين، لكن عوامل مثل قوة رابطة الأم بطفلها تؤثر أيضًا في هذا السلوك.
سواء أكنا ندفن موتانا أم نحرقهم فإن الممارسات الجنائزية سمة عالمية للثقافة الإنسانية وعملية الحزن لدينا، ويحرص علماء الأنثروبولوجيا على فهم أصولها، ويقدم علماء الرئيسيات بعض الإجابات في مجلة (Royal Society B: Biological Sciences)، إذ نظر الباحثون في 409 تقرير لاستجابة أمهات لفقدان طفل من 50 نوع.
لوحظ أن السلوك الذي تعتمده أمهات الرئيسيات في حمل جثة الطفل (ICC) هو الاستجابة الأكثر شيوعًا عند وفاة عضو من نفس النوع، ويبدو أنه سيئ التكيف تطوريًا، إذ يتعارض مع البحث عن الطعام أو الهرب من الحيوانات المفترسة.
أفاد الباحثون في 2020 أن هذا السلوك قد يستمر مدة تصل إلى عشرة أيام عند قردة البابون الناميبية، لكنها أحيانًا تكون قصيرة وتصل إلى ساعة.
أحد تفسيرات هذا السلوك هو أن أمهات الرئيسيات لا يدركن دائمًا أن الطفل قد مات، لكن الباحثين وجدوا أن قردة البابون تعامل الجثث بطريقة مختلفة عن الصغار الأحياء، ما يلقي بظلال الشك على هذه الفكرة.
الدكتورة أليسيا كارتر من جامعة كوليج لندن مؤلفة مشاركة في هذه الدراسة التي تتحدث عن سلوك ICC، ومؤلفة رئيسية لدراسة عام 2020، تبحث عن الأنماط في الحالات المنشورة سابقًا عند جميع أنواع الرئيسيات من غير البشر، وقالت في بيانها:
«تشير دراستنا إلى أن الرئيسيات قد تكون قادرة على التعرف على الموت بطرق مشابهة للإنسان، قد يتطلب الأمر خبرة لفهم أن الموت يؤدي إلى توقف وظيفي طويل الأمد، وهو أحد مفاهيم الموت لدى البشر. ما لا نعرفه -وقد لا نعرفه مطلقًا- هو هل تستطيع الرئيسيات أن تفهم أن الموت عالمي، وأن جميع الحيوانات -ومن ضمنها نفسها- ستموت؟»
أُبلِغ عن سلوك حمل الطفل المتوفى عند 80% من الأنواع المدروسة، وتشير الدراسة إلى أنه من المرجح أن أقرب أقربائنا -أي القردة العليا- إلى جانب قرود العالم القديم يحملون الجثث ويفعلون ذلك فترة أطول. من ناحية أخرى، لم يُشاهد هذا السلوك بين قردة الليمور، لكنهم يعودون للتحقق من جثة ميتة وينادون عليها.
ولوحظ أن المدة تكون أطول إذا ماتوا بأعمار تعد فيها رابطة الأمومة هي الأقوى، والأمهات الأصغر سنًا أكثر عرضة لحمل صغارهن.
قد يكون الاكتشاف الأكثر إثارة للاهتمام أن هذا السلوك يكون أكبر عندما يكون الأطفال خدّجًا (وُلدوا قبل أوانهم)، أو عندما يموتون بسبب مرض لا بسبب حادث أو قتل، حتى مع المخاطر إذا كان مرض الرضيع معديًا.
قالت إليسا فرنانديز فوويو المؤلفة المشاركة بالدراسة: «قد تكتسب الأمهات من الرئيسيات وعيًا أفضل بالموت من خلال تجربتهن مع الموت والإشارات الخارجية، فيقررن عدم حمل الطفل المتوفى معهن، حتى لو كنّ ما يزلن يعانين مشاعر مرتبطة بالفقدان». عندما يموت الطفل لأسباب داخلية أو عندما تكون الأم صغيرة وساذجة، قد تكون الأم غير متأكدة من وفاته، ما يعني أنهم على علم بحالات أخرى.
وتتعارض البيانات مع الفرضية التي تربط هذا السلوك بحمل الصغار بدل تركهم في مكانٍ آمن.
وتقول كارتر: «تؤثر دراستنا أيضًا فيما نعرفه عن كيفية التعامل مع الحزن بين الرئيسيات من غير البشر. فمن المعروف أن الأمهات اللواتي عانين ولادة جنين ميت وتمكنّ من حضنه أقل عرضة لمعاناة اكتئاب حاد، لأن لديهن فرصة للتعبير عن هذه الرابطة، وقد تحتاج بعض أمهات الرئيسيات أيضًا إلى نفس الوقت للتعامل مع خسارتهن، ما يوضح قوة الروابط الأمومية وأهميتها بالنسبة للرئيسيات والثدييات عمومًا».
اقرأ أيضًا:
هل تخطط الحيوانات للمستقبل مثل البشر؟
بوسع الكلاب معالجة الأرقام.. وباستخدام نفس الأجزاء الدماغية التي نستخدمها!
ترجمة: محمد حلاق
تدقيق: محمد حسان عجك