أظهرت دراسة جديدة انخفاض معدلات الوفيات المرتبطة بالأفيون ومشابهاته الصنعية بين عامي (2014 و2018) في مقاطعات الولايات المتحدة الأمريكية التي يكون تداول القنب في صيدلياتها قانونيًا.
ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، توفي خلال العام الأخير من هذه الدراسة قرابة 46800 شخص في الولايات المتحدة بسبب الجرعات المفرطة من الأفيونات، ثلثا هذه الوفيات كانت بسبب الأفيونات الصنعية مثل الفنتانيل. وتقترح المزيد من البيانات الأخيرة أن جائحة كوفيد-19 كانت قد فاقمت سوء أزمة الأفيون في الولايات المتحدة، بارتفاع الوفيات الناتجة عن الأفيونات الصنعية إلى ما يزيد عن 38% بين يونيو 2019 ومايو 2020، مع ذلك حذر الخبراء من أن الدراسة الجديدة محدودة أيضًا كالدراسات الأخرى البيئية والسكانية والدراسات حول القنب، وأن البيانات المعدة للتحليل تعود لسنوات عدة فائتة.
العلاقة الممكنة بين القنب والوفيات المرتبطة بالأفيون:
تفحص الباحثون في هذه الدراسة بيانات جُمعت من 812 مقاطعة عبر 23 ولاية أمريكية حيث كان تداول القنب في صيدلياتها مسموحًا بحلول نهاية عام 2017، وجمعوا هذه البيانات مع الوفيات المرتبطة بالأفيون التي حدثت في تلك المقاطعات.
تُعد الأفيونات صنفًا من الأدوية يتضمن الهيروين والأفيونات الصنعية مثل الفنتانيل ومسكنات الألم التي تحتاج وصفة طبية مثل الكودئين والأوكسي كودون والمورفين.
تستخدم الأفيونات التي تحتاج وصفة طبية لتسكين الألم الحاد قصير الأمد وأحيانًا لتسكين الألم المزمن طويل الأمد، ولا يوجد مع ذلك ما يدل على فعاليتها في حالات الألم المزمن، وقد يؤدي استخدامها -خاصة على المدى الطويل- إلى مضاعفات سيئة أو الإدمان.
وجد الباحثون في الدراسة أن المقاطعات التي كان تداول القنب في صيدلياتها مسموحًا، انخفضت فيها معدلات الوفيات المرتبطة بالأفيون أقل من غيرها، وبيّن تحليلهم أن زيادة عدد صيدليات المقاطعة من واحدة إلى اثنتين كان مرتبطًا بانخفاض الوفيات الناجمة عن الأفيون بنسبة 17%. كتب مؤلفو الدراسة أن ذلك ينطبق على الصيدليات الطبية وتلك الخاصة بالنقاهة.
كان الارتباط السابق أقوى بالنسبة إلى الأفيونات الصنعية باستثناء الميثادون، فزيادة عدد المستوصفات في المقاطعة من واحد إلى اثنين خفض الوفيات المرتبطة بالأفيونات الصنعية بنسبة 28%، وأخذ الباحثون في الحسبان العوامل التي أمكنها التأثير في تعاطي الأفيونات مثل مستويات البطالة والمعدلات الوسطية للرواتب وعدد الرجال في كل مقاطعة، مع ذلك لم يتمكن الباحثون من إظهار أن الصيدليات كانت مسؤولة مباشرةً عن انخفاض الوفيات المرتبطة بالأفيون بسبب طريقة تخطيط هذه الدراسة.
قالت شيلسي شوفر -أستاذة مساعدة في أبحاث الخدمات الصحية وأقسام الطب الداخلي العام- إن إحدى نقاط قوة الدراسة هي أن الباحثين فحصوا البيانات على مستوى المقاطعات بدقة عالية. ومع ذلك، قالت إن الدراسة ما تزال تعاني نفس المحدودية التي تعاني منها الدراسات البيئية الأخرى حول القنب، وأضافت: «لا تخبرنا الدراسة عما إذا كان مستخدمو القنب يتعاطون كميات أقل من الأفيون أو يتوقفون عن استخدامه أو يموتون بسببه».
إضافة إلى ذلك أشارت شوفر إلى أن الباحثين لم يأخذوا في الحسبان كيفية انتشار الأفيونات -الأفيونات الصنعية على وجه التحديد- في كل مقاطعة، وقالت إن الكثير من المقاطعات التي تساهم في هذه الدراسة تقبع على الساحل الغربي، في الولايات التي كانت فيها مستويات الأفيونات الصنعية عام 2018 أقل.
يصعب توقع ماهية الوضع الحالي لأن الباحثين تفحصوا البيانات فترة زمنية محدودة، قالت شوفر: «إذا أردت إجراء نفس الدراسة باستخدام بيانات حديثة ستجد نتائج مختلفة بسبب التغيير الذي طرأ على كل من تداول القنب في الصيدليات والوفيات الناجمة عن الأفيون».
الحاجة إلى مزيد من الأبحاث الجادة حول القنب
هذا ليس دافعًا للقول إن تسهيل تداول القنب بصورة قانونية -خصوصًا عند المصابين بالأمراض المزمنة- لن يقلل الوفيات الناجمة عن الأفيون.
قالت شوفر: «لك أن تتخيل أن شخصًا ما يستخدم القنب لتسكين الألم بدلًا من الأفيونات الموصوفة، لن تتاح له الفرصة كي يصبح معتمدًا على الأفيونات أو أن ينتقل بعد ذلك إلى استخدام الهيروين أو الأفيونات الصنعية، لكن هذه الدراسة لا تخبرنا عن صحة هذا الأمر».
تتفق د.شينازو كانينتام -بروفسورة في كلية ألبيرت أينشتاين للطب- مع محدودية هذه الدراسات المعتمدة على السكان، وتقول: «هناك احتمال أن القنب سيقلل من تعاطي الأفيون، مع ذلك، يكون البحث في هذا النطاق عشوائيًا والدراسات غالبًا بيئية لذلك تصعب معرفة ما يحدث حقًا على الصعيد الشخصي للمريض، إلا أن الدور الممكن والهام الذي يقوم به القنب هو تزويد مرضى الألم المزمن ببدائل الأفيون، ولا يميل العديد من مقدمي الرعاية الصحية إلى وصف الأفيونات بسبب الاحتمال الكبير لإساءة استخدامها»، وأضافت: «كطبيبة، أرى الكثير من الناس الذين يعانون فظاعة الألم المزمن ويواجهون الكثير من العوائق في إيجاد الأفيون لتسكين آلامهم».
إن إجراء المزيد من الدراسات الجادة للمرضى يعني معرفة الآلام التي يمكن أن يسكنها الأفيون ومدى فعاليته في حالات الألم المزمن، لكن يصعب على الباحثين إجراء هذه الدراسات في الوقت الحالي، ورغم قبول تداوله لأغراض طبية وترفيهية في العديد من الولايات، ما تزال الحكومة الفيدرالية تصنفه عقارًا غير طبي، وذلك يعني وجود تشديد على نوع الأبحاث الممكن إجراؤها حول القنب.
لدى شينازو مشاريع بحثية تهتم باستخدام القنب عند مرضى الألم المزمن وتُجرى هذه الدراسات على مستوى الأفراد. تقول شينازو: «استغرق حصولي على الموافقة لإجراء الدراسة ما يزيد عن عام بسبب المسائل القانونية والتحذيرات حول تصنيف القنب لدى الحكومة الفيدرالية».
أعربت شوفر عن قلقها حيال احتمال أن تدفعنا الدراسات البيئية عن الأعمال التي يمكنها مساعدتنا على تقليل الوفيات المرتبطة بالأفيون بين المصابين باضطرابات متعلقة باستخدام الأفيون، وقالت: «ذلك الوقت الذي نناقش فيه احتمالية أن إتاحة القنب في الصيدليات قد تمنع الوفيات الناجمة عن الجرعات المفرطة من الفنتانيل هو الوقت الذي سيحد من زيادة استخدام النالوكسون، فنعيد صياغة قانون العقوبات، ونوفر خدمات الدعم التي تتفق مع ذلك».
اقرأ أيضًا:
نبات القنب (الماريجوانا)، هل هو مضر بالقلب؟
القنب (الحشيش أو الماريوانا) لتخفيف آلام السرطان
ترجمة: حيدر بوبو
تدقيق: مازن النفوري