الشبكات المعقدة من الاتصالات التي يستخدمها الدماغ للتفكير والذاكرة تخضع لرياضيات الطوبولوجيا الجبرية (البنائية التي يتم وفقها توصيل روابط وعقد الشبكة)، كتب أندرو ماسترسون.
شكل 1: صورة رقمية لجزء من القشرة المخية الجديدة (يسار) وأشكال من مختلف الأحجام والهندسة تمثل بنائية تتراوح من بعد واحد إلى سبع أبعاد وما بعدها.
يقول الباحثون في مشروع الدماغ الأزرق، وهو تعاون بين علماء الأعصاب وعلماء الرياضيات في جنيف بسويسرا: «عندما تعمل على حل مشكلة فإن الخلايا العصبية في الدماغ تشكل ما يشبه القلعة الرملية متعددة الأبعاد ثم تتفكك».
يكشف الباحثون عن النمذجة الرياضية التي تبين أن الدماغ يشكل باستمرار هياكل (بنائيات) مؤقتة تتواجد في أبعاد متعددة و ذلك في البحث في دورية «فرونتيرز في علم الأعصاب الحسابي – Frontiers in Computational Neuroscience و الموضحة على الرابط التالي.
وهي تقترح أن هدف الجهود الحالية لكشف البذور الدقيقة لتفاعلات الخلايا العصبية مصعب إلى حد كبير على الرياضيات المطبقة حاليًا، إذ إنها غير كافية للكشف عن هذه الأجزاء من المعماريات عالية الأبعاد.
أداة البحث الرئيسية في مشروع الدماغ الأزرق هي نموذج رقمي مفصل للقشرة المخية الجديدة، والذي اكتمل في عام 2015.
والقشرة المخية الجديدة مسؤولة عن المستويات العليا لأنشطة الدماغ.
يستخدم فريق المشروع نهجًا رياضيًا لفهم الطرق التي تتفاعل بها الخلايا العصبية في أنسجة المخ الرقمية، ومن ثم استخدام أنسجة تجريبية حقيقية لاختبار نتائجها.
في أحدث البحوث، استخدمت عالمتا الرياضيات «كاثرين هيس – Katryn Hess» و«ران ليفي- Ran Levi» نهجًا معقدًا، والمعروف باسم الطوبولوجيا الجبرية، للتحقيق في كيفية عمل الخلايا العصبية في القشرة المخية الجديدة عندما يتم حفزها.
توضح هيس: «الطوبولوجيا الجبرية مثل التلسكوب والمجهر في نفس الوقت؛ فإنه يمكن تكبير الشبكات للعثور على البنائيات الخفية، ورؤية المساحات الفارغة كلٌ في نفس الوقت».
لقد كانت النتائج مذهلة.
وكشفوا أنه بينما الخلايا في كل جهاز آخر في الجسم تعمل في أربعة أبعاد – الثلاثة المكانية، والرابع هو الوقت – فإن الدماغ يعمل بشكل روتيني في سبعة وأحيانا تصل إلى أحد عشر بعدًا.
تبدأ العملية بتشكيل «زمرة» – مجموعة من الخلايا العصبية التي ترتبط معًا بطرق محددة لتشكيل «كائن-object» دقيق.
يقول عالم الأعصاب المساهم «هنري ماركرام – Henry Markram»: «هناك عشرات الملايين من هذه الكائنات حتى في بقعة صغيرة من الدماغ».
ومع ذلك، فإن الزمرة هي في المقام الأول كيان مشترك أو حديقة رباعية الأبعاد.
لكن يبدأ المرح – وتصبح الرياضيات معقدة بشكل مفرط – عندما تبدأ الزمرات في الانضمام معًا.
تفعلن ذلك، في ومضة، عندما يتم تقديم التحفيز المناسب للدماغ.
تتراكم الزمر، وتشكل في الوسط تجاويف، والتي تبدو ذات أهمية حاسمة.
تقول ليفي: «إن ظهور تجاويف عالية الأبعاد عندما يعالج الدماغ المعلومات يعني أن الخلايا العصبية في الشبكة تتفاعل مع المحفزات بطريقة منظمة للغاية».
«كما لو أن الدماغ يتفاعل مع التحفيز من خلال بناء ثم هدم برج من لبنات متعددة الأبعاد، بدءًا من قضبان في بعد واحد، ثم ألواح في بعدين، ثم مكعبات في ثلاثة أبعاد، ثم أشكال هندسية أكثر تعقيدًا في أربعة وخمسة أبعاد فما أكثر».
شكل 2: رسم تخطيطي يمثل مجموعات من الخلايا العصبية والروابط فيما بينها، التي تتحدث طوبولوجيًا، وهي تشكل «الزمر» متعددة الأبعاد.
السؤال التالي لمشروع الدماغ الأزرق المطروح للحل هو هل توجد صلة بين التعقيد المتزايد في «قلعة الرمال» متعددة الأبعاد تلك وتعقيد النتائج المضمنة.
إن استخدام الطوبولوجيا الجبرية لوصف خريطة وظيفة الدماغ لا يزال في أيامه الأولى، ولكن بالفعل، ووفقًا للمؤلفين، فقد وفرت مفتاحًا لحل واحدة من أكبر أسرار وظائف الدماغ وهي: أين وكيف يتم تخزين الذكريات.
يقول ماركرام: «قد تكون «مخبأة» في تجاويف عالية الأبعاد».