يُقال إن مثلث برمودا، هو امتداد غامض للمحيط بين “برمودا” و”بورتوريكو” و”رأس فلوريدا”، حيث كان يبتلع على مر السنين حشدًا من السّفن والطّائرات والبشر الجاهلين وغير المدركين لخطره.
وقد قيلت العديد من الحكايات عن الاختفاءات: الفضائيون أسروا البشر من أجل القيام بأبحاث.
بعض العواصف الجيومغناطيسية أربكت أنظمة الملاحة للطيارين.
القارة المفقودة “أطْلَنْتِس” سحبت السّفن إلى قبضتها بقوة غامضة وغير معروفة.
والأفضل من ذلك، أنَّ دوامات قويّة التهمت الضحايا مباشرة وقامت بنقلهم إلى بعد آخر.
لكن أشار العلماء على مر السنين إلى أن هنالك تفسيرات معقولة لحدوث الاختفاءات، وأن مخاطر السّفر عبر مثلث برمودا لا تختلف عن أي بقعٍ أخرى في المحيط.
لقد تنفست حياة جديدة في نظرية واحدة من هذا القبيل (أو بمعنى أنه: يوجد نظرية واحدة قد أخذت بُعدًا جديدًا كما يلي): من الممكن بسهولة التّغلب على السفن بواسطة موجات مارقة عملاقة وغير متوقعة.
هذه الفرضية ليست جديدة، لكن مجموعة من علماء المملكة المتحدة قد ناقشوا مؤخرًا الدّليل على الموجات المتطرفة ونظريات أخرى (من ضمنها دور الخطأ البشري) في سلسلة وثائقيّة من ثلاث حلقات “لغز مثلث برمودا”، أنتجتها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) للقناة الخامسة.
قال “سايمون بوكسال” – اختصاصي علم المحيطات في جامعة “ساوثهامبتون” وأحد العلماء في الفريق- لموقع “لايف ساينس”: «لا شك أن هذه المنطقة عرضة للموجات المتطرفة، ومن الممكن في أي مكان أن تحصل على عواصف متعددة مجتمعة مع بعضها البعض».
وفقًا للإدارة الوطنيّة للمحيطات والغلاف الجوي فإنَّ الموجات المتطرفة شديدة الانحدار وعالية، كـ “جدران من المياه”، وغالبًا ما تضرب بشكل غير متوقع، وفقًا لما قاله “بوكسال”: «على سبيل المثال، فإن رأس جنوب إفريقيا عرضة بشكل كبير لها، حيث تتجمع أمواج تتشكل من العواصف في المحيط الأطلسي الجنوبي والمحيط الهندي والمحيط الجنوبي معًا في آن واحد، وكان هنالك بالفعل حالات اختفاء مشابهة لسفن الحاويات الكبيرة وناقلات قُبالة رأس جنوب إفريقيا على مَرِّ السّنين».
وهذا ينطبق أيضًا على مثلث برمودا، حيث يمكن أن تأتي العواصف من جميع الاتجاهات، مثل المكسيك وخط الاستواء والشرق الأقصى للمحيط الأطلسي.
إذا استطاعت كل موجة أن يصل ارتفاعها لأكثر من 30 قدم -10 أمتار-، فيمكن من حين لآخر أن تتزامن هذه الأمواج في اللحظة المناسبة وتُنشئ موجة متطرفة يُمكن أن يصل ارتفاعها إلى 100 قدم -30 متر-.
قام المهندسون في جامعة “ساوثهامبتون” بإنجلترا ببناء بعض نماذج السّفن، من ضمنها واحدة من البواخر الأمريكية “سايكلوب”، وهي سفينة اختفت في مثلث برمودا عام 1918، وكان على متنها أكثر من 300 شخص.
«قاموا بمحاكاة أمواج متطرفة في حوض أمواج، ووجدوا أنَّ السّفن بالفعل قد تغرق بسرعة إذا ما ضربتها هذه الأمواج.
وأنّه كلما كانت السّفينة كبيرة كان من الصّعب بقاؤها عائمة.
كما أن السّفن الصّغيرة يُمكن أن تغرق بسببها ولكنها في بعض الأحيان تستطيع ركوب هذه الموجة إذا ما اصطدمت بها، أمّا السّفن الكبيرة مُصممة لتكون مُدعَّمة في المقدمة ضد قمة واحدة من الأمواج وفي المؤخرة ضد قمة أخرى حين تُضرب في نقطتين». هذا ما قاله “بوكسال”.
فقاعات غاز، تشوهات مغناطيسيّة… البشر هم بشر؟
قال “بوكسال”: «النّاس غالبًا ما تتحدث عن شذوذات مغناطيسيّة غريبة فوق مثلث برمودا»، وقال أيضًا «أنّه لا وجود لأيٍّ منها».
«هنالك شذوذات مغناطيسيّة في العالم لها علاقة بوشاح الأرض الذي يتحرك تحت القشرة الأرضيّة، لكن أقربها تبعد حوالي 1000 ميل -1600 كيلومتر- جنوبًا، قُبالة ساحل البرازيل؛ أي على مسافة بعيدة من مثلث برمودا».
«وهنالك نظرية أخرى تتعلق بفقاعات غاز الميثان المتفجِّر، التي من الممكن أن تطفو نحو سطح الماء -بسبب بعض الاضطرابات– وتتسبَّب في أن يكون الماء أقل كثافة من السّفينة؛ ما يؤدي إلى غرق السفينة. ومع ذلك، لم تتمكن أي تجربة حتى الآن من إثبات أن هذا ممكن» هذا ما قاله “بوكسال”.
«من الناحية النظرية يمكن حدوث ذلك، ولكن هنالك الكثير من الأماكن في العالم حيث يمكن أن يحدث هذا، وليس فقط في مثلث برمودا» قال “بوكسال”.
بدلاً من ذلك، هو يعتقد أن السّبب الأكثر شيوعًا للاختفاءات الغامضة هو الخطأ البشري.
اختفاء مجموعة طائرات الرحلة 19 المشهور –خمس طائرات تابعة للبحرية الأمريكية اختفت خلال مهمة تدريبية عام 1945– هو الذي قاد أحد الصحفيين في عام 1964 إلى منح المنطقة اسمها الحالي، ربما حدث ذلك لأن الطاقم ضل الطريق والوقود قد نفذ، حسب اعتقاد “بوكسال”.
يقول بوكسال: «حوالي ثلث سفن المحيط المسجلة والمملوكة للقطاع الخاص في الولايات المتحدة الأمريكية موجودة في ولايات وجزر منطقة مثلث برمودا»، كما أضاف إلى أنه وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عام 2016 عن خفر السواحل، فإن 82% من الحوادث في هذه المنطقة في ذلك العام ضمت أشخاصًا لم يتلقوا أي تدريب رسمي أو خبرة للتواجد في البحر.
وفقاً لـ “بوكسال”: «إذن، إذا قمتَ بأخذ ثلث مجموع سكان القوارب في الولايات المتحدة، ووضعتهم في مثلث برمودا، فإن ما سيحدث هو اختفاء غامض، أنت لست بحاجة إلى أي ترخيص أو معدات محددة مثل أجهزة الراديو أو خرائط الملاحة لنقل القارب إلى البحر».
«في عدد من المرات، أثناء العمل في البحر، لقد صادفنا أشخاصًا يبحرون باستخدام خريطة طريق، حيث يعتمدون على هواتفهم المحمولة كوسائل للاتصال، والاكتشاف… فما سيحدث هو أنهم سيصلون إلى 30 ميلًا بعيدًا عن الشاطئ ومن ثمَّ سيفقدون الإشارة».
بالإضافة إلى ذلك، “يُمكن أن تفسِّر الاعتبارات البيئية الكثير من حالات الاختفاء، إن لم يكن معظمها”، كما كتبت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي-NOAA على موقعها الإلكتروني.
“المحيط كان دائمًا مكانًا غامضًا بالنّسبة للبشر، وعندما يكون الطقس أو الملاحة سيئين، فإنه من الممكن أن يكون مكانًا مميتًا للغاية”.
وتقول NOAA أيضًا أنّ المنطقة قد تكون عرضة للحوادث بسبب تيار الخليج، وهو تيار محيطي قوي وسريع يُمكن أن يتسبب في “تغييرات سريعة وعنيفة أحيانًا في الطقس”، والمياه الضحلة حول جزر الكاريبي يمكن أن تكون قاتلة للسفن.
«يمكنك تمديد مثلث برمودا إلى مناطق أكبر… ما ستجده هو أن مثلث برمودا يُغطِّي الكرة الأرضية بأكملها» هذا ما قاله “بوكسال”.
«الأمواج المارقة يمكن أن تضرب الكثير من الأماكن المختلفة، وفقاعات الميثان يمكن أن تضرب الكثير من الأماكن المختلفة، وأينما يكون هنالك حشد عظيم من الهواة دون أي خبرة، فإنك ستحصل على أعداد كبيرة من حالات الاختفاءات الغامضة».
ولكن كما تعلمون، ربما يكون الفضائيون قاموا بأسر البشر الجاهلين وغير المدركين للخطر باستخدام الدّوامات التي تقود مباشرة إلى مختبراتهم التي أقاموها في مدينة “أطْلَنْتِس” الضائعة.
- ترجمة: ليلى خالد
- تدقيق: براءة ذويب
- تحرير: كنان مرعي
- المصدر