في اكتشاف صادم، نجح الباحثون بفصل DNA فيروس HIV -1 الذي يسبب مرض الإيدز (داء نقص المناعة المكتسب) عن المادة الوراثية الخاصة بحيوانات حية وهذا يُمكن أن يُعَد خطوة للأمام باتجاه علاج هذا الخمج عند البشر. يُقَدّر عدد المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب نمط 1 (HIV-1) بحوالي 36.9 مليون شخص حول العالم، ويزداد هذا العدد بمقدار 5000 إصابة يوميًّا. نشر فريق متعدد الاختصاصات عملهم في شبكة الطبيعة Nature) (Communications الذي يُظهِر لأول مرة إمكانية التخلص من الفيروس بشكل تام.
يقول مؤلف الدّراسة كامل خليلي (Kamel Khalili) من جامعة Temple في تصريحه: «تُظهِر دراستنا أنّه عندما يُعطى المتسلسل للعلاج المثبط لاستنساخ HIV والمعالجة المعدلة وراثيًّا، يمكن أن يُزال فيروس HIV من خلايا وأعضاء الحيوانات المخموجة».
يعتمد العلاج الحالي لفيروس نقص المناعة المكتسب HIV على العلاج المضاد للفيروسات الرجعيّة (Antiretroviral therapy ART). يُثبّط هذا العلاج استنساخ HIV لكنه لا يتخلص منه. بدلًا من ذلك، يعيش الفيروس في الجينوم البشري الذي يُعدّ مخزنًا له على امتداد الجسم.
في حال غياب ART يُمكن أن يُعاد تفعيل واستنساخ DNA الفيروس ضمن المادة الوراثية لخلايا الجهاز المناعي ويبقى خاملًا وبعيدًا عن تأثير الأدوية المضادة للفيروسات الرجعية (ART). هذا العلاج ليس شافيًا، بل بالأحرى يُعتبر علاجًا على مدى الحياة، مسبّبًا تحوّل فيروس HIV إلى مرض مزمن قابل للعلاج لكنه يستمر في الجسم.
أظهرت دراسات سابقة على الجرذان والفئران أن التعديل الجيني باستخدام تقنية CRISPR-Cas9 يمكن أن يزيل DNA فيروس HIV من المادة الوراثية التي تحمل الفيروس، إذ تقتطع هذه التقنية شدفًا (قطعًا) كبيرة من DNA الفيروس من الخلايا المخموجة وتثبط التعبير عن الجين الفيروسي. ولكن التعديل الجيني لا يستطيع إزالة فيروس HIV وحده.
استخدم الباحثون في طريقة العلاج الجديدة وسائل علاجية مضادة للفيروسات الرجعية تدعى مضادات الفيروسات الرجعية ذات التحرر بطيء التأثير طويل المدى LASER ART، والتي تستهدف استراتيجيًّا ملاجئ الفيروسات التي تحتضن HIV، وتمنعه من الاستنساخ بمعدل عالٍ خلال البرنامج العلاجي طويل المدى.
بالمجمل، تقلل هذه الطريقة الحاجة إلى إعطاء ART مع الوقت. عُدِّلت البنية الكيميائية للأدوية المضادة للفيروسات الرجعية لتصبح على شكل بلورات نانومترية (nanocrystales) والتي تنتشر بالتالي إلى النسج حيث يُحتمل وجود HIV بشكله الخامل. تُخزّن جزيئات الأدوية المضادة للفيروسات الرجعية بطيئة التحرير داخل هذه الخلايا لأسابيع في كل مرة تُعطى فيها.
لكن العلاج باستخدام LASER ART وحده غير كافٍ، إذ إنّه يُثَبط استنساخ HIV معطيًا CRISPR-Cas9 وقتًا كافيًا لقطع شدف من DNA فيروس HIV-1 الموجود في المادة الوراثية للمضيف بشكل «نوعي وفعال». يُعتبر هذا الاكتشاف مفهومًا جديدًا بالتأكيد، لكنّه لم يُطبق إلا على الفئران والجرذان.
صمم العلماء فئرانًا لإنتاج خلايا بشرية تائية (T Cells) والتي تُعتبر معرضة لخمج HIV. عندما خُمِجَت هذه الخلايا، عُولجت الفئران باستخدام LASER ART ومن ثمّ CRISPR-Cas 9. في نهاية العلاج، لوحظ زوال فيروس HIV من DNA ثلث الفئران المخموجة تقريبًا، وبدقة أكبر: شُفي فأران من سبعة في التجربة الأولى، وثلاثة من 6 في التجربة الثانية، و6 من 10 في الثالثة.
لا يوجد تفسير واضح لشفاء حيوانات محددة من بين الحيوانات المخموجة وبقاء الحيوانات الأخرى مصابة. يجب إجراء اختبارات أمان لهذه المقاربة العلاجية في سبيل تحديد إمكانية تطبيقها على البشر بشكل آمن. وبغضّ النظر عن ذلك، تمهد الإمكانيّات الطّريق للبحث والفهم في المستقبل.
يقول الدكتور خليلي: «إنّ الجوهر الأساسيّ لهذا العمل هو في استخدام CRISPR-Cas 9 والمثبطات الفيروسية بطريقة مثل LASER ART، وإعطائهما معًا لشفاء خمج HIV، لدينا الآن طريق واضحة للمضيّ قُدمًا في التجارب على الرئيسيّات غير البشرية ومن الممكن إجراء تجارب على المرضى البشر خلال سنة».
وُثِّق زوال خمج HIV-1 في حالتين فقط عند البشر، وكلّ منهما كان قد خضع لعمليّة نقل خلايا جذعيّة.
اقرأ أيضًا:
كم قريبون نحن من علاج الإيدز ؟
هل تكون أدوية السرطان مفتاحًا لعلاج الإيدز ؟
هل وجد العلماء طريقة لمقاومة الإيدز ؟
ما هي الإصابات الانتهازية وما هو الخطر الذي تمثله على مرضى الإيدز ؟
ترجمة: محمد ياسر جوهرة
تدقيق: عون حداد
مراجعة: رزان حميدة