في 24 من يناير 2022، وصل تلسكوب جيمس ويب الفضائي -بعد شهر من إطلاقه- إلى وجهته النهائية، على بعد نحو 1.5 مليون كيلومتر من الأرض، إذ يتعلق الأمر بالموقع المثالي؛ «نقطة لاغرانج 2» المختارة بعناية لتمكين التلسكوب من مراقبة الشمس والأرض والقمر بصورة أوضح وأشمل مما سبق.
ماذا بعد ذلك؟
من المقرر أن يبدأ التلسكوب الأكثر تقدمًا في العالم مهامه العلمية في وقت لاحق من هذا العام، ربما مايو أو يونيو القادمين، وهذا بعد ضبط كل قطع المرآة الأساسية البالغ ارتفاع كل منها 6.5 مترًا، المصنوعة من البريليوم المغلف بالذهب، وكل ما يتعلق بنظامها البصري.
ونظرًا إلى تخصّصه في الكشف عن أقدم ضوء في الكون -الأشعة تحت الحمراء من الطيف- نتوقع أن يلتقط تلسكوب جيمس ويب صور المجرات الأولى، ويحل الألغاز المحيطة بنشأة الكون، ويلتقط صورًا مباشرة للكواكب الخارجية.
قائمة المهام الرئيسية للتلسكوب الجديد:
تضم القائمة الطويلة أكثر من 1100 مشروع من 44 دولة، وهذه بعض المشاريع اللافتة المبرمجة في الدورة الأولى من السنة الأولى، بإجمالي 8760 ساعة، لعمل تلسكوب جيمس ويب:
1- إلقاء نظرة على بداية الكون:
يعد برنامج كوسموس ويب أول وأكبر مشروع في السنة الأولى من عمل تلسكوب جيمس ويب، وقد خُصص لرسم خريطة لأقدم المجرات في الكون، أو ما يعرف باسم «الفجر الكوني».
يحتمل أن يثمر هذا البرنامج عن بيانات استخدمها العلماء عقودًا، وذلك باستخدام جهاز تصوير الأشعة القريبة من تحت الحمراء (NIRCam)، وتوجيهها إلى المنطقة المرجعية نفسها من سماء الليل كما صورها تلسكوب هابل سابقًا، ولكن -هذه المرة- يُتوقّع أن يكشف الجهاز عن نصف مليون مجرة في الأشعة القريبة من تحت الحمراء، إضافةً إلى 32000 مجرة في وسط نطاق الأشعة تحت الحمراء.
تقول كايتلين كيسي، أستاذة في جامعة تكساس في أوستن، وإحدى قادة برنامج كوسموس ويب: «بما أننا نغطي مساحة واسعة كهذه، فسنتمكن من رؤية بُنى واسعة النطاق من فجر تشكّل المجرات، وسنبحث أيضًا عن بعض أندر المجرات التي وُجدت في زمن مبكر، إضافة إلى رسم خريطة واسعة المدى تبيّن توزّع المادة المظلمة للمجرات من الوقت الحاضر حتى فجر الكون».
2- التأكد من امكانية استضافة نظام ترابيست-1 لكوكب شبيه بأرضنا:
سيجري جيمس ويب قريبًا أول دراسة تفصيلية للأشعة تحت الحمراء القريبة من الغلاف الجوي لإحدى الكواكب الصالحة للسكن.
يقع نظام ترابيست-1 في كوكبة الدلو على بعد نحو 41 سنة ضوئية من الأرض، يتكون من نجم قزم أحمر صغير يحتضن سبعة كواكب بحجم الأرض، اكتشفت ثلاثة منها في عام 2016 بوساطة تلسكوب الكواكب العابرة والكويكبات الصغيرة الموجود في تشيلي، أما بقية الكواكب فقد اكتشفها تلسكوب سبيتزر الفضائي لناسا، وقد حان الآن دور جيمس ويب لكشف المجهول عن هذه الكواكب التي قد تشبه الأرض، خاصة ترابيست-سي1 الذي يُعتقد أنه صخري شبيه بكوكب الزهرة.
سيتيح برنامج ويب في عامه الأول الكثير من البيانات لاستخدامها في دراسات مختلفة تبحث في إمكانية وجود أغلفة جوية في كواكب نظام ترابيست.
3- الكشف عن أسرار ولادة النجوم:
كيف تتشكل النجوم والعناقيد النجمية؟ قد تعتقد أن علماء الفلك يعرفون ذلك الآن، ولكن رؤية الجزء الأكبر من الكون متعذرة بسبب سحب الغاز والغبار.
يأتي هنا دور عدسات تلسكوب جيمس ويب القادرة على تخطي تلك العقبة بفضل حساسيتها الفائقة للأشعة تحت الحمراء، ويُذكر أن فريق بحث دولي سيجري عملية مسح للنجوم والعناقيد النجمية والغبار داخل 19 مجرة قريبة، سمي هذا المسح PHANGS، ويضم أكثر من 100 خبير دولي لدراسة النجوم منذ ولادتها إلى آخر مرحلة من حياتها.
قالت جانيس لي، رئيسة علماء مرصد الجوزاء في مركز NOIRLab التابع لمؤسسة العلوم الوطنية في توكسون، أريزونا: «سيكشف ويب عن تكوين النجوم في مراحلها الأولى عندما ينهار الغاز ليشكل النجوم ويسخن الغبار المحيط».
يجب أن يثمر هذا المسح -وفقًا للعلماء- عن بيانات ثورية محفزة جدًّا للتقدم العلمي.
4- كشف أسرار أقمار أورانوس:
يظل الكوكب السابع بُعدًا عن الشمس (أورانوس) وأقماره السبعة والعشرين عوالم يحيطها الكثير من الغموض، إذ لم تُكتشف بعد تقريبًا، باستثناء رحلة طيران قصيرة في عام 1986 أجراها مسبار فوييجر 2 التابع لناسا.
خصّص العلماء لفك هذا الغموض 21 ساعة من وقت التلسكوب من أجل مشروع لدراسة الأشعة القريبة من تحت الحمراء الصادرة من أقمار الكوكب، تحديدا آرييل وأومبريل وتيتانيا وأوبيرون، بُغية الكشف عن أسرار تشكلها ومكوناتها العضوية واحتمال احتضانها لمحيطات.
ستُفحص هذه الأقمار الأربعة الكبيرة بحثًا عن آثار الأمونيا والجزيئات العضوية وجليد ثاني أكسيد الكربون والماء، ودراسة إمكانية وجود محيطات تحت سطحها كما افترض بعضهم، ويُتوقع استخدام البيانات المحصل عليها للمساعدة في التخطيط لبعثات المركبات الفضائية المستقبلية لاستكشاف أورانوس وأقماره.
5- قياس وزن ثقب أسود فائق:
اكتشف علماء الفلك ثقبًا أسود هائلًا يبلغ وزنه نحو 40 مليون ضعف وزن شمسنا في مجرة حلزونية قريبة تُسمى NGC 4151.
من أجل حل بعض الألغاز المحيطة بالثقوب السوداء الهائلة (مثل كيفية حصولها على الطاقة وتأثيرها في المجرات المحيطة)، يحاول فريق من العلماء بقيادة جامعة ممفيس استخدام تلسكوب جيمس ويب لتحديد كتلة مجرة NGC 4151، وسيُستخدم التلسكوب أيضًا في بعض الأبحاث حول مجرة NGC 415 لقياس حركة النجوم في قلب المجرة، بيد أنّه كلما تحركت النجوم بوتيرة أسرع، زاد وزن الثقب الأسود بسبب زيادة تأثير الجاذبية.
كيف سينجز تلسكوب جيمس ويب مهماته العلمية؟
لفهم سر براعة تلسكوب جيمس ويب وكيف سيحقق تلك الاكتشافات المستقبلية، يجب علينا معرفة الأدوات العلمية الفريدة الموجودة على متنه:
- جهاز تحليل الأشعة تحت الحمراء الوسطى – Mid-Infrared Instrument: يتكون من كاميرا وجهاز قياس الأشعة تحت الحمراء الوسطى من الطيف الكهرومغناطيسي، وهدفه الرئيسي الحصول على صور فلكية مداها أوسع وأدق من مدى تلسكوب هابل.
- جهاز تصوير الأشعة القريبة من تحت الحمراء – Near-Infrared Camera: هدفه اكتشاف الضوء الصادر من أقدم النجوم والمجرات، ويحوي جهاز كوروناغراف لحجب ضوء النجم الشديد والتركيز على أضواء الكواكب الخافتة التي تدور حول النجوم القريبة.
- جهاز التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء دون إحداث شق -Near-Infrared Imager and Spitless Spectrograph: ويهدف إلى اكتشاف الضوء الصادر من النجوم الأولى، واكتشاف الكواكب الخارجية في أثناء عبورها أمام نجومها.
- جهاز رسم طيف الأشعة القريبة من تحت الحمراء – Near-infrared spectroscopy: هو مطياف يشتت الضوء من جسم إلى طيف، ويمكنه من مراقبة 100 جسم في آن واحد.
اقرأ أيضًا:
كيف سيغير تلسكوب(مقراب) جيمس ويب الفضائي نظرتنا للكون؟
ترجمة: رضوان بوجريدة
تدقيق: سمية بن لكحل
مراجعة: حسين جرود