تفید دراسة جديدة باحتمالية تكون المادة المظلمة من ثقوب سوداء قديمة، وھي إعادة استكشاف لنظرية قديمة عادت أخيرًا إلى الواجهة. إذ قد تشیر الملاحظات التي سیجریھا تلسكوب جيمس ویب الفضائي، الذي أطلقته ناسا حديثًا، إلى أن العديد من الثقوب السوداء تشكلت في أثناء ولادة الكون، وقد تفسر ھذه الملاحظات تأثيرات الجاذبية للمادة المظلمة.
تفسر العدید من أبحاث فیزیاء الجسیمات المادة المظلمة بأنھا جسیمات ضخمة ثقيلة ضعيفة التفاعل وبطیئة الحركة، تسحب المادة العادیة بواسطة جاذبيتها. لكن لم يكن ھذا التفسیر متوافقًا تمامًا مع البیانات التجریبیة الحدیثة. یقول بنجامین لیمان الفیزیائي في جامعة سانتا كروز، الذي یدرس المادة المظلمة وفیزیاء الجسیمات: «كان مجتمع فیزیاء الجسیمات حریصًا على البحث عن تفسیرات أخرى للمادة المظلمة، تتضمن إعادة النظر في النظریات السابقة، لإدراجھا في الدراسات الجدیدة».
في أوائل سبعينيات القرن الماضي، افترض ستیفن ھوكینج أن المناطق شدیدة الكثافة مرتفعة الحرارة عالية الضغط، قد ساهمت في تكوین الثقوب السوداء الأولى في بدایة الكون، التي عُرفت بالثقوب السوداء البدئیة. يعتمد تكون الثقوب السوداء البدئية على حقیقة أساسیة: أن البنية الواسعة النطاق للكون هي نتاج تقلبات صغیرة حدثت بعد لحظات من الانفجار العظیم.
یقول الباحث الرئيس للدراسة جونتر ھاسینجر، مدیر قسم العلوم في وكالة الفضاء الأوروبیة: «وفقًا لھوكینج، قد تبلغ التقلبات في ھذه المناطق كثافةً حرجة، تمهد لتحولها إلى ثقوب سوداء، لكن الحرارة الشديدة المحیطة بھا لن تسمح لھا بالانھیار فورًا، وإنما عند توسع الكون وبرودته إلى درجة كافية للسماح بذلك».
أي إن الانهيار يحدث عند التحام الجسيمات الأولية المسماة الكواركات لتكوّن البروتونات، وذلك عندما بلغ عمر الكون أجزاءً من الثانية فقط.
بحث الفریق احتمال أن نشأة كوننا الذي نراه الیوم تفسرها نظریة جديدة لعلم الكونیات، هي الثقوب السوداء البدئية.
یقول نیكو كابیلوتي، عالم الفیزیاء الفلكیة بجامعة میامي: «وجدت الدراسة أن كونًا يحتوي ثقوبًا سوداء بدئية، تعمل بوصفها مادة مظلمة، قد يبدو قریبًا جدًا من كوننا».
یقول لیمان: «الثقوب السوداء البدئية والمادة المظلمة لا يتعارضان، بل إن الثقوب السوداء البدئیة هي من الصور المحتملة للمادة المظلمة. لقد وجدنا عددًا هائلًا من الألغاز العلمیة التي یمكن اختبارھا بواسطة ھذه الدراسة».
توصل الفریق إلى أن النجوم تكونت بعد نحو 50 ملیون سنة من ولادة الكون، بخلاف التوقعات السابقة للنموذج القياسي التي تقدر بـ 300 ملیون سنة، ويمكن حل هذا الاختلاف بإلقاء نظرة فاحصة على النجوم القديمة والبعيدة في الكون، وفقًا لكابیلوتي.
صُمم تلسكوب جیمس ویب -الذي قد يمثل حلقة الوصل بين فرضية هوكينغ والمادة المظلمة- لفحص الإشارات القادمة من أكثر من 13.5 مليار سنة. بالعودة إلى فرضية ھوكینج حول الثقوب السوداء البدئیة، لم یكن لدى الباحثین تصور دقيق للحجم، یقول ھاسنجر: «اعتقدنا سابقًا أن الثقوب السوداء صغیرة جدًا، لذلك بحث العلماء عن أشعة غاما التي تنتجھا هذه الثقوب الصغیرة، وعندما لم نعثر عليها، نُحيت الفكرة جانبًا لعقود».
«أدرك العلماء لاحقًا أن الثقوب السوداء البدئیة قد توجد ضمن نطاق واسع من الأحجام، تتضمن الثقوب الضخمة جدًا، واكتسبت فكرة الثقوب البدئیة أیضًا قدرًا كبیرًا من الاهتمام بعد اكتشافات موجات الجاذبیة الأولى، التي أظھرت ثقوبًا سوداء أثقل مما توقعه علماء الفلك».
یقول كابیلوتي: «لا يزال لدى العلماء إلى اليوم، حتى مع أفضل التلسكوبات، فجوة كبیرة في معرفتھم بالكون المبكر».
بوسع علماء الفلك مراقبة آخر 13 ملیار سنة من تاریخ الكون، لكن عمر الكون تقريبًا 14 ملیار سنة، وتلك السنوات المفقودة تتضمن الكثير من الأسئلة التي لم يُجب عنھا، مثلًا، كیف انتھى بنا المطاف مع مثل ھذه الثقوب السوداء الضخمة التي تبلغ كتلتها مليارات ضعف كتلة الشمس، لا يفسر فهمنا الحالي للفيزياء تكوّن ھذه الثقوب السوداء الضخمة.
يأمل ھاسنجر رؤية النجوم الموجودة في المنطقة المظلمة من الفضاء التي تسمى «الحقل العميق» بواسطة تلسكوب جیمس ویب، إذ رصد تلسكوب ھابل الفضائي فيها عددًا كبیرًا من أقدم المجرات التي رُصدت للمرة الأولى، ومن المحتمل أن یحدث ھذا في غضون أشھر بعد بدء تشغیل المرصد.
یضیف كابیلوتي: «سیفتح جیمس ویب لنا آفاقًا جديدةً على حقبة بعیدة من الزمن، وقد يكون اكتشاف العديد من المجرات البدئية غير المتوقعة مؤشرًا جيدًا إلى وجود الثقوب السوداء البدئية، وقد نكتشف ظواهر فلكية يفسرها وجود موجات الجاذبية من ثقب أسود بدئي».
قد يكون جيمس ويب قادرًا على اختبار هذه الدراسة، ما يجعله مثيرًا للاهتمام لكن في الوقت ذاته لن يحسم تمامًا فكرة تكوّن المادة المظلمة من ثقوب سوداء بدئية، وفقًا لليمان.
يقول هاسنجر: «لا يحاول العلماء عادةً إثبات صحة نظرياتهم، بل على العكس، يحاولون دحضها وإسقاطها، فكلما فشلوا في إحداث ثغرة في نظرية ما، أصبحت أكثر صلابة، وإذا لم يتمكنوا من دحض النظرية فستستمر حتى الجيل التالي من التجارب والاكتشافات».
سواء سقطت نظریة الفریق أم لا، ستمثل الملاحظات المرتبطة بها علامة فارقة في البحث عن الثقوب السوداء البدئیة. یقول هاسنجر: «إذا تابع العلماء أدق ملاحظات جیمس ویب دون أن یلحظوا أي اختلاف عن النموذج القياسي، عندئذ سنكون في مأزق».
اقرأ أيضًا:
20 ساعة فقط قد تكفي مرصد جيمس ويب للعثور على كائنات فضائية
كيف سيغير تلسكوب(مقراب) جيمس ويب الفضائي نظرتنا للكون؟
ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب
تدقيق: يمام بالوش