تُعدُّ الثقوب السوداء محركات فوضى تملأ الكون بالإشعاعات بينما تبتلع النجوم الميتة داخل بطونها اللانهائية. لكن عندما يتعلق الأمر بذلك، حتى أكبر الثقوب السوداء قد تبدو بسيطة.
على عكس كل نجم وكوكب وصخرة في الكون، يمكن كتابة كل ما تحتاج إلى معرفته عن الثقب الأسود الهادئ والمنعزل في ثلاث نقاط فقط: الكتلة والزخم الزاوي والشحنة، على الأقل وفق نظرية اللا شَعر.
فور انهيار كتلة متوهجة من الغبار النجمي إلى نقطة ذات كثافة لا يمكن تصورها، عندها يختفي مزيج العناصر المعقد في حفرة اللا عودة، ما يحول كل ثقب أسود إلى الشيء ذاته. في الواقع، يمكن وصفها جميعًا بمعادلة واحدة قصيرة وبسيطة تسمى حل كير.
يشير مصطلح «الشَعر» إلى كل المعلومات الأخرى حول المادة المُشَكِّلة للثقب الأسود أو التي تُجذب إليه وفقًا لفهمنا، يجب أن ينساب كل ذلك في اتجاه واحد فقط عبر أفق حدث الثقب الأسود دون أن يترك أي معلومة تربط بين ما داخل الثقب الأسود والكون الخارجي.
لكن ربما نكون متسرعين قليلًا، إذ حدد فريق من الباحثين من جامعة ساوثامبتون وجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة ومعهد علوم الكون بجامعة برشلونة في إسبانيا الظروف التي قد تصبح فيها الثقوب السوداء مشعرة قليلًا، وتمتلك خصائصًا غير الكتلة والشحنة والزخم الزاوي.
تعتمد نظرية اللا شَعر على بعض الافتراضات الأساسية حول عزل الثقوب السوداء في الفضاء، واستنادًا إلى الملاحظات حول الأمواج الجاذبية التي تنبثق من اصطداماتها، يبدو أنها حتى الآن صحيحة.
لكن الورقة البحثية الجديدة تصف بعض السيناريوهات التي يمكن أن تنتهك فيها هذا التفرد.
إن «اللا شَعرية» المميزة للثقب الأسود هي جزء من سمات هيمنته على جواره. الافتراض الرئيسي هنا هو أن الفضاء المحيط بالثقب الأسود “فارغ”، مع عدم وجود طاقة تؤثر في الثقب الأسود أو المادة التي تُمتَص داخله.
حتى في وجود أشياء مثل النجوم المحيطة أو الثقوب السوداء الأخرى، سيدور النظام ويخرج عن التوازن بضعة آلاف السنين قبل أن يستقر في نفس المكان الفردي البسيط في الزمكان.
ومع ذلك، يقترح الباحثون أنه إذا ابتلع كل فرد في نظام الثقوب السوداء المزدوجة كمية كافية من مادة ذات شحنة معينة، يجب أن يصبح حسب النظرية مشحونًا بما يكفي لصد شريكه.
وكما كتب الفريق في ورقته البحثية، إذا نجح التنافر في موازنة التجاذب، فقد يجدون أنفسهم في توازن مستقر، ما يخلق وحشًا عظيمًا ذو آفاق متعددة – دون كسر النسبية العامة.
من وجهة نظرنا هنا على الأرض، فإن هذا التوازن المثالي بين الجذب والدفع سيجعل هذين الثقبين الأسودين يظهران كأنهما ثقبٌ أسود واحد. مثلما يمكن للبيض المماثل المصطف في كرتونة البيض أن يخفي صفارًا مزدوجًا، فإن الثقوب السوداء المنفردة التي ندرسها حاليًا يمكن أن تحتوي على تركيبة أكثر تعقيدًا.
وفقًا لهذا التحليل الأخير، قد يكون للكون قوةً أخرى في شكل ثابت كوني. يمكن أن تكون قوة الدفع الغامضة التي تقف وراء توسع الفضاء -وهي ما نطلق عليها اسم الطاقة المظلمة- كافيةً أيضًا لمنع اندماج بعض الثقوب السوداء ذات الكتل الخاصة، عكس هذه الثنائيات من الثقوب السوداء المشحونة على نحو مناسب.
مع أن هذا يبدو أمرًا بسيطًا، فإن وجود ثقوب سوداء تدور حول بعضها بتوازن تام على تيارات من الزمكان المتدفق لا يبدو ممكنًا للوهلة الأولى، وفقًا للنظريات الحالية.
ووفقًا للباحثين لا تخلو هذه النظريات من قيود خاصة بها.
لفهم الفكرة فهمًا مُعَمقًا واختبارها بجدية باستخدام الرياضيات، بنى الرياضيون القائمون على هذه الدراسة الفكرة من تطبيقات بسيطة ومنطقية للفيزياء التقليدية على كتلتين متطابقتين غير دوارة وغير مشحونة، ثم حلوا المعادلات باستخدام نظرية أينشتاين، ثم حللوا خصائص الزوج الافتراضي.
اكتشف الباحثون أن الخصائص الحرارية لمثل هذا الزوج ستجعل الثقوب السوداء الدوارة غير مستقرة، وهو ما يبدو وكأنه أخبار سيئة بالنسبة للعثور على أي أمثلة حقيقية لهذه الأنظمة الثنائية الخاصة.
لكن من خلال تعميم المعادلات لتشمل الثقوب السوداء التي تدور في اتجاهين معاكسين، أظهروا أن الثقوب السوداء الشعرية الغريبة يمكن أن تبقى موجودة، تتنكر في شكل نوع من الأنواع الوحيدة والمملة.
اقرأ أيضًا:
ستيفن هوكينج أراد صنع ثقوب سوداء على الأرض، فهل هذا ممكن؟
الثقوب السوداء الفائقة تستطيع إطلاق رياح تصل سرعتها إلى ثلث سرعة الضوء!
ترجمة: محمد فواز السيد
تدقيق: باسل حميدي