أصبح الحفاظ على المعلومات السرية جدًا بالتشفير الرقمي متطورًا بشكل كبير من ناحية الحماية مع إنتاج أرقام قريبة من العشوائية ولكن يستحيل التنبؤ بها بكل ما للكلمة من معنى.
باستعمال البيانات المولدة عن طريق تجربة عمرها ثلاث سنوات في التشابك الكمي؛ استخدم المعهد الأمريكي للمعايير والتكنولوجيا (NIST) مؤخرًا شيفرات يقال بأنها فريدة من نوعها، ويمكن أن تفتح طريقًا جديدًا في عالم الاتصالات.
على مستوى معين، العشوائية شيء يسهل الحصول عليه، نحن نقلب القطع النقدية، نلعب النرد، ونختار أوراق اللعب مع إيمان عميق بأن النتيجة ليست سهلة التنبؤ، المشكلة تكمن في كلمة سهلة.
بمعلومات كافية، يمكن للعدّ الصحيح لأوراق اللعب أو معرفة الوجه الأول للعملة المقذوفة في الهواء أن يزيد احتمالات التخمين الصحيح للنتيجة التي سنحظى بها، وذلك لأنه خلف هذه “العشوائية” قوانين أساسية تحكم نتائجها المستقبلية، مثل القوة المطبّقة على قطعة النقود تساوي الكتلة في تسارع الزمن، والكازينوهات لديها قوانين ضد من يقوم بحساب الأوراق، لكن إذا أردت أن تستخدم شيفرة لترميز الرسالة بين هاتفك والمصرف الذي تتعامل معه، أنت حتمًا لا تريد أي أحد أن يطّلع على محتوى الرسالة.
الطريقة الأسهل لفعل هذا هي الاعتماد على نظام فوضوي، إذ هناك عدة قوانين على عدة مستويات مما يجعل تعقّبها أمرًا مستحيلًا، بعض الحواسيب تولّد خوارزميات لتقوم بذلك، وأنظمة أخرى استفادت من خصائص موجودة في الطبيعة كالضوضاء في الغلاف الجوي.
مولدات الأرقام العشوائية، كالمولد الذي صنعته الجامعة الوطنية الأسترالية، تستخدم أنظمة متذبذبة مكونة من جسيمات متأرجحة تظهر وتختفي في الفراغ، في الغالب يدعي مطورو هذه المولدات أن الأرقام التي تولدها عشوائية تمامًا، لكن لا يزال هنالك مساحة للجدال حول ذلك.
يقول عالم الرياضيات في المعهد القومي الأمريكي للمعايير والتكنولوجيا بيتر بيرهورست: «من الصعب أن تضمن أن أي مصدر كلاسيكي يمكن أن يكون غير قابل للتنبؤ، المصدر والبروتوكول الكمي الذي صممناه آمن ضد الأعطال، نحن واثقون بعدم قدرة أي أحد على التنبؤ بأرقامنا».
يعود ذلك لحقيقة أن النظام الجديد مختلف عن أي نظام فوضوي -وهي نظم فعلًا فوضوية ولكن مازالت مبنية على القواعد التي من الممكن نظريًا تحديدها- إلا أن المولد الجديد يعمل باستخدام شيء مجهول بطبيعته.
في عام 2015 أجرى المعهد القومي للمعايير والتكنولوجيا تجربة تهدف إلى سد الثغرات في النظرية التي تثبت بشكل كبير أن أينشتاين كان على خطأ على الأقل في خاصية واحدة في الفيزياء.
لا يوجد نقاش علمي أكبر من النقاش حول إثبات أن الفيزياء الكمومية هي نظرية كاملة أم لا، بالنسبة لعظماء مثل إيروين هايزنبرغ ونيلز بوهر الواقع مبني على أساسيات الاحتمال، ولهذا لا يوجد قانون “مخفي” بإمكاننا أن نجده ليخبرنا بأي اتجاه تحديدًا سيكون الناتج.
أينشتاين على الطرف الآخر قال في عدة مناسبات “الله لا يلعب النرد” وأنه في يوم ما سنكمل نظرية الكم بطريقة تجعلنا نحذف كلمة “ربما” من المعادلة.
بعد عدة عقود، طوّر رجل يدعى جون ستيوارت بيل إثباتًا أظهر أننا إما مخطئون تمامًا بخصوص الفيزياء الكمومية، أو أن بور محق وليس هنالك بالتأكيد قاعدة معينة في مجال معين.
منذ ذلك الحين اتخذت التجارب الفيزيائية طابعًا آخر إذ اكتشفت ثغرات في أفكار بيل وسدّتها الواحدة تلو الأخرى.
قامت تجربة المعهد القومي للمعايير والتكنولوجيا بهذا السد وذلك بفصل زوج من الفوتونات المتشابكة، فإذا كان أحد الفوتونات لديه الجسيم الموافق للجانب اليساري فبالتأكيد الفوتون الآخر له الجانب اليميني.
عندها سدّوا الثغرات وقلّلوا الاحتمالات ليتحقّقوا بأن ليس هنالك قواعد خفية تخبر الفوتون بأي جهة سيذهب، بمعنى آخر لقد كان خيارًا عشوائيًا حقيقيًا وقد تمكنوا من إثبات وجهة نظرهم.
يقول بيرهوست: «نحن متأكدون تمامًا بأننا نرى عشوائية كمومية لأن النظام الكمومي فقط باستطاعته إنتاج هذه الارتباطات الإحصائية بين خيارنا للقياس والنتائج».
بعد التأكد أن هذه التجربة هي قمة العشوائية، عمل المعهد القومي للمعايير والتكنولوجيا على استخدام هذه التجربة لاختبار نظرية بيل وذلك من خلال توليد سلاسل مختلفة من الأرقام ليس باستطاعة أي أحد توقعها بمعدل 1024 بت كل 10 دقائق.
اختباراتهم الإحصائية على هذه البتات أكدت استنتاج بيل بأنه لا يوجد قواعد مخبأة خلف توليد هذه الأرقام المكونة من مجموعة من ال 1 وال 0.
هذا ليس أول مولد أرقام عشوائي يتيح لنا استخدام العشوائية الكمومية، هناك أرقام عشوائية حقيقية تم توليدها من قبل.
تكمن المشكلة في أن ذلك الدليل القاطع عمّا يبدو أنه عشوائي لم يتأثر بأي قانون كلاسيكي في مكان ما من العملية.
وفي التشفير أي شكل محتمل هو خطر محدق.
الأرقام العشوائية الخاصة بالمعهد القومي للمعايير والتكنولوجيا لن تُصنع من أجل التشفير، إذ نُشِرت للعامة، لكن عمليتهم تساعد على تأكيد ما يقولونه بخصوص أن الرمز عشوائي.
- ترجمة: مازن سفّان
- تدقيق: رزان حميدة
- تحرير: ناجية الأحمد
- المصدر الأول
- المصدر الثاني