يُشار عادةً إلى توماس أديسون بكونه مخترع المصباح المتوهج، ولكن المخترع الأمريكي الشهير لم يكن المساهم الوحيد في تطوير هذا الاختراع الثوري!
يعود الفضل إلى العديد من المخترعين المعروفين والمهندسين والعلماء من جميع أنحاء العالم؛ في العمل على البطاريات الكهربائية والمصابيح، واختراع أول مصباح متوهج.
ورغم أن أسماءً مثل اليساندرو فولتا أو همفري ديفي أو جوزيف سوان لن تكون أول ما يتبادر إلى الذهن عند التساؤل عن مخترع المصباح المتوهج، فإن دورهم في تاريخ التكنولوجيا لا يمكن إغفاله.
وفي هذا المقال، نسلط الضوء على التاريخ الحقيقي للمصباح المتوهج.
الأبحاث والتطور الأولي:
بدأت قصة المصباح المتوهج قبل تسجيل أديسون براءة اختراع المصباح التجاري الأول عام 1879 بوقت طويل. في عام 1800، طور المخترع الإيطالي إليساندرو فولتا، أول طريقة عملية لتوليد الكهرباء، متمثلةً بالكومة الفولتية المكونة من رقاقات متبادلة من الزنك والنحاس، والمحاطة بألواح من الكرتون المغمور بالماء المالح. وكانت تولد الكهرباء عند توصيل سلك نحاسي لأي من نهايتيها. فكانت تمهيدًا للبطارية الحديثة، إذ يعد سلك النحاس الذي استخدمه فولتا من أوائل التوضيحات للإضاءة المتوهجة.
وفقًا لهارولد ه شوبرت (الطاقة والمجتمع: مقدمة) CRC Press 2014، فإن الكومة الفولتية سمحت للعلماء باختبار التيار الكهربائي ضمن ظروف محكمة، وأسهمت في توسع التجارب باستخدام الكهرباء.
ولم يمر وقت طويل قبل أن يعرّض فولتا اختراعه لمصدر مستمر للكهرباء أمام مجتمع النخبة في لندن. ليأتي بعده ديفي الذي أنتج أول مصباح كهربائي متوهج في العالم، من طريق توصيل الكومة الفولتية بجزيئات الفحم.
في كتابه (حياة السير همفري ديفي مطبوعات هارد بريس 2016)، وصف آريتون باريس ديفي بأنه كيميائي ذو تأثير عظيم ومخترع ومحاضر، وأحد أوائل العلماء المختصين. وأُطلق على اختراع ديفي عام 1802 اسم المصباح المنحني الكهربائي، نسبة للضوء الساطع من المنحنى الذي يربط بين قطبي الكربون فيه.
ورغم أن مصباح ديفي المنحني يُعد تطويرًا ملحوظًا عن كومة فولتا وحدها، وقد كتب جون موريج توماس عام 2012 في تقديم المجتمع الفلسفي الأمريكي، أن تجارب ديفي الأخرى قد أدت إلى اكتشاف مصباح الأمان لعمال المناجم، إضافةً إلى مصابيح الشوارع التي استُخدمت في باريس والعديد من المدن الأوروبية الأخرى، فإنه لم يكن مصدرًا عمليًا للإضاءة، إذ كان سريع الاحتراق وشديد التوهج، الأمر الذي جعله غير ملائم للإضاءة في المنازل أو أماكن العمل.
ولكن استُخدمت مبادئ عمل مصباح ديفي المنحني خلال القرن التاسع عشر لتطوير العديد من المصابيح الكهربائية الأخرى. ففي عام 1840، طور العالم البريطاني وارين دي لا رو، مصباحًا متوهجًا جديدًا باستخدام سلك مطلي بالبلاتينوم بدلًا من النحاس. ولكن التكلفة المرتفعة للبلاتينوم جعلت إنتاجه غير مُجدٍ تجاريًا وفقًا للهندسة الممتعة. أما عام 1848، فقد طور الإنجليزي ويليام ستايت المصباح التقليدي طويل العمر ذا السلك المنحني، عبر تطوير تقنية للمصباح المتوهج لتنظيم سرعة اشتعال أقطاب الكربون، وفقًا لمعهد الهندسة والتكنولوجيا. ولكن تكلفة البطاريات المستخدمة في مشروع ستايت، قضت على المستقبل التجاري لمنتجه.
جوزيف سوان في مواجهة توماس أديسون:
عام 1850، تتبع الكيميائي الإنجليزي جوزيف سوان مشكلات ارتفاع التكلفة التي واجهت المخترعين السابقين. وبحلول عام 1860، استطاع استخدام أسلاك من رقائق الكربون بدلًا من تلك المصنوعة من البلاتينوم، وفقًا لبي بي سي، ليحصل سوان بعدها على براءة اختراع من المملكة المتحدة عام 1878. وفي فبراير 1879، قدم شرحًا عمليًا لمصباحه في محاضرة ألقاها في نيو كاسل بإنجلترا، وفقًا للمعهد السيمثوني.
ومثل كل الإصدارات المبكرة للمصباح المتوهج، كان مصباح سوان مُعدًا داخل أنبوب مُفرغ لتقليل التعرض للأوكسجين، بهدف إطالة عمره الافتراضي. لكن لسوء حظ سوان، لم تكن الأنابيب المفرغة في عهده بالتطور نفسه الذي وصلت إليه اليوم. بالتالي، رغم أن عمله كان جيدًا بوصفه نموذجًا، فإنه لم يعمل بالكفاءة ذاتها عمليًا.
أدرك أديسون أن مشكلة نموذج سوان كانت السلك المتوهج، فإن السلك المتوهج الرفيع وذو المقاومة الكهربائية العالية، هو ما يجعل المصباح المتوهج عمليًا في الاستخدام!.
وذلك ببساطة لأنه سيتوهج من أقل تيار كهربائي يمر خلاله.
قدم أديسون مصباحه في ديسمبر 1879، بينما وجد سوان شركة في إنجلترا ليتعاون معها على تطوير وإنتاج مصباحه المتوهج.
قاضى أديسون سوان على حقوق الملكية، ولكن براءة الاختراع مع سوان كانت دليلًا دامغًا لصالحه، على الأقل في المملكة المتحدة، وفقًا لسي أي أو.
في نهاية الأمر، اتفق الاثنان على تأسيس شركة أديسون سوان المتحدة، التي أصبحت فيما بعد إحدى أكبر شركات تصنيع المصابيح المتوهجة، وفقًا لمجموعة متحف العلوم.
لم يكن سوان المنافس الوحيد الذي واجهه أديسون، ففي عام 1874، ظهر الكنديان هنري ودوارد وماثيو إيفانز، اللذان اخترعا مصباحًا متوهجًا كهربائيًا، يحتوي على أحجام مختلفة من الأقطاب الكربونية المعلقة بين قطبين كهربائيين في أنبوب زجاجي معبأ بالنيتروجين. وقد حاولا حينها تسويق منتجهما، ولكنهما فشلا تجاريًا وانتهى بهما الأمر ببيع براءة الاختراع لأديسون عام 1879، وفقًا لمشروع تاريخ العالم.
بعد نجاح مصباح أديسون المتوهج، انطلقت شركة أديسون للمصابيح المتوهجة في نيويورك عام 1880، وفقًا لإي دس أن الإخبارية. بدأت الشركة بتمويل من جي بي مورجان، ومستثمرون أغنياء آخرون من ذلك العصر. لتنشأ أول محطة لتوليد الكهرباء، التي أصبحت تنتج التيار الكهربائي لتشغيل الدوائر الكهربائية والمصابيح المتوهجة الجديدة. ثم افتُتحت المحطة في سبتمبر 1882، في شارع بيرل جنوب مانهاتن، وفقًا لمركز أديسون التكنولوجي.
ويذكر أن مخترعين آخرين -مثل ويليام سوير وألبون مان- قرروا دمج شركاتهم مع أديسون، وكونوا جنرال إلكتريك، وفقًا لوزارة الطاقة الأمريكية.
أول مصباح متوهج فعلي:
نجح أديسون في تخطي منافسيه، وطور أول مصباح متوهج رخيص وفقًا لوزارة الطاقة الأمريكية. وقد اختبر أديسون وفريقه من الباحثين في معامل أديسون بمانيلو بارك، أكثر من 3000 نموذج للمصباح المتوهج بين عامي 1878 و1880.
في نوفمبر 1879، قدم أديسون براءة اختراع لمصباح متوهج ذي سلك كربوني، وفقًا للأرشيف الوطني. وقد أقرت براءة الاختراع إمكانية استخدام مواد أخرى لصناعة السلك المتوهج، مثل القطن والكتان والخشب. ليمضي أديسون العام اللاحق في تجربة المادة الأفضل لصناعة السلك المتوهج لمصباحه الجديد، مختبرًا أكثر من 6000 نبات لتحديد أي مادة لها عمر احتراق أطول.
بعد مرور عدة أشهر على براءة الاختراع في 1879، اكتشف أديسون وفريقه أن سلكًا متوهجًا من الكربون والبامبو، يمكنه أن يحترق لأكثر من 1200 ساعة، وفقًا لمتحف أديسون. استُخدم البامبو لصناعة الأسلاك المتوهجة في المصباح المتوهج، حتى استُبدل في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بمواد أكثر فعالية.
أما في عام 1882، فقد حصل لويس هاورد لاتيمر -وهو أحد باحثي أديسون- على براءة اختراع لطريقة أكثر كفاءة في صناعة الأسلاك المتوهجة، وفقًا لجامعة روتجرز.
وفي عام 1903، ابتكر ويليس ر ويتني طريقة جعلت الأسلاك المتوهجة تحترق دون تغير لون التجويف الزجاجي للمصباح المتوهج، وفقًا للمعهد السيميثوني.
وقد طور ويليام ديفيد كوليدج، أحد الفيزيائيين العاملين في جنرال إلكتريك، صناعة الأسلاك المتوهجة من التنغستين عام 1910. إذ عُرف التنغستين حسب أديسون، بأنه من أفضل المواد لصناعة أسلاك المصابيح المتوهجة. ولكن التقنية اللازمة لصناعة أسلاك دقيقة السمك من التنغستين لم تكن متوفرة في أواخر القرن التاسع عشر.
وحتى يومنا هذا، ما زال التنغستين المادة الرئيسية لصناعة أسلاك المصباح المتوهج.
أضواء الليد:
حاليًا، تعد المصابيح الموفرة شديدة التوهج (LED) مستقبل الإضاءة، نظرًا لقلة كمية الطاقة التي تحتاج إليها، إلى جانب التكلفة الأقل شهريًا والكفاءة الأعلى من المصباح المتوهج التقليدي.
ابتكر العالم الأمريكي نيك هولونياك مصابيح الليد الحمراء صدفةً، وذلك في أثناء محاولته صنع الليزر في أوائل ستينات القرن العشرين، وفقًا لجنرال إليكتريك، وهي الشركة التي كان يعمل فيها. وقد كان مخترعون آخرون يستخدمون مادة نصف متوهجة مع تمرير تيار كهربي خلالها منذ أوائل القرن العشرين.
ولكن هولونياك كان أول من حصل على براءة لهذا الاختراع لاستخدامها مثبت إضاءة، وفقًا لجستيا.
وخلال سنوات قليلة، أُضيفت أضواء الليد باللونين الأخضر والأصفر، واستخدمت في الكثير من التطبيقات كأضواء المؤشرات والآلات الحاسبة وإشارات المرور، وفقًا لوزارة الطاقة الأمريكية.
بدأ تصنيع ضوء الليد الأزرق في أوائل تسعينات القرن العشرين، على يد العالمين الأمريكيين واليابانيين إيسامو أكاساكي وهيروشي أمانو وشوجي ناكامورا. وقد نالوا جائزة نوبل في الفيزياء عن هذا الاختراع عام 2014. مكن ضوء الليد الأزرق العلماء من صناعة مصباح الليد المتوهج الأبيض، عبر تغطية المضيئات بالفوسفور.
أما اليوم، فقد أصبحت اختيارات الإضاءة متعددة، ويمكن الاختيار بين العديد من أنواع المصابيح المتوهجة، متضمنة مصابيح الفلورسنت المضغوط التي تعمل عبر تسخين الغاز لتوليد إضاءة فوق البنفسجية ومصابيح الليد.
وتحاول العديد من الشركات تطوير إمكانيات المصابيح المتوهجة ومن ضمنهم فيليبس، وهي إحدى الشركات التي طورت مصباحًا متوهجًا لاسلكيًا يمكن تشغيله عبر إحدى تطبيقات الهواتف المحمولة.
يستخدم مصباح فيليبس هيو تكنولوجيا الليد، إذ يمكن إضاءته أو تخفيفه أو إغلاقه عبر ضغطة على شاشة هاتفك الذكي. وفي النسخة الأكثر تطورًا من مصباح هيو، يمكن التغيير بين العديد من الألوان (نحو 16 مليون لون)، وتشغيلها مع الموسيقى أو الأفلام أو ألعاب الفيديو.
اقرأ أيضًا:
الأنثروبولوجيا: معلومات وحقائق
ترجمة: إيمان غزال
تدقيق: جنى الغضبان
مراجعة: حسين جرود