بدأت مجاعة البطاطا الأيرلندية، المعروفة أيضًا باسم الجوع الكبير، سنة 1845 عندما انتشر كائن شبيه بالفطريات يُسمى «اللفحة المتأخرة» (Phytophthora infestans) بسرعة في جميع أنحاء أيرلندا. دمّر هذا المرض نحو نصف محصول البطاطا ذلك العام، ونحو ثلاثة أرباع المحصول خلال السنوات السبع التالية.
نظرًا إلى اعتماد المزارعين المستأجرين في أيرلندا -التي كانت مستعمرةً بريطانية آنذاك- على البطاطا مصدرًا رئيسيًا للغذاء، كان للإصابة تأثير كارثي في أيرلندا وسكانها، وقبل انتهاء المجاعة عام 1852، أدت إلى وفاة قرابة مليون أيرلندي بفعل الجوع وأسباب مرتبطة به، وأُجبر ما لا يقل عن مليون آخرين على النزوح عن بلادهم.
أيرلندا القرن التاسع عشر:
مع إقرار مرسوم الاتحاد عام 1801، أصبحت أيرلندا فعليًا مستعمرةً لبريطانيا العظمى حتى حرب الاستقلال في أوائل القرن العشرين. وعُرفت الدولة حينها باسم المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا.
لهذا عينت الحكومة البريطانية رؤساء تنفيذيين للولايات الأيرلندية، الذين عُرفوا تواليًا باسم اللورد الملازم والأمين العام لأيرلندا. لكن كان لسكان جزيرة «إميرالد» حق انتخاب ممثلين عنهم في البرلمان في لندن.
حصيلةً كليّة، أرسلت أيرلندا 105 نوّاب إلى مجلس العموم -مجلس نواب البرلمان- و28 من النبلاء -ملاك الأراضي- إلى مجلس اللوردات أو مجلس الشيوخ.
ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن أكثر هؤلاء الممثلين المنتخبين كانوا من ملاك الأراضي من أصول بريطانية. إضافةً إلى منع أي إيرلندي يعتنق الكاثوليكية -وهي ديانة أغلب سكان أيرلندا- من امتلاك الأراضي أو تأجيرها أو التصويت أو شغل منصب منتخب بموجب القانون.
ومع أن هذا القانون نُقض بأغلبية كبيرة عام 1829، ظل تأثيره في المجتمع الأيرلندي قائمًا وقت بداية مجاعة البطاطا. فامتلكت العائلات الإنجليزية والإنجليزية-الأيرلندية معظم الأراضي، ورُحل معظم الأيرلنديين الكاثوليك للعمل مزارعين مستأجرين وأجبروا على دفع الإيجار لأصحاب الأراضي.
من الغريب، أنه قبل أقل من 100 عام من بداية المجاعة، أدخلت طبقة النبلاء البطاطا إلى أيرلندا. ورغم وجود نوع واحد من البطاطا في أيرلندا -يُسمى «أيرش لامبر»- فإنها سرعان ما أصبحت طعامًا أساسيًا للفقراء، خاصةً في أشهر الشتاء البارد.
بداية المجاعة الكبرى:
عندما بدأ فشل المحاصيل سنة 1845، نتيجة لعدوى «اللفحة المتأخرة»، رفع القادة الأيرلنديون في دبلن عريضة للملكة فيكتوريا والبرلمان لاتخاذ إجراءات، بدايةً بإلغاء ما يسمى «قوانين الذرة» وتعريفتها الجمركية على الحبوب، التي جعلت طعامًا مثل الذرة والخبز باهظ الثمن.
لكن هذه التغييرات فشلت في معالجة الأضرار الناتجة من مشكلة آفة البطاطا المتزايدة.
ومع عدم قدرة العديد من المزارعين المستأجرين على إنتاج غذاء كافٍ لاستهلاكهم الخاص، وارتفاع تكاليف الإمدادات الأخرى، مات الآلاف بسبب الجوع، ومئات الآلاف بسبب الأمراض الناجمة عن سوء التغذية.
ومما زاد الأمر تعقيدًا، ما ذكره المؤرخون أن أيرلندا استمرت بتصدير كميات كبيرة من الطعام خلال الأزمة، بالمقام الأول إلى بريطانيا العظمى. بل إن بعض الصادرات قد زادت خلال تلك الفترة.
ففي عام 1847 فحسب، تشير السجلات إلى استمرار تصدير سلع مثل البازلاء والفاصوليا والأرانب والأسماك والعسل من أيرلندا، حتى بعد تفشي المجاعة في الريف.
لم تتعاف محاصيل البطاطا بالكامل حتى عام 1852، ووقتها كان الضرر قد وقع، ورغم اختلاف التقديرات، يُعتقد أن نحو مليون رجل وامرأة وطفل أيرلنديين لقوا حتفهم خلال المجاعة، وهاجر مليون آخرون من البلاد هربًا من الفقر والمجاعة متوجهين إلى أمريكا الشمالية وبريطانيا.
إرث مجاعة البطاطا:
إن الدور الدقيق للحكومة البريطانية في مجاعة البطاطا وعواقبها -سواء أكان تجاهلًا لمحنة فقراء أيرلندا بدافع الحقد، أم كان تقاعسًا جماعيًا ورد فعل غير ملائم بسبب انعدام الكفاءة- ما يزال قيد المناقشة.
على أي حال، فإن أهمية مجاعة البطاطا في تاريخ أيرلندا ودورها في الشتات الأيرلندي في القرنين التاسع عشر والعشرين أمر مؤكد.
أصدر توني بلير، خلال فترة توليه منصب رئيس وزراء بريطانيا، بيانًا سنة 1997 يعتذر فيه رسميًا لأيرلندا عن طريقة تعامل حكومة المملكة المتحدة مع الأزمة آنذاك.
النصب التذكاري للمجاعة الأيرلندية:
في السنوات الماضية، بعد عقود من المجاعة، أحيت المدن التي هاجر إليها الأيرلنديون واستقروا فيها خلال المجاعة، ذكرى الأرواح التي فُقدت. وذلك في كل من بوسطن ونيويورك وفيلادلفيا وفينيكس في الولايات المتحدة، ومونتريال وتورنتو في كندا، إذ وُضعت نصب تذكارية للمجاعة الأيرلندية، وكذلك في مدن مختلفة في أيرلندا وأستراليا وبريطانيا.
ووضع فريق سيلتك الاسكتلندي رقعةً تذكارية على لباس الفريق -كان آخرها في 30 سبتمبر 2017- تكريمًا لذكرى ضحايا المجاعة.
أُنشئ متحف الجوع الكبير في جامعة كوينيبياك في مدينة هامدين- كونيكتيكت مصدرًا لمن يبحثون عن معلومات حول مجاعة البطاطا وتأثيرها، وكذلك للباحثين الذين يريدون التعرف على الحدث وعواقبه.
اقرأ أيضًا:
الجوع، بما يشعر أكثر من مليار شخص في عالمنا؟
الطاعون أو الموت الأسود : ما هو، وهل اختفى حقًا؟
ترجمة: وراد الحمادة
تدقيق: أكرم محيي الدين