اكتشف علماء الفيزياء الفلكية منطقة جديدة في مجرة درب التبانة، تعج بنجوم زرقاء ساطعة حارة جدًا على وشك الانفجار. بينما يطور الباحثون خريطة مفصلة عن الذراعين الحلزونيين المرصعين بالنجوم جوار مجرتنا، باستخدام تلسكوب غايا التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، اكتشفوا المنطقة التي أطلقوا عليها اسم مهماز الملتهب.
يقع المهماز بين ذراع الجبار -حيث يقبع نظامنا الشمسي- وكوكبة حامل رأس الغول، وهو حزام بين ذراعين حلزونيين يعجان بنجوم هائلة أكبر من الشمس بثلاثة أضعاف، زرقاء اللون بسبب الحرارة الشديدة.
يسمي علماء الفلك هذه النجوم الزرقاء العملاقة نجوم «أو بي»، بسبب طغيان الطول الموجي الأزرق على الضوء الذي تصدره. وهي من أكبر النجوم وأندرها وأكثرها حرارةً وأقصرها عمرًا في المجرة.
التفاعلات النووية العنيفة التي تحدث في قلب هذه النجوم تجعلها أشد حرارةً من الشمس بستة أضعاف. وتُشتّت الانفجارات النجمية الهائلة -المستعرات العظمى- التي تنهي حياة هذه النجوم، العناصر الثقيلة الأساسية للحياة بعيدًا.
قال بانتاليوني غونزالز، المؤلف المشارك في هذه الدراسة، الباحث في المركز الإسباني لعلم الأحياء الفلكي: «نجوم أو بي نادرة، إذ قد يوجد منها أقل من 200 ألف في مجرة تحوي 400 مليار نجم».
«ولما كانت هذه النجوم مسؤولة عن خلق الكثير من العناصر الثقيلة، فإنها تُعد مُخصِّبات كيميائية للمجرة. وبفضل هذه النجوم الميتة منذ زمن بعيد، أصبحت الكيمياء الجيولوجية لكوكبنا مركبة ومعقدة بما يكفي لنشأة الكيمياء الحيوية».
وفقًا للباحثين، أينما نجد نجومًا زرقاء، نجد المناطق الأكثر نشاطًا وحيويةً في المجرة.
جمع الباحثون خريطتهم النجمية بواسطة تثليث مسافات النجوم بالنسبة إلى الكرة الأرضية باستخدام تقنية تُسمى المنظور النجمي.
يستطيع علماء الفلك حساب المسافات إلى النجوم بمقارنة مواقعها الظاهرية المرصودة من مواضع مختلفة خلال دوران الأرض حول الشمس.
باستخدام تقنية المنظور النجمي، إضافةً إلى بيانات تلسكوب غايا التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، رسم الفريق خريطة لنجوم على مسافات تتخطى ما اكتُشف سابقًا، في مناطق من الفضاء كان يُعتقد أنها خاوية.
قال غونزالز: «رأينا الخريطة للمرة الأولى بعد أشهرٍ من العمل، شعرت كأني مستكشف من عصر التنوير، إذ أتتبع الخرائط الدقيقة الأولى لعالمنا، لكن على مقياسٍ آخر. شعرت بالتواضع الشديد والضآلة عندما أدركت مدى اتساع جوارنا النجمي».
أثبت العلماء أن المنطقة الجديدة جزء من قرص المجرة الحلزوني الذي يحوي معظم مواد مجرتنا، وليست اقترانًا عشوائيًا للنجوم، بواسطة مراقبتها تتحرك باستمرار في الاتجاه ذاته.
يظن العلماء أن مراقبة موقع المهماز، الذي يقع فوق القرص المجري بقليل، قد تعطي بعض التلميحات المحيرة عن ماضي درب التبانة.
قال غونزالز: «إذا كنا نعيش في مجرة فيها تموجات، أي تغيرات رأسية طفيفة في قرصها، فقد يشير ذلك إلى تاريخ من التطور العنيف لمجرتنا، وقد تكون علامات على تصادمات سابقة مع مجرات أخرى».
ستكون الخطوة التالية للباحثين إضافة نجوم «أو بي» إلى خريطة أدق، يأملون أن تولد المزيد من الأفكار حول بنى مجرتنا.
اقرأ أيضًا:
اكتشاف عدد من الأجسام بين النجمية التي يعتقد أنها تزور نظامنا الشمسي
كيف تشكّلت هذه «العناكب» على سطح المريخ؟
ترجمة: ياسين عبود
تدقيق: أكرم محيي الدين