معايير تمويل وترويج العلم الحالية، إلى ماذا ستؤدي؟
دُرّب العلماء على تقييم النظريات بحرص عن طريق تصميم تجارب جيدة، والبناء على المعرفة الحالية لديهم، ولكن يتزايد القلق لدى البعض لوجود العديد من نتائج الأبحاث الخاطئة.
نُشر بحث جديد في 10 تشرين الثاني/نوفمبر في إحدى المجلات ذات الوصول المُتاح (PLOS Biology) عن طريق علماء النفس في جامعات بريستول وإكستير يقترح أن أسباب تزايد نتائج الأبحاث الخاطئة هي غالبًا المعايير التي تُستخدم في تمويل العلوم والترويج للعلماء، فهي – على حد قولهم – توجه الكثير من الاهتمام إلى النتائج الجديدة والأكثر غرابة فقط.
ازداد قلق بعض العلماء مؤخرًا بسبب عدم دقة تلك النتائج المنشورة، ففي محاولة من قِبَل 270 عالم لإعادة الوصول إلى النتائج المعلن عنها في مئة دراسة لعلم النفس حول مشروع التكاثر وجد أن 40% فقط من النتائج قابلة للإجراء.
لا عجب في ذلك، لأن الباحثين الذين يريدون الاستمرار في مسيرتهم المهنية لفترة أطول، سيتجهون للعمل بطريقة تحقق لهم ذلك، مثل إجراء عدد كبير من الدراسات الصغيرة بدلًا من إجراء عدد قليل من دراسات أكبر وذات نتائج نهائية، ولكن للأسف فعلى الرغم من أن هذا الأمر جيد لمسيرتهم المهنية إلّا أنهُ لن يكون بالضرورة أمر جيد للعلم.
استنتج الأُستاذ ماركوس مونافو والدكتور أندرو هيكنسون، وهما باحثان فى علم النفس في جامعتي بريستول وإكستير أن وجهة نظر بعض العلماء حول حدوث التقدم هي عن طريق إجرائهم العديد من الدراسات الصغيرة الاستكشافية؛ لأنهُ غالبًا ما ستقود تلك الدراسات إلى نتائج أكثر غرابة، فأكثر المجلات المرموقة تنشر فقط النتائج الجديدة، والعلماء غالبًا ما يفوزون بالمنح والترقيات إذا إستطاعوا نشر ورقة بحثية واحدة فقط فى تلك المجلات، والذي يعني بدوره أنَّ تلك الأبحاث الصغيرة (غير الجديرة بالثقة) قد تكافأ على نحوٍ غير متناسب في النظام الحالي.
وضَع بعض المؤلفين نموذجًا رياضيًا يتنبأ كيف يمكن للباحث المثالي -الذي يرغب في تعظيم تأثير منشوراته العلمية- أن يستغل جهدهُ والوقت المخصص لبحثهِ، فيجب على الباحثين العلميين أن يقرروا ما هي نسبة الوقت اللازمة للبحث عن النتائج الجديدة المثيرة بدلًا من تأكيد النتائج السابقة، كما يجب عليهم أن يقرروا عدد الموارد اللازمة لكل تجربة.
يرينا ذلك النموذج أن أفضل شيء للتقدم في المسيرة المهنية هو إجراء العديد من الدراسات الاستكشافية الصغيرة وتجنب تلك الدراسات ذات النتائج المؤكدة، لكن في هذه الحالة كل تجربة قد تعطينا بنسبة ضئيلة تأثير واحد حقيقي إذا وجد أصلًا، ومن المرَجَّح أن تعطينا بعض الإيجابيات المزيفة، التي غالبًا ما تُنشر أيضًا لسوء الحظ.
يقول الدكتور هيجنسون: «هذه قضية مهمة جدًا؛ لأن العديد من الأموال يصرف هباءً على أبحاث غير موثوقة في نتائجها، فالنتائج المُلفتة للنظر قد تكون مجرد إيجابية خاطئة».
بحسب الباحثين، فلن يحدث ذلك إذا لم يعط العلماء أهمية أكبر لإتمام العديد من الأبحاث، بدلًا من بحث أو اثنين ذوي مستوى رفيع، وأيضًا لن يحدث في حال لم تكن الأبحاث الجديدة تكافأ أكثر من الأبحاث التأكيدية التي تعمل على تأكيد النتائج السابقة.
حسنًا إذن، هل هناك أي طريقة للتغلب على مشكلة الممارسة العلمية السيئة؟ قد يكون هناك حلول فورية كما يشرح لنا الأستاذ مونافو: «يجب على محرري المجلَّات العلمية والمراجعين أن يكونوا أكثر صرامة حول الإجراءات الإحصائية الجيدة، مثل الإصرار على أحجام عينات كبيرة ومعايير إحصائية أكثر صرامة لتحديد وجود أثر حقيقي».
يوجد بالفعل بعض المؤشرات المشجعة، إذ تقدم الآن العديد من المجلات العلمية قوائم تقريرية تطلب من المؤلفين أن يوضحوا -من بين عدة أمور أخرى- كيف قرروا حجم العينة التي استخدموها، وهنا للأسف يجري بعض الممولين تغييرات مشابهة كي يستحقوا إجراءات التطبيق.
يقول الدكتور هجنسون: «إن أفضل شيء يمكن فعله للتقدم العلمي هو المزج بين الدراسات الاستكشافية متوسطة الحجم مع تلك الدراسات المؤَكِدة الكبيرة»، ويقول أيضًا: «يقترح عملنا أنه غالبًا سيجري الباحثون ما نطالب به في حال كافأت المؤسسات التمويلية ولجان الترقية طرح الأسئلة واستخدام المنهجية العلمية الجيدة بدلًا من مكافأة النتائج الأكثر غرابة والتفسيرات العلمية المثيرة».
ترجمة: محمد خالد عبد الرحمن
تدقيق: ولاء سليمان
المصدر