مع ضخامة انتشار المجال الكهربائي للأرض وشدة أهميته المحتملة، من غير العادي أن يستغرق اكتشافه كل هذه المدة.

تمتلك الأرض مجالًا كهربائيًا يسمح بنفاذ الجسيمات عند الأقطاب، ومع أن هذه الفكرة عُرِضت لأول مرة في الوقت الذي وصل فيه البشر إلى الفضاء، إلا أن وجود المجال لم يُؤكَد ولم يعرف قياسه إلا مؤخرًا، عندما تمكن صاروخ إندورانس من وكالة ناسا من تحقيق الأمرين في رحلة دون مدارية.

اقترح علماء الكواكب -لتفسير هروب بعض الجسيمات إلى الفضاء- وجود مجال كهربائي للأرض إلى جانب المجال المغناطيسي ومجال الجاذبية، ومع أنه يُعد ضعيفًا مقارنة بنظيريه لكنه ما يزال مهمًا.

يُرجح وجود هذا المجال لأن الإلكترونات -التي بسبب خفتها تظل أقل تأثرًا بالجاذبية من الأيونات الموجبة- أكثر عرضة للهرب إلى الفضاء. ويخلق هذا جهدًا سالبًا ضعيفًا حول الأرض وشحنة موجبة طفيفة بالقرب من سطحها، وتوجد أدلة دامغة الآن على حدوث ذلك.

لا يوجد خوف حقيقي من التعرض للصعق بواسطة المجال فقد قاس إندورانس التابع لوكالة ناسا جهدًا كهربائيًا قدره 0.55 فولت -وهو أصغر من معظم بطاريات الجيب- على نطاق 518 كيلومترًا رأسيًا.

رصدت الأقمار الصناعية هروب بعض الجسيمات خارج الكوكب لكن عند القطبين فقط، وبما أن الجاذبية متماثلة تقريبًا على سطح الأرض فإن الأمر يحتاج إلى تفسير منطقي، إحدى الطرق التي قد تهرب بها الجزيئات هي اكتساب طاقة حركية كافية لذلك، ولكن يحدث هذا إذا ازدادت درجة حرارتها أكثر ولا يعرف عن المناطق القطبية ارتفاع حرارتها لذا لا بد من وجود تفسير آخر.

صرح الدكتور جلين كولينسون من مركز جودارد لرحلات الفضاء: «لا بد أن شيئًا ما يجذب هذه الجسيمات إلى الخارج»، وكان وجود مجال كهربائي الإجابة الأكثر منطقية.

الجدير بالذكر أن هذا المجال رغم ضعفه ما يزال قادرًا على توليد الرياح القطبية، مع أن تقديرات قوته كانت أقل من قدرة معدات القياس التي أُرسِلت إلى حافة الفضاء. وساهم كولينسون في تصميم صاروخ يظنه وزملاؤه ملائمًا لهذا.

أُطلق الصاروخ من أقرب قاعدة إلى المنطقة القطبية في شمال النرويج، وأوضحت سوزي إمبر من جامعة ليستر: «سڤالبارد هي منطقة إطلاق الصواريخ الوحيدة حول العالم حيث يمكن التحليق عبر الرياح القطبية والحصول على القياسات التي نريدها».

بلغ صاروخ ناسا إندورانس ارتفاع 768 كيلومترًا، وهو أعلى من ارتفاع محطة الفضاء الدولية وتلسكوب هابل ثم هبط في بحر جرينلاند. قاس الصاروخ التغير في الجهد صعودًا وهبوطًا بين ارتفاع 250 كيلومترًا ومقدمة الصاروخ.

يقول كولينسون: «نصف فولت قيمة تكاد لا تذكر فهي تقريبًا بقوة بطارية ساعة يد، لكنها المقدار المناسب تمامًا لتفسير حدوث الرياح القطبية».

يتسبب اتجاه المجال في جذب الإلكترونات نحو الأرض ودفع أيونات الهيدروجين الموجبة إلى الفضاء، ورغم ضعف الجاذبية فإنها أضعف بنحو 10 مرات من الجاذبية الأخرى على هذه الجسيمات الخفيفة، وفي المواقع التي قاسها صاروخ إندورانس يبقى المجال قويًا بما يكفي لدفع الأيونات نحو الفضاء بسرعات تفوق سرعة الصوت، حسب ما أكده أليكس جلوسر من مركز جودارد.

ترتب على ذلك شد وجذب في معدلات الهيدروجين على الأرض، لأنها تتناقص تدريجيًا بفعل الرياح القطبية التي يصنعها المجال، ولكن تتزايد بفعل نيزك عرضي يحمل الماء أو أي جزيئات أخرى غنية بالهيدروجين.

الغلاف الجوي أساسي لوجودنا وربما وجود أي شكل من أشكال الحياة، لكن الكثير من الهيدروجين قد يحمل آثارًا سلبية، لذا من المحتمل أن الرياح القطبية حافظت على بيئة كوكبنا الصالحة للحياة بالحفاظ على توازن الهيدروجين.

تطبق ذات القوى من المجال على الشحنات الموجبة الأخرى -خاصة التي تحمل شحنتين أو أكثر- لكن الجاذبية تجذبها بقوة أكبر. بناءً على ذلك لن يُدفع أيون الأكسجين إلى الفضاء لكن سيتصرف كأنه يزن نصف وزنه ويعوض المجال بقية وزنه.

استنتج الفريق أن جزء الغلاف الجوي المسمى الغلاف الأيوني منتفخ أكثر مما سيكون عليه بخلاف ذلك، ما يحافظ على الكثافة في ارتفاعات أكبر بما في ذلك زيادة بنسبة 3800% في أيونات الأكسجين التي تصل إلى الغلاف المغناطيسي.

يقول كولينسون: «من الطبيعي أن يكون لأي كوكب له غلاف جوي مجال كهربائي، وبما أننا قد تمكنا أخيرًا من حسابه سيتسنى لنا أن نتعلم كيف شَكَّل هذا المجال كوكبنا والكواكب الأخرى عبر الوقت».

تفاوت واختلاف المجالات باختلاف الكواكب هو موضوع يود الفريق استكشافه أيضًا.

اقترحت مخططات سابقة أن الحد الأدنى لشدة المجال هو 0.4 فولت، قابلة للزيادة في ساعات النهار بفضل الفوتونات عالية الطاقة. واستبعدت التجارب السابقة أن تكون القيمة أعلى من 2 فولت، لكن يشتبه بأن تصل شدة المجال على المشتري والزهرة إلى عشرات الفولتات. هنا تكمن روعة الاكتشاف، فمع نهار الشمال الممتد طوال 24 ساعة لا ترتفع القيمة كثيرًا عن 0.4 فولت.

نُشِرت الدراسة مفتوحة المصدر في مجلة نيتشر.

اقرأ أيضًا:

كيف كان قضاء عام كامل في مركز محاكاة المريخ التابع لناسا؟

ناسا تخطط لإرسال سرب من النحل الآلي إلى سطح المريخ

ترجمة: إسراء أسعد

تدقيق: تمام طعمة

المصدر