صوّرت وكالة ناسا موقع تحطم مركبة فضائية غامضة اصطدمت بالجانب البعيد من القمر، وأحدثت تلك المركبة الفضائية المجهولة حفرة مزدوجة غريبة حيّرت العلماء. يقول بعض علماء الفلك إن المركبة كانت صاروخًا صينيًا أُطلق عام 2014.
التُقِطت صور موقع التحطم بمركبة الاستطلاع المدارية القمرية التابعة لناسا (LRO) في 25 مايو ونُشرت في 24 يونيو. تُظهر الصور أن هذا الحطام الغامض (الذي ما يزال هناك خلاف على مصدره) تسبب في إحداث ثقبين متداخلين عند اصطدامه بالجانب البعيد من القمر إذ يتحرك بسرعة 9290 كم / ساعة.
تزيد هذه الحفر المزدوجة غير المتوقعة من التشويش الموجود مسبقًا لدى مراقبي الفضاء منذ يناير، عندما تنبأ بيل جراي، عالم الفلك الأمريكي ومطوّر البرامج التي تتعقب الأجسام القريبة من الأرض، بأن قطعة من النفايات الفضائية المدارية ستصطدم بالجانب البعيد من القمر في غضون أشهر، وذلك حسب موقع Live Science.
عندما اكتشف جراي الحطام لأول مرة، ظن أنه بقايا المرحلة الثانية من الصاروخ Falcon X الذي أطلقته شركة سبيس إكس SpaceX في عام 2015. لكن المشاهدات والتحليلات اللاحقة للبيانات المدارية أظهرت أن الجسم كان من بقايا المرحلة النهائية للصاروخ Chang’e 5-T1 الصيني، وهي مركبة فضائية (سُميت على اسم آلهة القمر الصينية) أُطلِقت عام 2014. لكن لم يوافق المسؤولون الصينيون على ذلك، وزعموا أن المرحلة الأخيرة من هذا الصاروخ قد احترقت في الغلاف الجوي للأرض منذ سنوات.
وفقا لجامعة ولاية أريزونا تحطّم أكثر من 47 صاروخًا تابعًا لوكالة ناسا على سطح القمر حتى الآن، لكن «الحفرة المزدوجة كانت غير متوقعة» حسب بيان ناسا، وأضافت: «لم ينتج عن أي جسم صاروخي آخر على القمر حفر مزدوجة».
توقع الخبراء أن حطام الصاروخ أصاب سطح القمر في فوهة هرتسبرونغ على الجانب البعيد من القمر، في 4 مارس؛ مع أن العلماء لم يتمكنوا من مراقبة لحظة الارتطام بشكل مباشر.
تُظهر المشاهدات من مركبة الاستطلاع المدارية القمرية التابعة لناسا الحفرتين على سطح القمر -يبلغ عرض الحفرة الشرقية 18 مترًا، بينما يبلغ عرض الحفرة الغربية 16 مترًا. إذا كانت مركبة الاستطلاع التابعة لناسا قد جُهزت لالتقاط صور الاصطدام، فيجب أن تكون قد وثقت وصوّرت عمودًا من الغبار القمري على ارتفاع مئات الكيلومترات.
ما يزال العلماء يخمنون مصدر الحفرتين، إذ قال ممثلو ناسا إن أحد الاحتمالات هو أن الفوهات تشكّلت بسبب قطعة من الحطام كانت بها كتلتان كبيرتان في كل طرف، لكن هذا السيناريو سيكون غريبًا نوعًا ما.
ذكر البيان: «عادة ما تتركز كتلة الصاروخ المستهلَك في نهاية المحرك، بينما تتكون بقية الصاروخ بشكل أساسي من خزان وقود فارغ».
نظرًا لأنه من المحتمل أن تتفكك معززات الصاروخ تمامًا عند الاصطدام، فمن غير المؤكد: هل سيوفر التحقيق في الحفر أية أدلة مفيدة على مصدرها المثير للجدل أم لا؟ ولكن يعتقد بعض علماء الفلك أن معظم الغموض قد اُكتشف بالفعل. كتب جراي على مدونته بعد وقت قصير من نشر الصور: «تم التحديد بشكل قاطع على أنها من معززات المركبة الصينية Chang’e 5-T1».
قال جراي لموقع Live Science: «أنا مقتنع تمامًا بأنه لا يمكن أن يكون أي شيء آخر. في هذه المرحلة، نادرًا ما نحصل على شيء مؤكد إلى هذا الحد».
توقع جراي في المرة الأولى أن الحطام المثير للجدل سيصطدم بالقمر بعد أن رُصد وهو يطوف في الفضاء في مارس 2015. سُلط الضوء على هذا الجسم (الذي أُطلق عليه اسم مؤقت هو WE0913A) لأول مرة بتلسكوبات Catalina Sky Survey، وهي مجموعة تلسكوبات بالقرب من توكسون، أريزونا التي تفحص جوارنا الكوني بحثًا عن كويكبات خطيرة يمكن أن تصطدم بالأرض. مع ذلك، لم يكن WE0913A يدور حول الشمس، مثل الكويكب، بل كان يدور حول الأرض، لذلك اعتقد جراي بأن الجسم من صنع الإنسان.
بعد أن أخطأ في التعرف على الحطام الغامض على أنه صاروخ SpaceX Falcon 9، عاد جراي إلى البيانات ليجد أن مركبة فضائية أخرى كانت قريبة من مسار الحطام المتجه إلى القمر؛ المرحلة النهائية من الصاروخ الصيني Chang’e 5-T1، الذي انطلق في أكتوبر 2014 كجزء من مهمة أولية لإرسال كبسولة اختبار إلى القمر والعودة.
نفى مسؤولو وزارة الخارجية الصينية أن تكون تلك المركبة ملكهم، وأصروا على أن الصاروخ Chang’e 5 احترق بالفعل في رحلة عودته إلى الأرض عام 2014.
عارض الخبراء الأمريكيين هذا الادعاء، مشيرين إلى أن المسؤولين الصينيين قد التُبس عليهم الأمر بين صاروخ 2014 وصاروخ مشابه من مهمة 2020، فالصاروخ الأول هو الذي اصطدم بالقمر. في الأول من مارس أصدرت قيادة الفضاء التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، التي تتعقب النفايات الفضائية في المدار الأرضي المنخفض، بيانًا ذكرت فيه أن الصاروخ الصيني لعام 2014 لم يخرج من مداره أبدًا.
يعتقد جراي أن بياناته المدارية تتطايق بشكل شبه كامل مع المسار الأولي للصاروخ الصيني، ولا يمكن أن تكون خاطئة، وقال: «إنه في المدار حيث توجد أعداد هائلة من المهمات القمرية، وميلانه يدل أنه كان يتحرك فوق الصين، متجهًا شرقًا بنفس الطريقة التي تعمل بها البعثات القمرية الصينية، والوقت المقدر لإطلاقه يتراوح ضمن حدود 20 دقيقة على موعد إطلاق الصاروخ Chang’e 5-T».
تم توصيل قمر صناعي راديوي للهواة (cubesat) بالصاروخ Chang’e 5-T1 خلال أول 19 يومًا من رحلته، وتتطابق بيانات المسار المرسلة من هذا القمر الصناعي مع المسار الحالي لحطام الصاروخ تمامًا، وفقًا لجراي.
حدد آخرون أيضًا أدلة مهمة تدعم استنتاج جراي؛ أكد مركز دراسات الأجسام القريبة من الأرض التابع لمختبر الدفع النفّاث التابع لناسا تحليل جراي للبيانات المدارية، وحدد فريق من جامعة أريزونا حطام الصاروخ كجزء من المهمة Chang’e 5-T1 من خلال تحليل طيف الضوء المنعكس من الطلاء على الحطام.
على الرغم من أن هذه هي أول قطعة فضائية مجهولة تصطدم بالقمر دون قصد، إلاّ أنها ليست المرة الأولى التي يتحطم فيها قمر صناعي من صنع الإنسان هناك. ففي عام 2009، أُطلق قمر صناعي تابع لناسا عمدًا لرصد فوهة على القمر واستشعارها في القطب الجنوبي للقمر بسرعة 9000 كم / ساعة، ما أدى إلى إطلاق عمود من تربة القمر مكّنت العلماء من اكتشاف التوقيعات الكيميائية للمياه المتجمدة. تخلصت ناسا أيضًا من صواريخ ساتورن 5 التابعة لبرنامج أبولو بقذفها على القمر.
قال جراي إن الالتباس المحيط بهوية الجسم يسلّط الضوء على حاجة حقيقية لوكالات الفضاء والشركات الخاصة في كل مكان لتطوير إجراءات أفضل لتتبع الصواريخ التي يرسلونها إلى الفضاء العميق، الذي من شأنه أيضًا أن يمنع مثل هذه الأجسام من الوقوع في الخطأ بما يتعلق بالكويكبات التي تهدد الأرض.
قال جراي: «من وجهة نظري، سيساعدنا ذلك على تتبعٍ أفضل للكويكبات. لم تولى الأقمار الصناعية التي تدور في مدارات مرتفعة الاهتمام الكافي مقارنة بتلك الموجودة في المدارات الأرضية المنخفضة لأن الناس اكتشفوا أنها لا تهم حقًا، وآمل أن تفكر الولايات المتحدة الآن في العودة إلى القمر وأن تقوم البلدان الأخرى أيضًا بإرسال المركبات إلى هناك، ما قد يغير هذا الموقف».
اقرأ أيضًا:
تشابه جديد بين الأرض والقمر تيتان التابع لكوكب زحل
ترجمة: أحمد عضيم
تدقيق: أميمة الغراري