نظرًا لما تسببه العوامل الضارة التي تنتقل عبر الأغذية من أذيات وعواقب كبيرة وخاصةً أحد سلالات جراثيم الإشريشية القولونية (Escherichia coli O157) التي تتسبب بحوالي 73000 مرض وعدد وفيات يقارب 60 وفية في كل عام في الولايات المتحدة وحدها، فقد عمل باحثو معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (MIT) على إيجاد حل جديد أفضل وأرخص وأسرع لاختبار الأغذية والتأكد من سلامتها.
الحل الجديد المبتكر يعتمد على خاصية فريدة لقطيرات يمكنها أن ترتبط ببروتينات البكتيريا بحيث يمكن لهذا الارتباط أن يُكشَف بالعين المجردة أو بواسطة الهاتف الذكي، وعلى هذا فالحل الجديد يوفّر بديلًا سريعًا ورخيصًا مقارنةً باختبارات الأغذية الموجودة حاليًا.
في السنوات السابقة طوّر باحثو معهد ماساشوستس طريقة تمكننا بسهولة من صنع قطيرات معقدة من ضمنها قطيرات تدعى بمستحلبات جانوس (Janus emulsions)، هذه القطيرات تتألف من نصفي كرة متساوين في الحجم أحدها مركب من الفلوروكربون والنصف الآخر مركب من الهيدروكربون، وبما أنّ الفلوروكربون أكثف من الهيدروكربون فسيكون نصف الفلوروكربون دومًا من الأسفل عندما توضع القطيرة على سطح أملس، ولكون هذه القطيرات تتميز بصفات مرئية فريدة قرر الباحثون استعمالها كمشعرات حساسية، ففي الوضع الطبيعي تكون هذه القطيرات شفافة عندما يُنظَر إليها من الأعلى بينما تبدو عَكِرَة أو غير شفافة عندما يُنظَر إليها من الجانب وذلك لاختلاف الطريقة التي ينتقل فيها الضوء عبر القطيرة.
لتحويل هذه القطيرات إلى مشعرات حساسية، قام الباحثون بتصميم مركب سطحي يحوي على المانوز (mannose) الذي يرتبط بالنصف المكوّن من الهيدروكربون أي النصف العلوي، وبذلك يصبح النصف العلوي قادرًا على الارتباط ببروتين الليكتين (lectin) الموجود على سطح بعض سلالات جراثيم الإشريشية القولونية، وبهذا عندما تتواجد هذه الجراثيم سترتبط بالنصف العلوي من القطيرات مما يُفقد القطيرة التوازن السابق فتبدو عَكِرَة أو غير شفافة عندما يُنظَر إليها من الأعلى لأنّ الضوء أصبح يتبعثر الآن بمختلف الاتجاهات.
«قمنا باستخدام نفس الوسيلة التي تستخدمها هذه العوامل الضارة في التعرّف الجزيئي، فهم يتعرفون على بعضهم البعض عن طريق روابط الهيدروكربون-ليكتين» يقول البروفيسور تيموثي سواجر (Timothy Swager) أحد الباحثين القائمين على الدراسة في قسم الكيمياء في معهد ماساشوستس، ويضيف: «لقد استفدنا من خواص القطيرات لزيادة قابلية الارتباط، وهذا يختلف بشكل كبير عمّا تستخدمه مشعرات الاختبار الأخرى».
ولإثبات كيفية إمكان استخدام هذه القطيرات كمشعرات لاختبار الأغذية، قام الباحثون بوضعها في أطباق بتري فوق رمز QR يُمكِن مسحه عبر الهاتف الذكي، وبهذا عندما تتواجد الإشريشية القولونية سيتغير شكل القطيرات لترتبط مع بروتينات البكتيريا ويصبح الرمز غير قابل للمسح أو القراءة عبر الهاتف الذكي.
اختبارات الأغذية الحالية تعتمد على أخذ عينة من الطعام ووضعها في طبق بتري والانتظار لرؤية نمو مستعمرات بكتيرية ضارة، ولكن هذه العملية تستغرق عدة أيام، مع ذلك يوجد طرق أخرى سريعة كتضخيم الحمض النووي الخاص بالبكتيريا والاختبارات المناعية إلا أنها مكلفة جدًا وتتطلب أجهزة خاصّة ومتطورة.
يأمل فريق معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بأن يقوم بوضع هذه الوسيلة الجديدة بطريقة ملائمة على شكل صفوف من الأوعية الصغيرة كل منها حسّاس لالتقاط نوع مختلف من البكتيريا الضارة ومرتبط برمز QR مختلف، وهذا ما سيوفّر وسيلة سريعة وغير مكلفة لاختبار الأغذية باستعمال الهاتف الذكي ببساطة.
«أعظم مميزات وسيلتنا أنها لا تحتاج لأجهزة متخصصة أو تدريب تقني لاستخدامها، وهذا يجعل الأشخاص العاملين في المصانع قادرين على اختبار الأغذية وفحصها للتأكد من سلامته قبل إرسالها» تقول كيفان تشانغ(Qifan Zhang) وهي طالبة متخرجة والمؤلف الرئيس للورقة البحثية.
يعمل الباحثون الآن على بعض التحسينات ويخططون لصنع قطيرات متخصصة أكثر مرتبطة بسكاكر أكثر تعقيد يمكنها أن تتفاعل وترتبط مع بروتينات بكتيرية مختلفة، ففي هذه الدراسة قام الباحثون باستخدام سكر يرتبط بنمط غير ممرض من جراثيم الإشريكيات القولونية، ولكنهم سيقومون بصنع مشعرات حساسة لسلالات أخرى من جراثيم الإشريكيات القولونية وعوامل ممرضة أخرى، كما أنهم يقومون الآن على تطوير هذه الطريقة وتحسينها لتصبح أفضل من التقنيات المتواجدة حاليًا من حيث درجة الحساسية، ويأملون إطلاق هذه الوسيلة للاستخدام العام خلال سنة ونصف.
ترجمة: دانيا الدخيل
تدقيق: محمد نور
تحرير: جورج موسى