نحن بحاجة لمعرفة من سيعاني من الفيضانات ومن سيعاني من الجفاف.
«عندما تجف الآبار سنعرف قيمة المياه»، هذا ما جاء في كتاب بنجامين فرانكلين (يوميات ريتشارد المسكين)، وعلى الرغم من أنه كتب ذلك مجازيًا فإن هذا الكلام من القرن الثامن عشر والمرادف لفكرة “نحن لا ندرك قيمة شيء ما حتى نفقده”.
وبعد مضي قرنين من إدارة المياه المثيرة للجدل، منذ العواصف الرملية التي أصابت أمريكا وكندا في الثلاثينيات وحتى كارثة الجفاف في كاليفورنيا مؤخرًا؛ تتحول هذه الاستعارة إلى حقيقة، فالماء أساس الحياة. وفي دراسة حديث نشرت في دورية (Science Advances) فإن التغير المناخي سيهدد مخزون المياه، ويغير أماكن تساقط الأمطار في المستقبل.
يقول مؤلف هذه الدراسة آرون بوتنام (Aaron Putnam) وهو أستاذ مساعد في كلية علوم الأرض والمناخ وتغير المناخ في جامعة (ماين): «نراقب كيف ستتغير موارد المياه في المستقبل في ظل ارتفاع الحرارة المستمر».
توصلت أبحاث بوتنام إلى أن التغير المناخي سيحرك خط الاستواء الحراري (المنطقة التي تتشكل فيها أحزمة الأماكن الماطرة والجافة)، ففي نصف الكرة الشمالي وخلال فصل الصيف ستزداد الرطوبة في المناطق الرطبة ويزداد الجفاف في المناطق الجافة، وخلال فصل الشتاء سيتوسع نطاق الأمطار والأراضي الجافة باتجاه الشمال.
ويعني ذلك من الناحية العملية أن المناطق المدارية ستصبح أكثر رطوبة والمناطق شبه الاستوائية وخطوط العرض الوسطى أكثر جفافًا؛ خاصة في حزيران وتموز وآب.
وستكون الرياح الموسمية في نصف الكرة الشمالي أقوى وتضعف في نصف الكرة الجنوبي، وإن فكرة موسم رياح أقوى في الشمال ملفتة للنظر بشكل خاص نظرًا لأن بعض أجزاء آسيا تعاني بالفعل بسبب الطوفان السنوي، وخلال أسبوع واحد أدّت الانهيارات الأرضية والانهيارات الطينية والفيضانات في سريلانكا إلى مقتل أكثر من 90 شخصًا.
سوف تصبح الأراضي الجافة في غرب الولايات المتحدة وآسيا الداخلية (مثل منغوليا) والشرق الأوسط أكثر جفافًا، بينما ستتحرك غابات الأمازون نحو الشمال مما يجعل فنزويلا أكثر رطوبة.
شرق البرازيل وألتيبلانو البوليفية (وهي المنطقة التي تشمل أجزاء من غابات الأمازون المطيرة) ستصبح جافة. وقد أدّى تغير المناخ وإزالة الغابات إلى القضاء على الغابات المطيرة الرطبة على مدى العقد الماضي.
وقد توصل الباحثون إلى هذا الاستنتاج من خلال تحليل بيانات المناخ القديمة من جميع أنحاء العالم لمعرفة كيفية استجابة الهطولات المطرية للتحولات السابقة في المناخ.
يقول بوتنام: «يمكننا اعتبار بيانات المناخ القديمة سجلًا جيولوجيًا محفوظًا بطرق مختلفة على سطح الأرض وتاريخها الجيوكيميائي، أعتقد أن أقوى الأمثلة البصرية وربما الأكثر قوة لتتبع أنماط هطول الأمطار في جميع أنحاء الكوكب؛ هي تلك البحيرات المغلقة التي تمتلئ ثم تتبخر بعيدًا وكأنها تخبرنا عن الهطولات في الماضي».
يشمل سجل المناخ القديم كل شيء، الأحواض المغلقة والرواسب الكلسية والرواسب في البحيرة والعينات الجليدية، وبالإضافة إلى تقنيات مثل عينات الكربون الراديوي وتاريخ ثوريوم-يورانيوم؛ تخلق معًا صورة كاملة.
وبالنظر إلى الماضي يمكننا أن نفهم كيف ستستجيب الأرض للظروف التي نخلقها مع تغير المناخ الذي يسببه الإنسان.
يضيف بوتنام: «هذه المعرفة التي توصلنا إليها خلال الثورة النووية، ومعظم معرفتنا بتاريخ المناخ أتت من نفس الأدوات».
الموض
الموضوع لا يتعلق فقط بهذه البحيرة في نيفادا، ولكن نفس النتائج وجدت في منطقة رواسب كلسية في الصين وعينة من الجليد في القارة القطبية الجنوبية، وذلك لا يعتمد على أداة معينة فالكثير من الأدوات والأساليب تمنح الباحثين درجة جيدة من الثقة في النتائج.
هذه الدراسة هي خطوة إلى الأمام، وليست نهاية الخط في التنبؤ بالموارد المائية، ومن المهم أن نعمل أكثر لصقل هذه التنبؤات.
يقول بوتنام: «علينا أن نكون قادرين على التنبؤ بكيفية إعادة توزيع المياه في جميع أنحاء العالم؛ لأننا نعيش الآن في عالم فيه 7 مليار إنسان، وسيتضاعف هذا الرقم خلال فترة ليست طويلة، لذلك نحن نعتمد على الموارد المائية من أجل الأمن الغذائي والأمن القومي.
وقد ربط الباحثون الصراع في سوريا بالجفاف بشكل جزئي، في حين أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2015 تقريرًا ينص على أن تغير المناخ العالمي سيؤدي إلى تفاقم مشاكل الفقر والتوترات الاجتماعية والتدهور البيئي وضعف المؤسسات السياسية، مما سيهدد الاستقرار في عدد من البلدان.
- ترجمة: أسامة ونوس
- تدقيق: دانه أبو فرحة
- تحرير: أحمد عزب