كيف مات بيتهوفن؟ التحليل الجيني يكشف السبب المحتمل للوفاة.
يوضح ويليام ميرديث المدير المؤسس لمركز دراسات بيتهوفن في جامعة سان هوزيه في كاليفورنيا بأنه في وقت قريب لموت لودفيج فان بيتهوفن في 1827، أخذ معجبو الملحن الشهير خصلًا عديدة من شعره ولكن لم تكن تلك الخصل في ذلك الوقت سوى تذكارات، مضيفًا بأن الناس في القرن التاسع عشر كانت مهتمة جدًا باقتناء مثل هذه التذكارات وبعد قرابة 200 عام تقريبًا كان للخصل فائدة أخرى وهي المساعدة في حل اللغز الغامض المثير للجدل حول تدهور صحة بيتهوفن.
فريق الباحثين من حول العالم نشروا بحثا في مجلة Current Biology، واستعملوا فيه خصل الشعر لتحديد تسلسل الجينوم لبيتهوفن، ووجدوا بأنه مؤهب وراثيًا لأمراض الكبد، إضافةً إلى ذلك قدم الباحثون لأول مرة الأدلة التي تؤكد بأن بيتهوفن كان مصابًا بفيروس التهاب الكبد B، وهو نوع فيروس يسبب حدوث التهاب كبدي شديد ومن المحتمل بأنه انتقل إليه عند ولادته أو عند الجماع الجنسي أو في أثناء عملية جراحية بأدوات ملوثة.
يقول ميريديث: «إذا كنت أحد المصابين بالتهاب الكبد من النوع B فسيطلب منك الطبيب الابتعاد كليًا عن المشروبات الكحولية».
على الرغم أن معظم الأدلة تشير إلى أن بيتهوفن كان يشرب الخمر باعتدال في ذلك الوقت يقول تريستان بيج -عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية بجامعة كامبريدج في إنجلترا وقائد هذا البحث- إنه من السهل الافتراض أن بيتهوفن كان يشرب الخمر يوميًا وفي جميع المناسبات، ويقول الباحثون إن مزيجًا من الأسباب منها شرب الكحول والتهاب الكبد الوبائي واستعداده الوراثي لأمراض الكبد أدى إلى تليف الكبد الذي لم يستطع التعافي منه.
عانى بيتهوفن من العديد من الأمراض التي ظهرت لها فجأة نظريات لا تعد ولا تحصى حول سببها الرئيسي، وكمثال نأخذ بعض الباحثين الذين ألقوا اللوم على داء السفلس الزهري، بينما افترض آخرون كل الأسباب المحتملة بداية من التسمم بالرصاص وصولًا إلى إدمان الكحول وحتى داء الساركويد -وهو مرض مناعي مجهول السبب يظهر على هيئة مجموعات غير طبيعية من الخلايا الالتهابية الحبيبية والتي يمكن أن تشكل عقيدات في أعضاء عدة، وغالبا ما تحدث هذه التجمعات الحبيبية في الرئتين والعقد اللمفاوية- وحتى داء ويبل -وهو مرض نادر ينتمي لفئة الأمراض الانتانية وهو إنتان جرثومي حيث تغزو الجراثيم البلعوم حتى الجدران المعوية- إضافةً إلى تلف كبده وهو المرض الذي كان أطباء بيتهوفن على دراية بأمره.
تفاقم مشكلات بيتهوفن الصحية وهو في عشريناته
ولد بيتهوفن في مدينة بون في ألمانيا عام 1770 وارتقى بالموسيقى الأوروبية مما يسمى الحقبة الكلاسيكية بموزارت وهايدن إلى الحقبة الرومانسية لشوبان وفاغنر وعقب ميرديث بأن الموسيقى من قبله لم يكن الهدف منها إلا إرضاء المستمع بينما كان لبيتهوفن رأي آخر إذ يعتقد أن الموسيقى تغير حياة الإنسان.
وفي عمر 22 بدأ بيتهوفن يعاني أعراضًا في الجهاز الهضمي متضمنةً آلام في المعدة والإسهال -التي يمكن أن تشكل عقبة له حتى آخر حياته- ثم في سن 26 أو ال27 بدأ يُصاب بالطرش، على الرغم من أنه اختار أن يترك الأمر سرًا في البداية ما دفعه للاكتئاب.
وفي رسالة أرسلها لإخوته -اكتشفت عقب وفاته- كان قد اعترف بأنه لطالما فكر مليًا بالانتحار، لكنه شعر بأنه لا يستطيع ترك هذا العالم قبل تأليف كل مقطوعة قد يرغب في تألفها يومًا، وفي نفس هذه الرسالة طلب وصف فقدان سمعه والإعلان عنه لكافة الناس بعد وفاته، وكانت أكثر مقطوعاته مديحًا من الناس -مثل السيمفونية التاسعة- قد ألفها إما بعد فقدانه جزءًا كبيرًا من حاسة السمع أو فقدانها كليًا.
الموت والتشريح:
كانت بداية تدهور صحته في ديسمبر 1862 عندما أصيب بالمرض في أثناء عودته بواسطة عربة تشدها الخيل نحو بيته في فيينا، وكان بعدها في أغلب أوقاته طريح الفراش مُصابًا بالحمى والسعال وضيق التنفس وآلام شديدة في جنبه بالإضافة إلى بصق الدم، وبدأ بطنه بالانتفاخ، ما دفع أطباءه إلى سحب كمياتٍ كبيرة من السوائل في جسمه، وفي هذه الأثناء أصيب باليرقان وتورم القدمين وكل هذه هي أعراضٌ محتملة لتليف الكبد.
توفي بيتهوفن عن عمر يناهز 56 عامًا في 26 مارس عام 1827، وبعد ذلك وصف ميريديث عملية التشريح التي جرت لجثته بالمروعة والصادمة بحيث أزالوا الجزء العلوي من رأسه تقريبًا، إضافةً إلى عظام أذنيه من أجل فحص دماغه والصمم الذي أصابه.
إضافةً إلى تقرير التشريح الذي أجروه على جثة بيتهوفن، يمكننا معرفة الكثير من التفاصيل حول صحة بيتهوفن من رسائله ومذكراته وملاحظات أطبائه ومن الفحوصات الهيكلية التي أجريت بعد استخراج رفاته في عام 1863 لوضعه في تابوتٍ جديد، ومرة أخرى عندما نُقل إلى مقبرة جديدة في عام 1888. أيضًا أُجري فحص تحليل السموم لشعره وعظامه على الرغم من عدم التحقق من صحة هذه العينات جيدًا.
تحليل الحمض النووي لبيتهوفن:
مع مرور الوقت واستمرار بعض الألغاز، تراءى لتريستان بيج أن تقنية تسلسل الحمض النووي قد تطورت كفايةً لإجراء الدراسة الوراثية قائلًا: «لدينا التقنيات التي تطورت خلال مشروع الجينوم البشري البدائي المصممة خصيصًا لاستعادة أنواع الحمض النووي الموجودة في الشعر».
وفي أواخر عام 2014 شارك تريستان بيج فكرته مع ميريديث الذي التقى به قبل خمس سنوات في أثناء عمله محاضرًا في معرض بيتهوفن في سان هوزيه بولاية كاليفورنيا، وأبدى ميريديث اهتمامه بالفكرة وباشر العمل مع أحد زملائه في شراء واستعارة ثمانٍ من أصل خمس وثلاثين خصلة معروفة الذين زعم أصحابها بأنه قد أُخذت وقت احتضاره أو بعد موته ونُسبت لبيتهوفن.
تبين لاحقًا أن خمسًا من أصل الخصل الثماني من شبه المؤكد أن تكون حقيقية ويعود أصلها لنفس الرجل الأوروبي وامتلك أصحابها سجلات ملكية بعضها بحالة متوسطة وبعضها بحالة ممتازة.
أما بالنسبة للخصلة السادسة فقد تبين أن امرأة من أصول يهودية التقطتها، وأثارت الشكوك حول الفرضية المشهورة التي تدعي أن بيتهوفن مات مسمومًا، واستنادًا إلى التحاليل السابقة التي أجريت سابقًا على خصلة الشعر هذه تحديدًا تبين أن بيتهوفن كان قد عانى تسممًا بالرصاص.
بالنسبة إلى الخصلة السابعة، فتبين أنها مزيفة، أما الخصلة الأخيرة فقد افتقرت للقدر الكافي من الحمض النووي اللازم للفحص.
في المرحلة الأخيرة من الدراسة -التي توسعت لتشمل أكثر من 30 مؤلفًا من دول مختلفة- فحص الباحثون جينوم بيتهوفن بدقة مشخصين عددًا من عوامل الخطر للإصابة بأمراض الكبد إضافةً إلى دليل يثبت إصابته بالتهاب الكبد من النوع B.
إلا أنهم لم يحققوا النجاح المتوقع في التعرف على السبب الأكيد لصمم بيتهوفن أو مشاكله الهضمية، وعلى الرغم من ذلك استبعدوا احتمالات الإضرابات الهضمية جميعها باستثناء الداء الزلاقي أو البطني وحساسية اللاكتوز، ووجدوا أيضا مقاومة جينية ضئيلة ضد داء الأمعاء المتهيجة.
أخيرا يقول ميريديث: «لقد حظي بيتهوفن بأسوأ الاحتمالات التي قللت فرص بقائه على قيد الحياة بدايةً من الخلل الوظيفي في كبده وصممه المتزايد ومشاكله المعدية والمعوية المزمنة».
اقرأ أيضًا:
ست معارك رئيسية وحصار في تاريخ الإسكندر الأكبر
اليوم الأكثر دموية في تاريخ البشرية
ترجمة: لؤي بوبو
تدقيق: لين الشيخ عبيد