قد يُطلق على مغالطة الالتماس للتراث اسم مغالطة الاحتكام للسن أو العادات أو التوسل لما هو متعارف عليه، وهي ضرب من ضروب مغالطة الاحتكام إلى العاطفة والرغبة.
تعريف بمغالطة الالتماس للتراث:
مغالطة الالتماس للتراث هي عكس مغالطة التوسل بالحداثة، وفيها يُجادل المرء بأن قِدَم الفكرة يُضفي قيمةً عليها ويجعلها أقرب إلى الحقيقة بنحوٍ ما، وأشهر صيغة لهذه المغالطة هي:
«أ» قديم أو استعمل لفترة طويلة؛ إذن هو أفضل من «ب» الجديد.
يميل الناس إلى المحافظة بقوة؛ أي إنهم يميلون إلى الحفاظ على العادات والممارسات التي يبدو لهم أنها تعمل جيدًا بدلًا من تبني أفكار جديدة، وقد يكون سبب ذلك هو الكسل حينًا، وقد يكون الأمر مرتبطًا بالكفاءة حينًا آخر.
ولكن عمومًا، يُرجح أن يكون السبب متعلقًا بالنجاح التطوري، إذ يصعب علينا هجر العادات التي سمحت لنا بالنجاة في الماضي واستبدالها بأخرى بسهولة أو بسرعة.
إن التمسك بفكرة تعمل جيدًا ليس مشكلة بحد ذاته، ولكن الإصرار على فعل الأشياء بطريقة معينة فقط لأنها قديمة أو تشكل عرفًا من الأعراف هو المشكلة، والتذرع بالعمر أو التراث -في المناقشات المنطقية- يعني ارتكاب مغالطة.
أمثلة على مغالطة الالتماس للتراث:
يشيع ارتكاب هذه المغالطة حين يحاول الناس تبرير أمر لا يمكنهم الدفاع عنه باستعمال أسس واقعية أو وقائع حقيقية، ومثال ذلك مواضيع التمييز أو التعصب:
- من المعتاد دفع رواتب أعلى للرجال مقارنة بالنساء، لذلك سنتمسك بهذه الممارسة التي دومًا ما اتبعتها هذه الشركة.
- كيف نمنع مصارعة الكلاب وهي رياضة موجودة منذ مئات -إن لم نقل آلاف- السنين، وقد استمتع بها أجدادنا حتى أصبحت جزءًا من تراثنا؟!
- لطالما وضعت والدتي اللوز مع الرز، ولهذا السبب أفعل ذلك أنا أيضًا.
مع أن هذه الممارسات موجودة حقًا منذ فترة طويلة، ولكن الطرف المدافع عنها لم يقدم سببًا حقيقيًا يبرر الاستمرار بفعلها، بل «افترض» ببساطة أن العادات والأعراف لا بد أن تستمر، حتى أنه لم يحاول شرح سبب ظهور هذه الممارسات والدفاع عن ذلك السبب، مع أن معرفته مهمة لكشف الظروف التي أنتجت هذه العادات في المقام الأول، وربما تغيرت الظروف بمرور الزمن إلى درجة تسوّغ الكف عن ممارسة هذه العادات.
يمتلك بعض الناس انطباعًا خاطئًا عن أن عمر شيء ما يحدد -لوحده- قيمته وفائدته، وربما كان لهذا الانطباع بعض المسوغات، خصوصًا إذا كان الشيء القديم مفيدًا زمنًا طويلًا، ولكن ذلك لا ينفي احتمالية امتلاك المنتج الجديد فوائد جديدة. لذلك لا يصح افتراض امتلاك منتج -أو عادةً ما- قيمة عالية فقط لأنه قديم، دون بحث أو تمحيص؛ فربما لم ينتشر منتج جديد لأن الناس لم يعرفوا غيره ولم يجربوا ما هو أفضل منه، وربما اتبع الناس تلك الممارسة فترة طويلة لأنهم ارتكبوا -أصلًا- مغالطة الالتماس للتراث.
إذا وجدت حجج منطقية وأسباب معقولة تجعل ممارسة -أو فكرة- تقليدية أفضل من البديل المقدّم، فعلى المرء عرضها واستعمالها في نقاشه، مبينًا أفضليتها مقارنةً بالممارسة -أو الفكرة- الجديدة.
الدين ومغالطة الالتماس للتراث:
من السهل أيضًا العثور على مغالطات الالتماس للتراث عند الاطلاع على النقاشات الدينية، بل ربما كان من الصعب العثور على دين لا يرتكب مغالطة الالتماس للتراث أحيانًا، لأنه من النادر أن تجد دينًا لا يعتمد بقوة على التقاليد بوصفها وسيلة من وسائل فرض أفكاره العديدة.
كتب البابا بولس السادس عام 1976م في «جواب على رسالة قداسة الدكتور فريدريك دونالد كوغان المحترم، مطران كانتربيري، حول رسامة النساء الكهنوتية»:
«[الكنيسة الكاثوليكية] تتمسك بمنع النساء من الانضمام إلى سلك الكهنوت لأسباب أساسية، منها: المثال المسجل في النصوص المقدسة عن اختيار المسيح لرسله من الرجال حصرًا، وممارسة الكنيسة المعتادة المقلدة لممارسة المسيح في اختيار الرجال حصرًا، وسلطة الكنيسة التعليمية الحية التي لطالما رأت أن استبعاد النساء من سلك الكهنوت ينسجم مع خطة الله لكنيسته».
ساق البابا بولس السادس ثلاثةَ أسباب دفاعًا عن موقفه في منع النساء من أن يصبحن قسيسات، وكان السبب الأول يحتكم إلى الكتاب المقدس، فلم يحتكم إلى مغالطة الالتماس للتراث، ولكنه ارتكب هذه المغالطة عند عرضه السببين الثاني والثالث، وقد ارتكبها بوضوح شديد إلى درجة إمكانية اقتباس السببين في كتب «المغالطات المنطقية» المرجعية: يجب علينا الاستمرار بفعل ذلك لأن الكنيسة فعلت ذلك على الدوام، ولأن السلطة الكنسية لطالما أمرت بفعل ذلك.
إذا أردنا أن نصوغ حجة البابا ذات الصلة في شكل فلسفي فستكون:
المقدمة الأولى: ممارسة الكنيسة المعتادة هي حصر الكهانة بالرجال فقط.
المقدمة الثانية: لطالما تمسكت السلطة التعليمية للكنيسة باستبعاد النساء من سلك الكهنوت.
النتيجة: لذلك، لا يُسمح برسامة النساء الكهنوتية.
لم تستعمل الحجة كلمتي «عُمر» أو «تراث»، ولكنها استعملت «الممارسة المعتادة» و«لطالما»، فارتكبت مغالطة الالتماس للتراث.
اقرأ أيضًا:
مغالطة الشخصنة: كل ما تود معرفته
ترجمة: الحسين الطاهر
تدقيق: جنى الغضبان
مراجعة: حسين جرود