يساعد تحليل جديد للضوء وموجات الجاذبية الناتجة عن اصطدام النجوم النيوترونية في الكشف عما بداخل هذه الأجسام فائقة الكثافة. يختبئ لغز داخل جثث النجوم الميتة، فالنجوم النيوترونية -التي تتشكل عندما تموت أنواع معينة من النجوم في انفجارات المستعر الأعظم- هي أكثر أشكال المادة كثافة في الكون بعد الثقوب السوداء، التي تجاوزت حدود الفيزياء الطبيعية تمامًا. فقد ضُغطت الذرات في النجوم النيوترونية بشدة بفعل الجاذبية لدرجة أنها تحطمت؛ فاندمجت البروتونات والإلكترونات بداخلها معًا لتكوين نيوترونات، تاركة أجسامًا بحجم مدن صغيرة تحتوي على كتل أكبر من الشمس.
نحو 95٪ من كتلة النجم النيوتروني هي نيوترونات نقية، لكن الفيزيائيين يتساءلون عما يحدث في المركز ذاته، إذ تبلغ الكثافة ذروتها.
هل تنقسم النيوترونات إلى الكواركات والغلوونات المكونة لها؟
هل تتحول بعض الكواركات من نكهاتها العلوية والسفلية العادية لتصبح «كواركات غريبة» أغرب وأثقل، أو غير موجودة في المادة العادية؟
هل تُشكل الجسيمات حالة قصوى من المادة تسمى المائع الفائق الذي يتحلل دون لزوجة، ولا يتباطأ أبدًا؟
اقترب العلماء من فهم الأعمال الداخلية لهذه الأجسام الغريبة عبر دراسة الضوء وموجات الجاذبية التي تنتج عندما يصطدم نجمان نيوترونيان ببعضهما ويتحولان إلى ثقب أسود.
موجات الجاذبية هي طيات في الزمكان تتشكل عندما تتحرك الكتل الكبيرة.
لم يتمكن العلماء من اكتشاف موجات الجاذبية إلا في عام 2015، ولم يرصدوا سوى عدد قليل من الأحداث المتعلقة بالنجوم النيوترونية حتى الآن، إذ كانت الأحداث الأخرى اصطدامات ثقوب سوداء.
لكن دراسة خصائص هذه الموجات -ترددها وكيف تتغير بمرور الوقت- يمكنها إخبار العلماء كثيرًا عن الأجسام التي أنشأتها.
يسعى الفيزيائيون إلى الحصول على قياسات دقيقة لكتل وأنصاف أقطار النجوم النيوترونية، التي من شأنها أن تساعد في الكشف عن «معادلة الحالة» العلاقة بين الضغط والكثافة داخل هذه النجوم.
إن معرفة معادلة حالة النجم النيوتروني من شأنها أن تشير إلى نوع المادة المختبئة بداخلها.
في دراسة جديدة، دمج فريق دولي من الباحثين قياسات الموجات الجاذبية من اصطدام نجمين نيوترونيين، إضافةً إلى إشارات الضوء التي وصلت مع أحدهما -الأخرى كانت مظلمة- مع تقديرات لكتل النجوم النيوترونية وأنصاف أقطارها من طريق مشاهدة النجوم النيوترونية التي تدور بسرعة تسمى «النجوم النابضة».
يقول عضو الدراسة تيم ديتريش من جامعة بوتسدام في ألمانيا، الذي شارك في تأليف ورقة بحثية نُشرت اليوم في مجلة ساينس: «الميزة الكبرى أنها صورة متماسكة للغاية نجمع كل الأشياء التي نعرفها حاليًا، بما في ذلك موجات الجاذبية والموجات الكهرومغناطيسية، والمعلومات من النجوم النيوترونية المفردة، والحسابات النظرية من الفيزياء النووية».
معادلة الحالة التي استخلصوها تنبأت بأن نجمًا نيوترونيًا يحتوي على 1.4 كتلة شمس سيكون نصف قطره نحو 11.75 كيلومترًا، زائد أو ناقص 0.81 إلى 0.86 كم، هذا يزيد قليلاً عن نصف طول مانهاتن.
وأضاف: «يعتمد حجم النجم النيوتروني مباشرة على سلوك المادة داخل النواة، لذلك يمنحنا هذا فهمًا أفضل لخصائص مادة النجم النيوتروني».
مثال ذلك، إذا بقيت النيوترونات سليمة في نواة هذه النجوم؛ فإنها ستندفع تجاه الطبقات الخارجية، ما يؤدي إلى نصف قطر أكبر قليلًا. من ناحية أخرى، إذا تحطمت النيوترونات إلى حساء من الكواركات؛ فإن النواة ستكون إسفنجية وسينكمش النجم قليلاً، ما ينتج عنه نصف قطر أصغر.
يتوافق القياس الجديد بصورة عامة مع الدراسات السابقة التي نظرت في بيانات موجات الجاذبية وطرق أخرى لقياس حجم النجم النيوتروني.
يقول مارك ألفورد عالم فيزياء في جامعة واشنطن في سانت لويس: «هذه الورقة تحليل مفصل لطيف للدراسات السابقة، ولا تُغيّر الانطباع العام الذي كان موجودًا في السنوات القليلة الماضية، بأن نصف قطر النجم النيوتروني يبلغ نحو 11 إلى 13 كيلومترًا».
وأضافت آنا واتس، عالمة الفيزياء الفلكية بجامعة أمستردام: «إن هذا النوع من التحليل المركب هو بوضوح الطريق إلى الأمام لكن لا شيء من القياسات جيد بما يكفي لتحديد طبيعة المادة الكثيفة».
سنحتاج إلى انتظار البيانات المستقبلية لفهم ما يحدث داخل النجوم النيوترونية حقًا.
قال الفيزيائي جيمس لاتيمر من جامعة ستوني بروك الذي لم يشارك في البحث: «أعتقد أنه تحليل جيد جدًا»، ويحذر من أنه عند نمذجة مدى ملاءمة المعادلات المختلفة للحالة مع البيانات، ربما يكون الفريق قد حذف عن طريق الخطأ الكثير من المعادلات التي تنتج نجومًا نيوترونية ذات أنصاف أقطار كبيرة.
وأوضح: «أعتقد أنهم قللوا من شأن هامش عدم اليقين -هامش الخطأ- لديهم ولكن بمعنى ما، إنها مسألة رأي ومدى إيمانك بأساليب إحصائية مختلفة».
إلى جانب الكشف عن أسرار النجوم النيوترونية، أنتجت الدراسة أيضًا قياسًا لثابت هابل، الذي يعكس معدل تمدد الكون.
لاشتقاق الثابت، استخدم العلماء اتساع موجات الجاذبية القادمة من أحد الاصطدامات لتقدير المسافة التي حدث فيها الاصطدام، ثم قارنوا قياس المسافة مع السرعة المعروفة للمجرة المضيفة للتصادم، التي قيست عبر النظر إلى الانزياح نحو الأحمر للمجرة وهو مقدار انزلاق ضوئها نحو النهاية الحمراء للطيف.
ثابت هابل الذي وجدوه 66.2 كيلومترًا في الثانية لكل ميجا فرسخ، ليس دقيقًا بما يكفي للاختيار بين القياسات المتنافسة الموجودة بالفعل، لكنه يضيف نقطة بيانات أخرى إلى السؤال المتنازع عليه بشدة حول مدى سرعة نمو الكون.
يأمل العلماء في تطبيق نفس النوع من التحليل على الاصطدامات المستقبلية للنجوم النيوترونية التي تظهر.
تقول عضو الفريق سارة أنتير من جامعة باريس، عالمة الفلك التي تبحث عن الإشارات الضوئية المصاحبة لأحداث الموجات الثقالية: «لقد اتخذنا هذه الخطوة الأولى، والآن سنمضي قدمًا».
وأضافت: «مهمتي ربط المراصد المختلفة لتوفير شبكة لإجراء ملاحظات فورية عندما تعثر أجهزة كشف الموجات الجاذبية على إشارة جديدة».
ينتظر الفيزيائيون وقتهم حتى يأتي الجيل التالي من أجهزة كشف الموجات الجاذبية، مثل المستكشف الكوني في الولايات المتحدة وتلسكوب آينشتاين في أوروبا، على الإنترنت في العقد الثالث من القرن الحالي. يجب أن تكون هذه الآلات أكثر حساسية، ما يسمح لها بالتقاط العديد من الإشارات من المزيد من الأحداث وتقديم بيانات عالية الدقة.
يجب أن تجمع المشاريع المستقبلية -مثل مهمة توقيت الأشعة السينية وقياس الاستقطاب، ومرصد أثينا للأشعة السينية- قياسات أكثر دقة للنجوم النابضة.
لقد تعلم العلماء الكثير في الوقت القصير منذ أن أصبحت بيانات الموجات الجاذبية متاحة، ويعد المستقبل بتوسيع معرفتنا بشكل كبير بالمادة المتطرفة تحت ضغط شديد.
يقول لاتيمر: «كانت السنوات الأربع الماضية رائعة»، وأضاف: «تُظهر الإمكانات التي سنحصل عليها في المستقبل، يجب أن يكون لدينا العديد من القياسات من أحداث موجات الجاذبية، كلما أضفنا كل حدث جديد، ستتقارب النتائج».
اقرأ أيضًا:
اكتشاف نوع جديد من المادة داخل النجوم النيوترونية
ترجمة: أمين المومني
تدقيق: تسبيح علي