بدأت أصول نشأة الحياة على الأرض قبل أكثر من 3 مليارات سنة، تطورت من الكائنات الدقيقة البسيطة إلى مجموعة مدهشة من التعقيد على مرّ الزمن. ولكن كيف تطورت أول العضويات في الموطن الوحيد المعروف باحتضان الحياة في الكون من الحساء (مزيج المركبات العضوية) البدائي؟
ما زال العلم غير حاسم ومتصارعًا بشأن أصل نشأة الحياة، المعروف أيضًا بالتولد التلقائي. حتى تعريف الحياة ذاته محل جدل وتعارض، إذ أشارت دراسة نُشِرت في مجلةJournal of Biomolecular Structure and Dynamics إلى اكتشاف 123 تعريف مختلف منشور.
البرق خلال عاصفة صيفية
قد يكون البرق قد قدّم الشرارة الأولى اللازمة لبداية نشأة الحياة. وتستطيع الشرارة الكهربائية أن تُنتِج حمضًا أمينيًا وسكريات من الغلاف الجوي المشحون بالماء والميثان والأمونيا والهيدروجين، مثلما أظهرت التجربة الشهيرة ميلر-يوري في عام 1952، وفقًا لمجلة Scientific American، إذ أشارت نتائج التجربة إلى أن البرق قد ساعد على إنشاء الكتل الأساسية للحياة على الأرض في الأيام الأولى. وعلى مرّ الآلاف من السنين، قد تتشكل جزيئات أكبر وأكثر تعقيدًا.
مع أن الأبحاث منذ ذلك الحين كشفت أن غلاف الأرض الأولي كان فقيرًا بالهيدروجين فعليًا، واقترح العلماء أن الغيوم البركانية في الغلاف الجوي الأول قد تحتوي على الميثان والأمونيا والهيدروجين، وأنها قد تكون مليئة بالبرق أيضًا وفقًا لجامعة كاليفورنيا.
جزيئات الحياة التقت على الطين
قد تكون أول جزيئات نشأة الحياة التقت على الطين، وفقًا لفكرة وضعها الكيميائي العضوي ألكسندر غراهام كيرنز-سميث في جامعة غلاسكو في اسكتلندا، إذ اقترح كيرنز-سميث في كتابه المثير للجدل «سبعة دلائل على أصل الحياة» الصادر في عام 1985، أن بلورات الطين تحتفظ ببنيتها في أثناء نموها وتلتصق معًا لتشكل مناطق تعرضت لبيئات مختلفة، وتلتقط جزيئات أخرى على الطريق وتنظمها في أنماط تشبه تلك التي تفعلها جيناتنا الآن.
الدور الرئيسي لحمضDNA هو تخزين المعلومات بشأن كيفية ترتيب جزيئات أخرى. وتتضمن السلاسل الوراثية في حمضDNA ببساطة تعليمات بشأن كيفية ترتيب الأحماض الأمينية في البروتينات. ويقترح كيرنز-سميث أن بلورات المعدن في الطين قد رتبت الجزيئات العضوية في أنماط منظمة. وبعد فترة، استلمت الجزيئات العضوية هذا الدور ونظمت نفسها. ومع أن نظرية كيرنز-سميث أعطت العلماء مجالًا للتفكير في الثمانينيات، فإنها لم تحظَ بتبنٍّ واسع من المجتمع العلمي.
الحياة بدأت في ينابيع البحر العميقة
تشير نظرية ينابيع البحر العميقة إلى أن نشأة الحياة قد بدأت في ينابيع مائية حارّة عميقة تنفث عناصر أساسيّة للحياة، مثل الكربون والهيدروجين، وفقًا لمجلة Nature Reviews Microbiology.
يمكن العثور على فتحات التيار الحراري في أعماق الأرض وفي أعماق المحيطات المظلمة عادةً على ألواح القشور القارية المتباعدة، وفقًا للمتحف التاريخي الطبيعي. وتنفث هذه الفتحات سوائل مشحونة بالحرارة على نحو فائق من قلب الأرض في أثناء ارتفاعها عبر القشرة قبل أن تُطرح في البيئة البحرية. وفي أثناء رحلتها من خلال القشرة، تجمع هذه السوائل غازات منحلة ومعادن مثل الكربون والهيدروجين.
قد تكون أركانها الصخرية في هذه الفتحات قد جمعت هذه الجزيئات معًا وقدمت محفزات معدنية للتفاعلات الحيوية الحاسمة. وحتى الآن، تستمر هذه الفتحات الغنية بالطاقة الكيميائية والحرارية في دعم النظم البيئية الحية.
يُعد استمرار التحقيق في فرضية نشأة الحياة من خلال فتحات التيار الحراري سببًا ممكنًا للحياة على الأرض. ففي عام 2019، نجح علماء في كلية لندن الجامعية في إنشاء خلايا أولية (هياكل غير حية تساعد العلماء على فهم أصول الحياة) تحت ظروف بيئية حارة قلوية مشابهة لفتحات التيار الحراري.
كانت الحياة لها بداية باردة
قد يكون الثلج قد غطى المحيطات قبل 3 مليار سنة، ما يسهل عملية نشأة الحياة. وقال جيفري بادا في جامعة كاليفورنيا لـمجلةNew Scientist : «المركبات العضوية الرئيسية التي يُظن أنها مهمة في نشأة الحياة تكون مستقرة أكثر في درجات الحرارة المنخفضة».
في درجات الحرارة العادية، تكون هذه المركبات، مثل مجموعات بسيطة من الأحماض الأمينية، ضئيلة في المياه، ولكن عند التجمد، تتركز وتسهل ظهور الحياة وفقًا لأبحاث بادا المنشورة في مجلة Icarus.
قد يكون الثلج أيضًا قد حمى المركبات العضوية الهشة في المياه من الأشعة فوق البنفسجية وتدمير تأثير الاصطدامات الكونية. وربما ساعد البرد هذه الجزيئات على البقاء لفترة أطول، ما يمكّن حدوث تفاعلات حيوية حاسمة.
يكمن الجواب في فهم تكوّن DNA
اليوم، يحتاجDNA إلى البروتينات ليتكون، والبروتينات تحتاج إلىDNA لتتكون، فكيف يتكونا من دون بعضهما؟ قد يكون الجواب هو RNA نوع من الحمض النووي يمكنه تخزين المعلومات مثل DNA، وقد يعمل كإنزيم مثل البروتينات، ويساعد على خلقDNA والبروتينات على حد سواء وفقًا لمجلة Molecular Biology of the Cell . وفيما بعد، نجحDNA والبروتينات في «عالم»RNA هذا لأنهما أكثر فاعلية.
ما زالRNA موجودًا، ويؤدي عدة وظائف في الكائنات الحية، بما في ذلك العمل بوصفه مفتاح (تشغيل وإيقاف) لبعض الجينات. والسؤال الذي ما زال قائمًا هو كيف وصلRNA هنا في المقام الأول؟ يظن بعض العلماء أن هذا الجزيء قد نشأ عفويًا على الأرض، في حين يقول آخرون إن حدوث ذلك غير متوقع.
كانت الحياة لها بدايات بسيطة
بدلًا من التطور من جزيئات معقدة مثلRNA ، قد تكون بداية نشأة الحياة بجزيئات أصغر تتفاعل مع بعضها في حلقات من التفاعلات. فقد تكون هذه الجزيئات تكونت داخل كبسولات بسيطة تشبه أغشية الخلايا، ومع مرور الوقت، قد تطورت جزيئات معقدة أكثر قادرة على أداء هذه التفاعلات بصورة أفضل من الجزيئات الأصغر، ويُطلق على هذه السيناريوهات نماذج «الأيض أولًا»، على عكس نظرية «عالم» RNA التي تقول إن الحياة بدأت بـالجين أولًا.
نُقِلت الحياة إلى هنا من الفضاء
ربما لم تبدأ الحياة على الأرض إطلاقًا، بل نُقِلت إلى هنا من الفضاء، وهذا ما يُعرف بفكرة الانتشار الكوكبي وفقًا لوكالة ناسا. فمثلًا، تنطلق صخور من سطح المريخ بانتظام نتيجة الاصطدامات الكونية، وعُثر على عدد من الأحجار الكوكبية من المريخ على الأرض، إذ اقترح بعض الباحثين على نحو مثير للجدل أنها قد جلبت معها ميكروبات، ما يشير إلى إمكانية أننا جميعًا مريخيون بالأصل. وقد اقترح بعض العلماء أيضًا أن الحياة قد ركبت على مذنبات من أنظمة نجمية أخرى.
مع ذلك، حتى إذا كان هذا المفهوم صحيحًا، سيتغير السؤال إلى كيف نشأَت الحياة في أماكن أخرى في الفضاء؟
اقرأ أيضًا:
العثور على اللبنات الأساسية لنشأة الحياة داخل سحب الغبار المكونة للكواكب
قد يكون هذا العنصر المفقود لنشأة الحياة
ترجمة: عقيل الحسن
تدقيق: غفران التميمي
مراجعة: هادية أحمد زكي