مقدمة إلى البيولوجيا الجزيئية :
الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين « المقال الأول »
البيولوجيا الجزيئية هي العلم الذي يختص بدراسة تركيب وتفاعل الجزيئات الخلوية مثل الأحماض الأمينية والبروتينات التي تؤدي وظيفة حيوية وضرورية لبقاء الخلية. في هذا المقال سنتعرف على تركيب الحمض النووي منقوص الأكسجين و بعض الأدلة على أنه المادة الوراثية. [1]
الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين Deoxyribonucleic Acid
الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين DNA هو أحد الجزيئات التي يختص علم البيولوجيا الجزيئية بدراسته.
وحتى أربعينيات القرن الماضي، واجه المجتمع العلمي صعوبةً في تصديق أنه يمثل المادة الوراثية وذلك لأنه كان بسيط التركيب ظاهرياً.
وحتى أول الخمسينيات لم يكن من المعروف أن جزيء الحمض النووي يتكون من شريطين بوليمرين يلتفان حول بعضهما البعض على شكل حلزون، تم التعرف على هذه البنية من خلال تحليل المركب بواسطة حيود الأشعة السينية [طريقة للتعرف على التركيب البلوري للمواد].
هذا الإكتشاف الهام هو الذي قاد العالمان واطسون و كريك لوضع تصور لجزيء الدي إن إي متيحين بذلك الفرصة لإستكشاف تضاعفه و طريقة تشفيره للمعلومات و حفظ المادة الوراثية وغيرها.
تركيب جزيء الدي إن إي DNA:
جزيء الدي إن إي يتكون من سلسلتين طويليتين من عديد النيوكليوتيد والتي تحتوي على أربعة أنواع من النيوكليوتيدات.
كلٌ من هاتين السلسلتين يشكل ( شريط دي إن إي ).
تمتد الروابط الهيدروجينية بين القواعد النيتروجينية في النيوكليوتيدات لتحافظ على تماسك الشريط المزدوج [شكل 1].
تتكون كل نيوكليوتيدة من سكر خماسي مرتبط بمجموعة فوسفات أو أكثر و قاعدة نيتروجينية.
في حالة النيوكليوتيدات الموجود بجزيء الدي إن إي يكون السكر منقوص الأكسجين ويرتبط بمجموعة فوسفات «لذلك يسمى بالحمض النووي منقوص الأكسجين أو Deoxyribonucleic acid» وقاعدة نيتروجينية قد تكون: أدينين A أو سيتوزين C أو جوانين G أو ثيامين T.
ترتبط النيوكليوتيدات معاً بروابط تساهمية في تركيب يتبادل فيه السكر والفوسفات يسمى بالعمود الفقري أو شريط سكر-فوسفات.
في كل نيوكليوتيدة ترتبط قاعدة نيتروجينية ذات حلقتين (بيورين) مع قاعدة نيتروجينية ذات حلفة واحدة (بيريميدين)، فالأدينين A يرتبط دائماً بالثايامين T، والجوانين G يرتبط دائماً بالسيتوزين C.
ترتبط القواعد النيتروجينية معاً بروابط هيدروجينية لتكون الجزء الداخلي من اللولب المزدوج «شكل 1 و2».
وبهذا يكون كل زوج من القواعد له نفس عرض باقي الأزواج وبالتالي يظل شريط السكر-فوسفات على مسافة واحدة على طول جزيء الدي إن إي.
يلتف جزيء الدي إن إي ليكون لولباً مزدوجاً بحيث تتكون اللفة الواحدة من 10 أزواج من القواعد النيتروجينية «شكل 3».
وليكون هذا التكامل بين القواعد النيتروجينية ممكناً على شريطيّ الدي إن إي أن يكونا متوازيين بشكل متعاكس «أحدهما من 3′ إلى 5′ والآخر 5′ إلى 3’، شكل 2 و3». [2]
الحمض النووي كمادة وراثية : تجربة جريفيث
أجرى فريدريك جريفيث Frederick Griffith مجموعة من التجارب على بكتيريا عقدية رئوية « Streptococcus pneumoniae » عام 1928، هذه البكتيريا التي تسبب الالتهاب الرئوي للبشر وتعتبر مميتة للفئران رغم وجود بعض السلالات التي تختلف في حدتها و التي قد لا تسبب الموت.
في هذه التجارب ميّز جريفيث نوعان من البكتيريا عن طريق الشكل الذي تأخذه المزارع المعملية.
أحد السلالتين مميتة و مغطاة بغلاف من متعدد السكاريد Ploysaccaride و التي تجعل المستعمرات الخلوية تبدو ناعمة « Smooth » ومن هنا تأتي الإشارة لهذه السلالة بالسلالة S .
كانت السلالة الأخرى التي استعملها جريفيث غير مميتة، و لا تحتوي على غلاف متعدد السكاريد مما يعطيها مظهراً أكثر خشونة « Rough » و من هنا تم الإشارة لهذه السلالة بالسلالة R.
قتل جريفيث مجموعة من البكتيريا المميتة S بغليها و حقنها في فئران.
لم تمت الفئران و ذلك لإن الهياكل المتبقية من الخلايا لا تسبب الموت.
ولكن عندما تم حقن هذه الفئران بمزيج من بكتيريا S ميتة وأخرى R حية، ماتت الفئران.
إضافةً لذلك فإنه عندما أُخذت عينات من البكتيريا الحية في الفئران كانت المستعمرات ناعمة. نستنتج مما سبق أنه بطريقة ما، انتقلت خصائص البكتيريا الميتة S إلى البكتيريا الحية R عن طريق بقاياها، تعرف هذه العملية بالتحويل Transformation.
عام 1944 عزل أوزوالد أفري و م. مكليود و م. مكارتي جزيئات من تلك الموجودة في بقايا البكتيريا S الميتة و اختبروا قدرتها على التحويل جزيئاً تلو الآخر. أظهرت تلك التجارب أن متعدد السكاريد لا تتسبب في التحويل، وبالتالي فإن غطاء متعدد السكاريد – رغم أنه مرتبط بموت الفئران – ليس مسؤولاً عن المادة الوراثية لتلك الخلايا.
أظهرت تجارب أفري أن المادة الوحيدة المسؤولة عن التحويل هي الحمض النووي منقوص الأكسجين الخاص بتلك البكتيريا، حيث تتسبب في ظهور غلاف متعدد السكاريد والذي يؤدي تباعاً إلى موت الفئران.
الحمض النووي كمادة وراثية : تجربة هيرشي-تشايس
ورغم أن التجارب التي أجراها أفري وزملاؤه كانت واضحة النتائج وتؤكد على أن الدي إن إي هو المادة الوراثية، إلا أن العديد من العلماء أصروا على أن البروتين هو المادة الوراثية وليس الدي إن إي.
لم يستمر هذا الصراع طويلاً، فعام 1952 أجرى ألفريد هيرشي ومارثا تشايس مجموعة من التجارب باستخدام فيروس الفاج ت2 phage (virus) T2.
تعتمد فكرة التجارب على أن الفاج الفيروسي يعمل على إقحام مادته الوراثية بداخل الخلية البكتيرية ليضمن تكاثره. تركيب الفاج الفيروسي سهل نوعاً ما، فهو يتكون من غلاف بروتيني يحيط بالدي إن إي داخل “رأسه”.
الفوسفور – كما تعرفنا سابقاً – عنصر أساسي لتكوين الدي إن إي، إلا أنه لا يدخل في تركيب البروتينات، وعلى العكس، فإن الكبريت يوجد في البروتينات ولا يوجد في الدي إن إي.
وظف هيرشي و تشايس هذا المبدأ بإدخال نظير مشع للفوسفور 32P إلى الحمض النووي لمزرعة فاج فيروسي، و نظير مشع من الكبريت 35S إلى بروتينات مزرعة أخرى.
ثم سمحوا للمزرعتين بعدوى بكتيريا من نوع إيشيريا كولاي E. Coli كل منهما على حدى.
بعد فترة معينة من حقن البكتيريا بالفاج الفيروسي، تم فصل الخلايا البكتيرية من البقايا الفيروسية بواسطة الطرد المركزي ثم تم قياس الإشعاع في العينيتين.
وُجِد أن الإشعاع بالعينات التي تم تطعيمها بالفوسفور المشع كان مركزاً في الخلايا البكتيريا مما يدل على أن الدي إن إي الفيروسي قد دخل الخلية كما تم رصده في جيل الفاج الجديد.
أما الإشعاع بالعينة التي تم تطعيمها بواسطة الكبريت المشع فقد رُصِد في البقايا الفيروسية مما يدل على أن البروتين الفيروسي لم يدخل الخلية قط.
كانت النتائج واضحة وجلية وقاطعة: الحمض النووي منقوص الأكسجين هو المادة الوراثية، والبروتين الفيروسي ما هو إلا بناء يحمل الدي إن إي الفيروسي للخلية البكتيريا ليتم التخلص منه بعدها. [3]
الحمض النووي كمادة وراثية : الميكانيكية
تحمل الجينات المعلومات البيولوجية التي يجب نسخها بدقة ليتم نقلها إلى الجيل التالي من الخلايا بعد انقسامها.
و ليتم تحقيق هذا المطلب يجب أن نعرف كيف يمكننا أن نشفر المعلومة البيولوجية نفسها في شكل كيميائي كما يجب أن تتوفر طريقة دقيقة لنسخ هذه المعلومات.
أتاح اكتشاف تركيب لولب الدي إن إي المزدوج إجابة على هذين السؤالين مقدماً بالتالي حلاً مُرضياً لمشكلة الوراثة على المستوى الجزيئي.
يتم تشفير المعلومات في لولب الدي إن إي المزدوج عن طريق تتابع النيوكليوتيدات على كل شريط.
فكل قاعدة نيتروجينية ( A أو C أو T أو G ) يمكن اعتبارها حرفاً في أبجدية رباعية تبعث رسالةً في صورة كيميائية.
هذه الحروف المتتابعة تمثل تعليمات لتصنيع البروتين والذي يتحدد شكله وتركيبه، وبالتالي وظيفته، عن طريق تتابع الأحماض الأمينية في تركيبه والتي تعتمد على تتابع هذه الحروف.
« سيتم مناقشة عملية الترجمة و تصنيع البروتين في مقال قادم ».
يحمل الكائن الحي المعلومات الوراثية الخاصة بالبروتينات التي سيصنعها طوال فترة حياته، تسمى هذه المجموعة الكاملة من المعلومات بالجينوم. [2]
إعداد : محمد صادق
تدقيق : بدر الفرامك
المصدر الأول
المصدرالثاني
المصدرالثالث