متى تكونت المجرات أو متى بدأت المجرات بالتكون في الكون بعد الانفجار العظيم ؟ – باستخدام العنقود المجري (Abell 383) في الوسط بصفته عدسةً جاذبيةً، حدد علماء الفلك مجرة بعيدةً جدًا يمكن أن نراها كما كانت بعد (950) مليون عام من الانفجار العظيم، إنها مرئية مثل نقطتين صغيرتين على كلا جانبي (Abell 383)، وعادة ما تُشوه الصورة بشدة وتُضاعف (multiply imaged) للأجسام البعيدة التي تُرى من خلال عدسات الجاذبية.
تُشير دراسة جديدة إلى أن المجرات الأولى قد تكونت باكرًا على عكس ما كنا نعتقد؛ أي فقط بعد مرور 200 مليون سنة تقريبًا على ولادة الكون.
باستخدام العديد من التلسكوبات المختلفة، اكتشف علماء الفلك مجرةً بعيدةً يبدو أن نجومَها قد تشكلت بعد 200 مليون سنة من الانفجار العظيم ، الحدث المتفجر الذي أوصل الكون إلى كينونته.
وهذا قبل حوالي 300 مليون سنة من أقدم المجرات المعروفة سابقًا، الكون ذاته يقدر عمره بـ 13.7 مليار سنة. وقال باحثون أن هذا الاكتشاف قد يجبر علماء الفلك على إعادة التفكير فيما يبدو أنهم يعرفونه عن الكون، وعن أيامه الأولى.
وقال الكاتب الرئيس للدراسة (جوهان ريتشارد – Johan Richard) من مركز ليون للأبحاث الفلكية بفرنسا – France’s Center of Astronomical Research of Lyon، في تصريح له: «هذا يتحدى النظريات التي تفيد بأنه كم كان مبكرًا تشكل المجرات وتطورها في السنوات الأولى من الكون، و يمكن أن يساعد في حل لغز كيفية إزالة الضباب الهيدروجيني الذي ملأ الكون المبكر».
مجرة بعيدة جدًا
قال الباحثون إن المجرة المكتشفة حديثًا ليست أبعد مجرة اكتشفت حتى الآن؛ فقد رصدت العديد من المجرات ذات النجوم الأصغر عمرًا من مسافات أبعد. رصد ريتشارد وفريقه المجرة الجديدة بواسطة جهازين من ناسا: (تلسكوب الفضاء هابل – Hubble Space Telescope) و(تلسكوب الفضاء سبيتزر – Spitzer Space Telescope).
اكتشفوا المجرة خلال العنقود المجري (Abell 383)، الذي يحني أشعة الضوء بجاذبيته القوية مثلما تحني العدسة المكبرة أشعة الضوء، وقد أدى اصطفاف المجرة المكتشفة حديثًا مع (Abell 383) وكوكب الأرض إلى تضخيم ضوء تلك المجرة، الأمر الذي أتاح للباحثين إجراء مشاهدات مفصلة.
وقال الكاتب المشارك في الدراسة (إيتشي إيجامي – Eiichi Egami) من جامعة أريزونا – University of Arizona: «لولا هذه العدسة الكبيرة في الفضاء، لما استطعنا دراسة مثل هذه المجرات الخافتة بمنشآت الرصد المتاحة حاليًا، لكن وبفضل الطبيعة، لدينا هذه الفرصة العظيمة لرؤية كوننا كما كان منذ عصور».
بعد ذلك، حلل الفريق ضوء المجرة، وحددوا انزياحه للأحمر باستخدام المقراب (Keck-2) في هاواي. (الانزياح للأحمر- Redshift) هو: قياس المسافة التي ابتعد بها جسم ما عن الأرض مع توسع الفضاء، من خلال مشاهدات استطالة ضوء الجسم إلى أطوال موجية أطول أو (أكثر احمرارًا).
ينزاح ضوء الأجسام التي تتحرك مبتعدة عنا إلى الطرف الأحمر للطيف بينما تستطيل أطواله الموجية، وأحد أمثلة حدوث هذا الانزياح، والمعروف باسم (ظاهرة دوبلر – Doppler phenomenon) على الأرض، هو عندما تتغير نغمة الموجات الصوتية لسيارة الإسعاف حين تتحرك تجاهك، مقارنةً مع تحركها بعيدًا عنك.
يستخدم علماء الفلك قياسات الانزياح للأحمر لتحديد بُعْد جسم ما، وتحديد عمره من خلال قياس التوسع، وكلما زاد الانزياح نحو الأحمر، زاد بعد الجسم عنا.
أُولى المجرات في الكون
تبين أن الانزياح للأحمر للمجرة الجديدة يبلغ 6.027، ما يشير إلى أن علماء الفلك يرون تلك المجرة كما كانت تبدو عندما كان عمر الكون حوالي 950 مليون سنة. وعلى أي حال، يبدو أن عمر النجوم في المجرة 750 مليون عام على الأقل، ما يعني أنه يجب أن تكون قد تشكلت بعد 200 مليون سنة تقريبًا من الانفجار العظيم، وهذا مبكر أكثر ببضعة مئات ملايين السنين مما اعتقده الفلكيون بأنه أول نشوء لمجرة، وقد كشفت دراسات أخرى عن مجرات بعيدة ونائية يبدو أنها تشكلت بعد حوالي 500 مليون سنة من ولادة الكون.
يقول الكاتب المشارك (دان ستارك – Dan Stark) من (جامعة كامبريدج – University of Cambridge) بالمملكة المتحدة: «يؤكد عملنا بعض عمليات الرصد السابقة التي أشارت إلى وجود نجوم قديمة في المجرات المبكرة، وهذا يقود إلى أن المجرات الأولى كانت موجودة منذ زمن أبعد بكثير مما كان يعتقد سابقًا».
سينشر ريتشارد وفريقه نتائجهم في العدد القادم من Monthly Notices للجمعية الفلكية الملكية – Royal Astronomical Society.
تفسير للكون المبكر
قال الباحثون إن هذا الاكتشاف له تبعات تتجاوز مسألة تحديد وقت تكون أولى المجرات، فعلى سبيل المثال، قد يساعد هذا الاكتشاف في تفسير كيف أصبح الكون متأينًا مجددًا (reionized) بعد الانفجار العظيم .
بعد حوالي 300000 عام من الانفجار العظيم، كان الهيدروجين في الكون محايدًا؛ أي أنه لا يحمل أي شحنة، لكن وعلى مدار المليار سنة التالية، أصدر شيء ما إشعاعات كافية لتأيين معظم هذا الهيدروجين، وتقسيمه إلى الإلكترونات والبروتونات المكونة له، جعلت عملية إعادة التأيين هذه الهيدروجين شفافًا للضوء فوق البنفسجي؛ الأمر الذي أزال ضباب الكون المبكر.
شك علماء الفلك في أن الإشعاع الذي أتى بعملية إعادة التأيين يجب أن يكون مصدره المجرات، لكن الباحثين لم يجدوا ما يكفي من المجرات القديمة والبعيدة المرشحة لتوفير الإشعاع اللازم، وقالوا إن الدراسة الجديدة قد تساعد في حل هذا اللغز.
وقال الكاتب المشارك (جون باول نيب – Jean-Paul Kneib) من مختبر مارسيليا للفيزياء الفلكية – Laboratoire d’Astrophysique de Marseille في فرنسا: «يبدو أنه من المحتمل أن يكون هناك عدد أكبر بالفعل من المجرات في الكون المبكر أكثر مما توقعنا سابقًا، والسبب أن العديد من المجرات أكبر عمرًا وأكثر خفوتًا، مثل تلك التي اكتشفناها للتو».
اعتبارًا من اليوم، يمكننا اكتشاف هذه المجرات فقط بمشاهدتها من خلال عناقيد مجرية هائلة تعمل كالمقارب كونية، مثل العنقود المجري (Abell 383)، وفي نهاية الأمر، سيتخصص مقراب الجيل القادم من ناسا وهو (تلسكوب جيمس ويب الفضائي – James Webb Space Telescope) في عمليات الرصد عالية الدقة للأجسام البعيدة شديدة الانزياح نحو الأحمر.
قال الباحثون إن مقراب الفضاء جيمس ويب، وهو مرصد فضائي يعمل بالأشعة تحت الحمراء، من المقرر ألا يُطَلق قبل خريف 2015م، ويمكن أن يساعد في حل هذا اللغز وغيره من الألغاز الكونية.
اقرأ أيضًا
يبدو أن جميع المجرات في الكون تشترك بصفة مدهشة واحدة، فما هي؟
ثقبت الثقوب السوداء، المجرات المطلمة وسمحت للضوء بالعبور اليها، فما الذي يضيء الكون؟
كون زاخر بالمجرات
الرقصة الكونية الأخيرة: عندما تتصادم المجرات
ترجمة رولان جعفر – تدقيق أسماء العجوري