من هو أميديو أفوغادرو؟ تعرفوا على العالم صاحب إحدى أشهر الفرضيات العلمية

كل البالونات تملك نفس الحجم، إذًا تحتوي على نفس العدد من الجزيئات

عاش أميديو أفوغادرو (Amedeo Avogadro) من عام 1776 إلى عام 1856.

يشتهر أميديو أفوغادرو بفرضيته أن الحجوم المتساوية من الغازات المختلفة تحتوي على نفس العدد من الجزيئات عند نفس الظروف من درجة الحرارة والضغط.

لقد رُفِضت فرضيته من قِبَل علماء آخرين، وحظيت بالقبول فقط بعد وفاته ويطلق عليها الآن اسم «قانون أفوغادرو».

كما أن أفوغادرو كان أول عالم يدرك أن العناصر يمكن أن توجد على هيئة جزيئات بدًلامن ذرات مفردة.

حياة أفوغادرو:

ولد أميديو أفوغادرو في تورينو بإيطاليا في 9 آب/أغسطس 1776، وكان من عائلة أرستقراطية، والده فيليبو (Filippo) كان قاضيًا وسناتورًا (senator) -أي عضوًا في هيئة وضع القانون- وكان له لقب كونت، وكانت والدته من أصل نبيل السيدة آنا فيرسلون (Anna Vercellone) -من بييلا. وورث أميديو أفوغادرو- لقب كونت من والده.

في الواقع كان اسم أميديو أفوغادرو الكامل «كونت لورنزو رومانو أميديو كارلو أفوغادرو دي كرنجي دي سيرتو»، فعًلا اسم طويل يملأ الفم!

كان أفوغادرو ذكيًا للغاية، ففي 1796 عندما كان في عمر الـ20 عامًا فقط حصل على درجة الدكتوراه في قانون الكنيسة وبدأ ممارسة عمله كمحامي للكنيسة.

وعلى الرغم من أنه أتبع تقاليد العائلة في دراسة القانون فقد فقد اهتمامه بالشؤون القانونية بالتدريج ووجد أنّ العِلم كان أكثر إثارة.

الرياضيات والفيزياء على الخصوص قد جذبا اهتمام عقله المنطقي، فقد قضى أوقاتًا كثيرة في دراسة هذه المواضيع، وقد ساعده في هذا الفيزيائي الرياضي البارز فيسل إيندي (Vassalli Eandi).

في عام 1803 بالتعاون مع أخيه فليس (Felice) نشر أفوغادرو أول أوراقه البحثيّة، والتي تكلمت عن السلوك الكهربي للمحاليل الملحية، وكان هذا من بدايات العِلم الحديث: وقبل 3 أعوام اخترع زميل أفوغادرو الإيطالي أليساندرو فولت البطارية الكهربية.

في 1806 عندما بلغ الـ30 عامًا هجر أفوغادرو مساره القانوني الناجح وبدأ بتدريس الرياضيات والفيزياء لمدرسة ثانوية في تورينو.

في 1809 أصبح مدرسًا مساعدًا في جامعة فيرتشيلي (Vercelli).

وفي 1820 أصبح أفوغادرو مدرسًا للفيزياء الرياضية في جامعة تورينو، ولكن هذا الوضع لم يستمر طويًلا لأنه بسبب الأوضاع السياسية فقد أفوغادرو وظيفته في 1823.

أُعيدَ تعيين أفوغادرو في منصبه السابق ثانية في عام 1833 وظلّ فيه إلى أن أتم عامه 74 وتقاعد في سنة 1850.

وعلى الرغم من أنه كان أرستقراطيًا، فقد كان رجلًا متواضعًا وانطوائيًا ومتدينًا، عمل بجد وكان أسلوب حياته بسيطًا.

زوجته هي فيليسيتا مازي (Felicita Mazzé)، وقد تزوجا في عام 1818 عندما كان عمره 42 وأنجبا 6 أبناء.

إسهامات أفوغادرو في العلوم:

في أوائل القرن التاسع عشر كانت أفكار العلماء حول الجسيمات التي نسميها اليوم ذرات وجزيئات محدودة جدًا وتكاد تكون غير صحيحة، كان أفوغادرو مهتمًا جدًا بمعرفة كيف تتصرف الجسيمات الأساسية للمادة وتتجمع لتكون مركبات كميائية، لذلك درس عمل اثنين من العلماء هما:

1- جون دالتون:

في 1808 نشر دالتون نظريته الذرية التي تفترض أن كل المادة مصنوعة من ذرات، وذكر أن جميع ذرات العنصر متشابهة وأن ذرات العناصر المختلفة لها كتل مختلفة، وبذلك صعد دالتون بالكيمياء لمستوى جديد، ولكنه أخطأ بشأن الطريقة التي تتجمع بها العناصر معًا لتكون مركبات.
على سبيل المثال اعتقد أنّ الماء يتكوَّن من ذرة هيدروجين واحدة وذرة أكسجين واحدة وكتبها على هيئة (HO)، اليوم نعرف أن الماء هو ذرتين هيدروجين لكلّ ذرة أكسجين واحدة ويكتب على هيئة (H2O)، في الواقع أوضح أفوغادرو هذا كما سنرى.

2- جوزيف غاي لوساك:

في 1809 نشر لوساك قانونه للجمع بين أحجام الغازات، فقد لاحظ أنه بتفاعل لترين من غاز الهيدروجين مع لتر من غاز الأكسجين فإنهما سيشكلان لترين من الماء الغازي.

جميع الغازات التي أجرى تفاعلات بينها بدا أنها تتفاعل بنسب ذات حجوم بسيطة.

فرضية أفوغادرو:

في عام 1811 نشر أفوغادرو بحثًا في جورنال دي فيزيك (Journal de Physique) المجلّة الفرنسية للفيزياء، وقال أنّ أفضل تفسير لملاحظات لوساك عن تفاعلات الغاز هو أن الأحجام المتساوية لجميع الغازات عند نفس الظروف من الضغط ودرجة الحرارة تحتوي على أعداد متساوية من الجزيئات، ويسمى هذا الآن قانون أفوغادرو، ونَشر هذا عندما كان يعمل مدرسًا للفيزياء في كليّة فيرتشيلي.

من وجهة نظر أفوغادرو الصحيحة أن السبب وراء تفاعل لترين من الهيدروجين مع لتر من الأكسجين يكوّن لترين فقط من الماء الغازي هو أن الحجم يقل لأن عدد الجزيئات الموجودة ينخفض لذا يجب أن يكون التفاعل الكيميائي:
H2 (gas) + O2 (gas) → 2H20 (gas)

في هذا التفاعل ثلاث جزيئات -جزيئان من الهيدروجين وجزيء أكسجين واحد- يتجمعوا معًا لتكوين جزيء الماء أو بشكل أخر، 200 جزيء تتفاعل مع 100 جزيء لتكوين 200 جزيء أو 2 مليون جزيء تتفاعل مع 1 مليون جزيء لتكوين 2 مليون جزيء وهكذا، التأثير الملاحظ هو أنه بعد التفاعل عندما تصبح جميع غازات الهيدروجين والأكسجين جزيئات ماء (H2O) ينخفض حجم الغاز إلى ثلثي الحجم الذي بدأ به.

ونتيجة لهذه الملاحظة أصبح أفوغادرو أوّل عالم يدرك أن العناصر تتواجد في شكل جزيئات بدلًا من ذرات مفردة، فعلى سبيل المثال أدرك أن الأكسجين المحيط بنا يتواجد على هيئة جزيئات حيث ترتبط ذرتان معًا كجزيء.

اعتقد علماء آخرون -مثل دالتون- أن المركبات فقط هي التي تستطيع أن تعطي جزيئات، بينما جميع العناصر تظل كذرات مفردة.

في 1815 نشر أفوغادرو أبحاثًا أخرى في مجلة دي فيزيك تناقش كتل الذرات ومركباتهم وكثافتهم الغازية.

في 1821 كمدرس للفيزياء الرياضية في جامعة تورينو نشر ورقة بحثية أخرى تبحث في كتل الذرات والنسب التى تتحد بها معًا.

بين عامي 1837 و1841 نشر أفوغادرو أربعة مجلدات ثقيلة تبحث بالتفاصيل في فيزياء المادة.

تّم تجاهل اكتشافات ونتائج أفوغادرو بشكل كامل إلى أن قدمهم ستانيسلاو كانيزارو (Stanislao Cannizarro) في مؤتمر كاريسلوا (Karlsruhe) عام 1860 بعد وفاة أفوغادرو بأربعة أعوام، كان هذا المؤتمر لحلّ الخلط العلمي الذي كان موجودًا بين الذرات وجزيئاتها وكتلهم.

وحتّى بعد أن قدم كانيزارو عمله لم يوافق عليه جميع العلماء، ومرَّ عقد آخر واستمرت الدعوة القويّة من قبل كانيزارو قبل أن تقبل نظرية أفوغادرو على نطاق واسع وتصبح قانون أفوغادرو.

واليوم، يعتبر أفوغادرو واحدًا من مؤسسي الكيمياء الجزيئية الذرية.

لماذا تّم رفض فرضية أفوغادرو لعقود؟

هنالك عدد من الأسباب لعدم قبول عمل أفوغادرو بسرعة:

• نشر أبحاثه في جورنال دي فيزيك والتي كان عدد قرائها قليلًا.
• لم يُوافق نظريتَه علماءُ معروفون في ذلك الوقت، مثل جون دالتون، وجونز جاكوب برزيليوس.
• إيطاليا -موطن ليوناردو دافنشي وغاليليو- لم تعد البلد الذي يُنجز الكثير في العلوم، وبإدراك هذا قبل بضع سنوات سافر من هذا البلد أليساندرو فولتا (Alessandro Volta) ليعرّف عن نفسه وعن عمله لعلماء من بلاد أخرى.

بقي أفوغادرو في إيطاليا ولم يتواصل مع علماء من بلاد أخرى ليساعدوه في سدّ الفجوة كما فعل فولتا.

على الرغم من أننا نحب أن نفكر في العلم على أنه مسعى نبيل حيث تصبح الحقيقة واضحة بشكل سريع، فإنّ هذا ليس الحل دائمًا، العلماء هم مجرد أشخاص يمكن أن يكون لديهم شخصية عنيدة كما هو الحال مع بعضنا أحيانًا، فإذا كان لديك نظريّة علمية جديدة مثيرة للجدل ولم تكن معروفًا فيبدو أن التواصل مع الآخرين وتنمية العلاقات يمكن أن يحقق لك نجاحًا أكثر من الأوراق البحثية نفسها.

ثابت أفوغادرو:

ثابت أفوغادرو هو واحد من أهم أرقام الكيمياء قيمته تساوي (23^10*6.02214129).

أفوغادرو لم يحسب هذا الرقم ولكن وجوده أتى منطقيًا من فرضيته وعمله.

ثابت أفوغادرو هو عدد الجسيمات -الجزيئات أو الذرات- في واحد مول من أي مادة، على سبيل المثال 12 غرام من الكربون تحتوي على (23^10*6.02214129) من ذرات الكربون.

ثابت أفوغادرو رقم هائل، فإذا كان بإمكانك أن تدّخر مليون دولار، فسيأخذ منك وقتًا أكثر مما يتخيل أي مخلوق عن عمر الكون لتدّخر (23^10*6.02214129) من الدولارات.

وهذا كله يعني أن الأمر يتطلب الكثير من الذرات لتكوين كميّات قليلة من المادة.

من أقوال أفوغادرو: «دراساتي في العلوم الطبيعية شاركت بشكل خاص بذلك الجزء من الفيزياء الذي يهتم بالعالم الذري، وخصائص المادة ومقدار القوة في حركتها، والكثافة الحراريّة للمواد المختلفة، وتمدد الغازات بواسطة الحرارة، وكثافة وضغط الغازات».

وفاته:

توفي أفوغادرو في الـ 79 من عمره في التاسع من تمّوز/يوليو 1856 في تورينو ودفن في مقبرة كوارينيا (Quaregna).

• ترجمة: إسراء رجب عباس
• تدقيق وتحرير: صهيب الأغبري
• المصدر