إذا كنت تؤمن بالاشباح، فأنت لست وحدك.
الثقافات في جميع أنحاء العالم تؤمن بالارواح التي نجت من الموت لتعيش في عالم آخر.
في الواقع، تعد الأشباح من بين المعتقدات الأكثر تصديقًا على نطاقٍ واسع من بين الظواهر الخارقة: فالملايين من الناس مهتمون بالأشباح، ووجد استطلاع غالوب (Gallup) عام 2005 أن 37 في المئة من الأميركيين يؤمنون بوجود المنازل المسكونة – وما يقارب النصف يؤمنون بوجود الأشباح.
لقد كانت الأشباح موضوعا شائعًا لآلاف السنين، وكانت تظهر في قصصٍ لا تحصى، من الكتاب المقدس، لماكبث (Macbeth)، حتى أنها ولّدت نوعًا فولكلوريًّا خاصًّا بها: قصص الأشباح.
جانبٌ من السبب هو أن الإيمان بوجود الأشباح هو جزءٌ من شبكةٍ أكبر من معتقداتٍ خارقة للطبيعة مشابهة، بما في ذلك تجربة الاقتراب من الموت، والحياة بعد الموت و التواصل مع الأرواح.
لم يكن حتى العقد الماضي أن أصبح صيد الأشباح اهتمامّا واسع النطاق في جميع أنحاء العالم.
الكثير من هذا يرجع إلى مسلسل تلفزيون كابل Syfy الذّائع السيط الذي يدعى “صيّادو الأشباح”، وهو الآن في موسمه العاشر و لم يعثر على أدلّةٍ دامغة على وجود الأشباح.
وقد ولّد هذا المسلسل العديد من المسلسلات الجانبية، بما في ذلك “صيّادو الأشباح الدوليون” و “أكاديمية صيّادي الأشباح”، وليس من الصّعب أن نرى لماذا كان هذا البرنامج بهذه الشّعبية: الافتراض هو أن أي شخص يمكنه البحث عن الأشباح.
وقد كان النجمان الأصليّان رجالًا عاديّين (سبّاكين، في الواقع) قرّروا أن يبحثوا عن أدلّةٍ على وجود الأرواح.
رسالتهم: إنّك لا تحتاج لأن تكون عالمًا رفيع الثقافة، أو حتى لأي تدريب في مجال العلوم أو التّحقيق.
كل ما تحتاجه هو بعض الوقت الحر، مكانٌ مظلم، وربّما عددٌ قليل من الأدوات من متجر للإلكترونيات.
إذا كنت تبحث بما فيه الكفاية، فأيُّ ضوءٍ أو ضجّةٍ غير مبّررة قد تكون دليلًا على وجود الأشباح.
العلم والمنطق من الأشباح:
التجربة الشخصية شيء، لكن الأدلّة العلمية هي مسألةٌ أخرى.
جانبٌ من صعوبة التحقيق في وجود الأشباح هو أنه ليس هنالك تعريفٌ واحد مُتّفق عليه عالميًّا لتحديد ماهيّة الشبح.
يعتقد البعض أنّها أرواح الموتى الذين لسببٍ ما “تاهوا” في طريقهم إلى الجانب الآخر، بينما يدّعي آخرون أن الأشباح هي بدلًا من ذلك كياناتٌ تخاطرية مُسقطة في العالم من قِبَل عقولنا.
حتى أن بعضهم الآخر يقومون باستحداث فئاتٍ خاصّة بهم لأنواع مختلفة من الأشباح، مثل الأرواح الشريرة، استحضار مشاهد مفجعة حدثت في الماضي، الأرواح الذكية وجماعة الظّل.
بالطبع، فإن جميعها مُختلق، مثل التكهنات حول أجناس مختلفة من الجنيات أو التنانين، وباختصار: هناك أنواعٌ من الأشباح بحسب ما تريد أن يكون.
توجد العديد من التناقضات الكامنة في الأفكار الموجودة حول الأشباح
فعلى سبيل المثال، هل الأشباح مادية أم لا؟ إما أنها يمكن أن تتحرك عبر الأجسام الصلبة من دون أن تزعجها، أو أنه يمكنها أن تصفق الأبواب المفتوحة وترمي الأشياء في جميع أنحاء الغرفة.
منطقيًّا وطبيعيًَا، فإنّه إمّا هذا أو ذاك.
إذا كانت الأشباح هي نفوسٌ بشرية، لماذا لا تظهر مكسوّةً بالملابس وفي اشياء جامدةٍ (يفترض أن تكون بلا روح) كالقبعات والعصي والفساتين – ناهيك عن تقارير عديدة من القطارات والسيارات والعربات الأشباح؟
إذا كانت الأشباح هي عبارةٌ عن أرواح أولئك الموتى الذين لم يُثأر لهم، لماذا هناك جرائم قتلٍ لم تحل بعد، نظرًا لأنه يقال بأن الأشباح على تواصل مع وسطاء نفسيين، وينبغي أن تكون قادرةً على تحديد قاتليهم للشرطة.
وهلم جرًّا؛ مجرد عن أي ادعاء حول الأشباح يثير أسباب منطقية للشك في ذلك.
يستخدم صيادو الأشباح العديد من الأساليب الإبداعية )و المشبوهة( للكشف عن تواجد الأرواح، غالبًا ضمنهم الوسطاء.
يدعي جميع صيادي الأشباح تقريبًا أنها وسائل علمية، وأكثرها يعطي ذلك المظهر لأنها تستخدم التجهيزات التكنولوجية العلمية الفائقة مثل عدادات جيجر، كاشفات المجال الكهرومغناطيسي (EMF) ، كاشفات الأيونات، كاميرات الأشعة تحت الحمراء والميكروفونات الحساسة.
إلّا أن أيًّا من هذه المعدات لم يبيّن في الواقع الكشف عن الأشباح أبدًا.
اتّخذ أشخاصٌ آخرون نهجًا معاكسًا تمامًا، مدعين أن السبب في عدم إثبات وجود الأشباح هو أننا ببساطة لا نملك التكنولوجيا المناسبة لإيجاد أو الكشف عن عالم الأرواح.
ولكن هذا أيضًا لا يمكن أن يكون صحيحًا: إما أن الأشباح موجودة وتظهر في عالمنا المادي العادي (وبالتالي يمكن الكشف عنها وتسجيل الصور الفوتوغرافية والأفلام والفيديو والتسجيلات الصوتية لها)، أو أنها لا توجد.
في حالة وجود الأشباح وإمكانية الكشف عنها أو تسجيلها علميًّا، يكون علينا أن نجد أدلّة دامغة على ذلك – حتى الآن لم نفعل ذلك.
وفي حالة وجود الأشباح ولكن عدم إمكان الكشف أو تسجيلها علميًّا، ستكون كل الصور والفيديوهات والتسجيلات الأخرى التي يُدّعى أنها دليل على الأشباح لا يمكن أن تكون أشباحًا.
مع هذا العدد الكبير من النظريات الأساسية المتناقضة – والقليل من العلم المستخدم من أجل التأثير على الموضوع – فإنه ليس من المستغرب أنه وعلى الرغم من جهود الآلاف من صيادي الأشباح على شاشات التلفزيون وغيرها على مدى عقود، لم يتم العثور على دليلٍ دامغ واحد على وجود الأشباح.
لماذا يصدق الكثيرون؟
يعتقد كثير من الناس أنه لا يمكن تأييد وجود الأشباح بأقل من العلم الصلب الذي يشرح الفيزياء الحديثة.
هذا ويُزعَم على نطاقٍ واسع بأن ألبرت أينشتاين اقترح قاعدة علمية لحقيقة الأشباح.
فإن كان من غير الممكن للطاقة أن تنشأ أو تفنى ولكن فقط يتغير شكلها، ماذا يحدث لطاقة أجسامنا عندما نموت؟ أيمكن بطريقة ما أن تتجلى كشبح؟ يبدو وكأنه افتراض معقول – إلا إذا كنت تفهم أسس الفيزياء.
الجواب بسيط جدًّا، وليس غامضًا على الإطلاق.
عند موت شخص ما، تذهب الطاقة في جسمه حيث تذهب طاقة كل الكائنات الحية بعد موتها: في البيئة.
يتم إطلاق الطاقة على شكل حرارة، ونقلها إلى الحيوانات التي تأكلنا (أي الحيوانات البرية في حال تركنا بلا دفن، أو الديدان والبكتيريا إذا كنا مدفونين)، والنباتات التي تمتصنا.
لا يوجد “طاقة” بدنية بإمكانها أن تنجو من الموت ليتم الكشف عنها بأجهزة صيد الأشباح الشائعة.
إذا كانت الأشباح حقيقية، وهي نوع من الطاقة أو الكيانات غير المعروفة حتى الآن، فسوف يتم التحقق من وجودها من قبل العلماء من خلال التجارب المتحكم بها (مثلها مثل جميع الاكتشافات العلمية الأخرى)، وليس من قبل صيادي أشباح عطلة نهاية الاسبوع الذين يتجولون حول المنازل المهجورة في الظلام في وقت متأخر من الليل ومعهم الكاميرات والمصابيح اليدوية.
في النهاية (وعلى الرغم من العدد الهائل من الصور الغامضة والأصوات وأشرطة الفيديو)، فالأدلة على وجود الأشباح ليست أفضل حالًا اليوم عمّا كانت عليه قبل عام، قبل 10 أعوام، أو قبل قرن من الزمان.
هناك نوعان من الأسباب المحتملة لفشل صيادي الأشباح في العثور على أدلةٍ جيدة.
الأول هو أن الأشباح لا وجود لها، وأن الأشباح المُبلغ عنها يمكن تفسيرها بواسطة علم النفس والتصورات الخاطئة والأخطاء والخدع.
الخيار الثاني هو أن الأشباح موجودة، ولكن صيادي الأشباح ببساطة غير كفء.
في نهاية المطاف، فإن صيد الأشباح لا يتمثل بالأدلة (لو كان هذا صحيحًا، لتم التخلي عن البحث منذ فترة طويلة).
بدلًا من ذلك، فإن هدفه هو اللهو مع الأصدقاء، وسرد القصص، والتمتع والتظاهر بالبحث على حافة المجهول.
ففي النهاية، الجميع يحب سماع قصّةٍ جيدةٍ عن الأشباح.
- ترجمة: جورج نعوس.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر