تروي دراسة حالة جديدة رائعة قصة استيقاظ رجل عاجز عن المشي والكلام مؤقتًا بعد إعطائه حبة نوم. وفقًا لتقرير في مجلة Cortex، يأمل باحثون من مركزي جامعة رادبود وجامعة أمستردام الطبيين أن تساعد دراسة الحالة هذه على تحسين فهمنا للعمليات الفيزيولوجية العصبية المعقدة التي نصادفها بعد إصابات الدماغ الشديدة، وأن تقدم دليلًا جديدًا على أن دواء الأرق زولبيديم المسمى أيضًا أمبيين يمكن استخدامه في حالات الحبسة (متلازمة المنحبس) والحالات الإنباتية (vegetative).
قبل ثماني سنوات، عانى رجل يُدعى ريتشارد يبلغ من العمر 29 عامًا نقصًا حادًا في الأكسجين بعد اختناقه بقطعة من اللحم. ورغم ظهور علامات الشفاء عليه في البداية، فقد المريض القدرة على التحدث أو تناول الطعام مستقلًا أو التحرك عفويًا في النهاية نتيجة أذية دماغه، ومع ذلك رغم عدم استجابته في بعض النواحي، بدا مستيقظًا وواعيًا.
صرح الطبيب هيسي آرتنز مؤلف الدراسة الرئيسي ومقيم جراحة الأعصاب في مركز جامعة أمستردام الطبي لموقع آي إف إل ساينس: «تُسمى حالته بالخرس اللا حركي، وهي صورة سريرية نادرة إلى حد ما، يتمتع المصابون بها بمستوى وعي سليم، لكنهم يعانون عدم القدرة على الكلام أو التحرك عفويًا، والمريض دائمًا في حالة يقظة من اللا مبالاة والخمول العميقين، ويبدو غير مبال بالألم والعطش والجوع ولا يبدي أي مشاعر».
الآن بعد بلوغه السابعة والثلاثين، ظلت حالته مستقرةً مع غياب علامات التحسن حتى وافق أطباؤه وعائلته على تطبيق علاج تجريبي، إذ قرأت فيليمين فان إرب المتخصصة في رعاية المسنين في مركز رادبود الطبي دراسات حالة عديدة تقترح أن دواء الأرق الشائع قد يملك تأثيرًا إيجابيًا لدى المصابين باضطراب في الوعي.
الزولبيديم هو حبة نوم تباع أحيانًا باسم أمبيين في الولايات المتحدة، ووُصف لملايين الأشخاص المصابين بالأرق حول العالم، لكن ساءت سمعته لاحقًا إلى حد ما بسبب الآثار الجانبية الغريبة التي ترافقه أحيانًا، كمشاكل فقدان الذاكرة والتغيرات الغريبة في السلوك، لكنه في جوهره يثبط نشاطًا محددًا في الدماغ سامحًا للشخص أن يخلد في النوم.
وفقًا لدراسة الحالة، بدأ ريتشارد في التحدث عفويًا بعد عشرين دقيقة من تلقي الدواء، إذ منحته فان إرب جرعةً واحدة من الزولبيديم، واضطرت إلى المغادرة بعدها فورًا لحضور مريض آخر، وبنحو غير متوقع اتصلت بها ممرضة تخبرها أن لديها شخصًا مميزًا على الهاتف: كان ريتشارد يسألها عما يجري وعن السماح له بطلب بعض الوجبات السريعة!
يؤكد الطبيب آرنتس ذلك بقول: «كان المريض مستيقظًا وواعيًا حقًا».
تمكن ريتشارد أيضًا من المشي مسافةً قصيرة والاتصال بوالده الذي لم يسمع صوت ابنه منذ سنوات، وبقي على هذه الحال لأكثر من نصف ساعة قبل أن يعود إلى حالته المعتادة.
أعطى الفريق ريتشارد جرعات من الدواء في مناسبات عديدة، وكان رد فعله إيجابيًا كل مرة مع فترات من النشاط استمرت ساعتين، لكن لاحظ الفريق في النهاية “انخفاضًا حادًا في الفعالية” بعد تلقيه الدواء لعدة أيام متتالية، ما يوحي بأن تأثير الدواء يبدأ بالتلاشي عند تناوله بصورة متكررة.
لفهم آلية تأثير الدواء، عمد الباحثون إلى مسح دماغ المريض قبل تلقي الدواء وبعده، وأظهرت المسوحات نشاطًا مفرطًا في أجزاء معينة من الدماغ كان النوم قادرًا على تثبيطها، متيحًا بذلك المجال للكلام والحركة.
يوضح الطبيب آرتنس لموقع آي إف إل ساينس: «إذا شبهنا وظيفة دماغ ريتشارد بأوركسترا آلات وترية كبيرة، نستطيع القول إن آلات الكمان الأولى كانت تعزف بصوت عالٍ يغطي على باقي الآلات الموسيقية ويمنع الناس سماع بعضهم، لكن زولبيديم كان يضمن أن تعزف آلات الكمان بصوت أرق يتيح للجميع أن يعزفوا في الوقت المناسب. هذا هو الجزء الجميل من دراستنا حقًا، ويعود الفضل أيضًا لزملائي لينارد بون وكونرادو بوزمان».
أظهرت حالات عديدة أخرى أن الزولبيديم يملك قدرةً “خارقةً” على إيقاظ الناس مؤقتًا من اضطرابات الوعي، إذ بُلّغ عن الحالة الأولى عام 1999 لدى مريض في جنوب إفريقيا دخل في حالة غيبوبة لثلاث سنوات بعد أن صدمته شاحنة، وعند تلقيه جرعةً واحدة من الزولبيديم استيقظ وتمكن من التحدث لبضع ساعات، ومع مرور الوقت وتلقي المزيد من الجرعات تحسن إدراكه وتمكن في النهاية من البقاء مستيقظًا دون الزولبيديم. بُلّغ أيضًا عن حالات مماثلة أخرى في بقاع أخرى من العالم منذ ذلك الحين.
بحثت مراجعة منهجية عام 2017 في قدرة الزولبيديم على علاج حالات أخرى متعلقة بالوعي غير الأرق، لكنها خلصت إلى الإذعان بالحاجة إلى المزيد من البحث، ومع ذلك، تبين دراسة الحالة هذه أن هذا الدواء قد يكون قادرًا على علاج بعض الاضطرابات العصبية ويستحق المزيد من الدراسة.
اقرأ أيضًا:
لماذا يتكلم البعض أثناء نومهم؟
ما العلاقة بين قلة النوم والاكتئاب؟ هذه المنطقة الدماغية قد تفسرها
الأرق .. الحبوب المنومة وآثارها على الجسم
ترجمة: رضوان مرعي
تدقيق: نغم رابي
مراجعة: آية فحماوي
