هل أتى كوننا من ثقب أسود هائل؟
إذا عدنا إلى أقصى ما توصلنا إليه في فهمنا للكون، أي أن نسافر عبر الزمن إلى الوراء لأبعد وقتٍ ممكن، بحوالي 13.8 مليار سنة تقريبًا، سنصل في النهاية إلى “تفرُّد”، وهو عبارة عن نقطة شديدة الكثافة والسخونة والطاقة، حيثُ تتوقف فيها كل القوانين التي تحكم الزمكان.
ورغم قيامنا بعدة محاولات لفعل ذلك، لا يمكننا الرجوع إلى الماضي من أجل الوقوف عند ذلك التفرُّد ورؤية ما الذي تسبب في ولادة كوننا، لكننا في المقابل نعلم بوجود مكانٍ واحد يمكن أن نجد فيه حالة التفرد، وذلك داخل ثقبٍ أسود. وقد يكون للظاهرتين (ولادة الكون والثقوب السوداء) أشياءٌ كثيرة مشتركة أكثر مما كُنا نتوقعه بكثير.
قد يبدو ذلك جنونيًّا بعض الشيء، لكن الفيزيائي إيثان سيجل (Ethan Siegel) صرّح لمجلَّة فوربس أنَّه لا وجود لأي سبب يجعلنا نستبعد إمكانية حدوث الانفجار العظيم بسبب انهيار نجم داخل ثقب أسود في كون آخر رباعي الأبعاد.
تم اقتراح هذه الفكرة من طرف علماء الفيزياء النظرية من جامعة واترلوو الكندية سنة 2014، لكن رغم المحاولات الحثيثة للفيزيائيين، لم يتمكن أحدٌ منهم من إثباتها.
فقط للتوضيح، فإنَّ ما نعرفه عن الانفجار العظيم أنَّهُ مباشرة بعد التفرد، بدأ الكون بالتوسع، وفي غضون أجزاء قليلة من الثانية، خضع الكون لحالة سريعة من التضخم، حيث ازداد حجمه بـحوالي 1026، قبل أن تنخفض الوتيرة من جديد ويتوسع الكون بتدرُّج أكبر.
من جهة أخرى، فإنَّ الثقوب السوداء تنتج أفقا ثنائي الأبعاد في كوننا ثلاثي الأبعاد، وهذا يعني بشكل أساسي أنَّها تمتد في حدودٍ ثنائية الأبعاد لتشكل “نقطة اللاعودة” بالنسبة للمادة.
وهذا الشكل يمثل تخيُّلاً فنيّا لما قد تبدو عليه:
ونعلم أيضًا أن الشيء الذي يجمع بين الانفجار العظيم والثقوب السوداء، أنَّهما الحالتين الوحيدتين للتفرد في الكون. (التفرد يعني ببساطة النقطة التي تتوقف فيها القوانين المتحكمة في كوننا عن العمل).
أقصى ما توصَّل إليه علمنا، أنَّ الكون معتمد في عمله على نظامين من القواعد: ميكانيكا الكم بالنسبة للأشياء الصغيرة مثل الجسيمات؛ والنسبية العامة بالنسبة للأشياء الكبيرة مثل النجوم والكواكب وأنت، وأنا.
إذا ما أجرينا الحسابات، فإن الثقوب السوداء تتحدَّى تلك القوانين، لانَّ أفق الحدث الخاص بها أكبر من أن نستطيع شرحه عن طريق سلوك الجسيمات التي بداخله.
في هذا الصدد يشرح سيجل: “كون الثقوب السوداء أكبر بكثير من هذا ليس مشكلًا.” يضيف: “إن ذلك يعني ببساطة أنَّ قوانين الفيزياء التي نعرفها تنهار عند التفرد الذي نقوم بحسابه في المركز. إذا ما أردنا أن نصفه بشكل دقيق، يجب أن نقوم بتوحيد نظرية الكم والنسبية العامة. سيقودنا ذلك إلى نظرية كميَّة للجاذبيَّة.”
حتى الآن، لا نملك بعد “نظرية كل شيء”، لذلك ينتهي فهمنا للثقوب السوداء عند التفرد، كما ينتهي فهمنا للكون كذلك.
هذا وقد اقترح فيزيائيون من معهد بيريميتر وجامعة واترلو قبل سنتين، أنَّه بإمكان التفردين (تفرد الانفجار العظيم والثقب الأسود) أن يكونا تفردًّا واحدًا في الحقيقة، لذلك من المحتمل أن تكون ولادة كوننا من خلال تفرُّد ثقب أسود ضخم.
أو لنقم بترتيب الأفكار بشكلٍ آخر، قد يكون كوننا مجرَّد غلاف ثلاثي الأبعاد لأفق حدثٍ خاص بكونٍ آخر. في هذا الشأن نقتبس من تصريح صحفي لمعهد بيريميتر سنة 2014 والذي يقول: “في هذا السيناريو، ظهر كوننا للوجود عندما انهار نجمٌ في كون رباعي الأبعاد داخل ثقبٍ أسود.”
لكن إذا تحدثنا بلغة الرياضيات، فيجب أن ننتظر التأكيد. بينما لا نستطيع أن نجري حسابات على ما يجري في تفرد الثقب الأسود، يمكننا في المقابل أن نحسب ما يحصل على حدود أفق هذا الحدث، وذلك يطابق ماذا حصل عند ولادة الكون بشكل كبير، حيث يقول سيجل: “عندما ولد الثقب الأسود الأوَّل، بعد انفجار نواة نجمٍ وانهياره، ظهر أفق الحدث أوَّلاً، ثم توسع بشكل سريع وواصل نموَّه حيث سقطت فيه المادة بشكل متواصل. إذا ما وضعتَ شبكة على هذا الغطاء ثنائي الأبعاد، فستجد أنَّه قد نشأ عندما كانت خطوط الشبكة قريبة جدَّا لبعضها، ثم توسَّعت بشكل سريع عند تكوُّن الثقب الأسود، ليتباطأ التوسُّع بعد ذلك بسقوط المادة فيه بشكل كبير للغاية. وهذا يطابق ما نراه في معدَّل توسع عالمنا ثلاثي الأبعاد، على الأقل من الجانب النظري.”
من دون شك، تبقى هذه الفكرة برمَّتها مجرد فرضية حتى نجد طريقة لدمج قوانين ميكانيكا الكم والنسبيَّة العامة، لنتجاوز نقطة التفرد. لكن حتى يحين ذلك، من الرّائع أن نعي وبالعودة إلى هذه الفكرة، إمكانية نشوء أكوان ثنائيَّة الأبعاد في كلّ مرَّة يولد فيها ثقب أسود. يقول سيجل: “مهما كانت درجة الجنون التي تظهر عليه، فالإجابة قد تكون قريبة.”
ولا يسعنا الانتظار حتَّى نحصل على نظرية كل شيء الموعودة حتَّى نتمكن من تجربة هذه الأفكار العظيمة.
إعداد: وليد سايس
تدقيق: بدر الفراك
