متوالية فيبوناتشي والطبيعة
فيبوناتشي واحد من أهم الأسماء في عالم الرياضيات وذلك يعتبر مفاجئًا بالنسبة لليوناردو بيزانو وهو الرياضي الذي نعرفه بهذا الاسم ومفاجئًا أيضًا بنفس القدر أنه قد تم تخليده من خلال السلسلة 13،8،5،3،2،1،1،0 والتي تعتبر أعظم اكتشاف رياضي له حيث ساعدت في نشر نظام أرقامنا الحديث في العالم النّاطق باللاتينيّة.
ممّا تركته الإمبراطورية الرومانية في أوروبا نظام العدّ الرُّوماني الّذي لايزال قائمًا حتى الآن حيث يستخدم في بعض الأماكن مثل ملاحظات حقوق النشر بعد فيلم أو برنامج تلفزيوني (مثلا 2013 MMXIII) والأعداد الرومانية لم تُستَبدَل حتى منتصف القرن الثالث عشر وكان كتاب ليوناردو بيزانو (كتاب الحسابات – Liber Abaci) من أهم الكتب الغربية التي وصفت هذا الاستبدال النهائي.
ولد ليوناردو في بيزا-إيطاليا في أواخر القرن الثاني عشر، بيزانو بالإيطالية تشير إلى أنه ولد في بيزا. بالطريقة نفسها التي تشير فيها مانكونيان إلى أنني ولدت في مانشستر وكان والده تاجرًا وبسبب اسم والده غوغليلمو بوناتشيو أصبح معروفا باسم فيبوناتشي، وبعد عدة قرون عندما كان الباحثون يدرسون النسخ المكتوبة بخط اليد من كتاب Liber Abaci (إذ أنه نُشر قبل اختراع الآلة الكتابة) أساؤوا فهم جزء من العنوان (فيليوس بوناتشيو) بمعنى ابن بوناتشيو كاسمه المتوسّط وبذلك أصبح فيبوناتشي.
فيبوناتشي (كما سندعوه من الآن وصاعدًا) أمضى طفولته في شمال أفريقيا حيث كان يعمل والده ضابط جمارك وتلقى تعليمه على يد عائلة مور وكان يسافر بشكل واسع في الجزائر، وتم إرساله في رحلة عمل إلى مصر وسوريا واليونان وصقلية ومدينة بروفنس الفرنسية، وفي عام 1200 عاد إلى بيزا واستثمر المعرفة التي حصل عليها من أسفاره في كتابة Liber Abaci (نُشر في عام 1202) إذ عرّف من خلاله العالم الناطق باللاتينية إلى نظام العد العشري.
الفصل الأول من الجزء الأول يبدأ كما يلي:
هذه هي الأرقام الهندية التسعة: 9،8،7،6،5،4،3،2،1 مع هذه التسعة أرقام ومع هذه الإشارة 0 والتي تسمى باللغة العربية zephirum يمكن كتابة أي رقم كما سيتم شرحه فيما يلي.
في ذلك الوقت كانت إيطاليا مكونة من مدن ومناطق صغيرة مستقلة وقد أدّى ذلك إلى استخدام عدّة أوزان وعدّة أنظمة للمال وكان التجار يضطرون أن يحولوا من نظام إلى آخر عندما كانوا يتاجرون باستخدام هذه الأنظمة، وقد كتب فيبوناتشي كتابه لهؤلاء التجار مليئًا بالمشاكل العملية والأمثلة المحلولة يشرح فيها بساطة الحسابات الرياضية والتجارية باستخدام نظام الأرقام الجديد مقارنةً بالأرقام الرومانية غير العمليّة، لأن تأثير كتاب فيبوناتشي في بداية انتشار الأرقام العشرية كان إنجازه الرياضيّ العظيم، وبكل الأحوال، إنّ أكثر ما يتم تذكر فيبوناتشي به هو سلسلة من الأرقام ظهرت كمثال في كتابه.
مسألة الأرانب:
أحد المسائل التي بحثها فيبوناتشي في كتابه كانت حول سرعة تكاثر الأرانب في الظروف المثالية، لنفترض أن لدينا زوجًا من الأرانب حديثي الولاده ذكر وأنثى نضعها في حقل.
الأرانب قادرة على التزاوج في عمر الشهر وبالتالي فالأنثى في نهاية شهرها الثاني يمكن أن تلد زوجًا آخر ولنفترض أنّ الأرانب التي لدينا لا تموت وأن الأُنثى لدينا تلد زوجًا جديدًا كلّ شهر (ذكر وأنثى) بدءًا من الشهر الثاني وصاعدًا، السؤال الذي طرحه فيبوناتشي هو كم زوجًا سيكون لدينا بعد عام؟
- في نهاية الشهر الأول يتزاوجان لكن مازال هناك زوج واحد فقط.
- في نهاية الشهر الثاني الأنثى تلد زوجا جديدا وبالتالي يكون لدينا زوجان من الأرانب الآن.
- في نهاية الشهر الثالث تلد الأنثى الأم زوجًا آخر ليصبح لدينا بالمجمل ثلاثة أزواج.
- في نهاية الشهر الرابع تلد الأنثى الأم زوجًا جديدًا والأنثى التي وُلدت منذ شهرين تلد زوجها الأوّل أيضا ليكون لدينا خمسة أزواج.
لنتخيل الآن أن لدينا Xn زوج من الأرانب بعد n شهر فإن عدد الأزواج في الشهر n+1 سيكون Xn (في هذه المسألة الأرانب لا تموت) بالإضافة إلى الأزواج الجديدة التي ستولد ولكن الأزواج التي ستلد هي فقط الأزواج التي عمرها شهر على الأقل وبالتالي سيكون لدينا على الأقل X(n-1) زوج وبالتّالي لدينا:
X(n+1)=Xn+X(n-1)
والتي هي ببساطة القاعدة الأساسية لتوليد أرقام فيبوناتشي: أضف آخر رقمين لتحصل على الرقم التالي وبمتابعة ذلك ستجد أنه بعد 12 شهرًا (سنة) سيكون لديك 233 زوج من الأرانب.
النحل أفضل:
مسألة الأرانب كما تم توضيحها مُخططة جدًا لكن سلسلة فيبوناتشي تحدث فعلًا للتعداد السكّاني ونحل العسل يعتبر مثالًا جيدًا.
في مستعمرات النحل يوجد أنثى واحدة مميزة فقط تسمى بالملكة والإناث الباقيات هنّ عاملات فقط وعلى عكس النحلة الملكة لا ينتجن بيضًا، وذكور النحل لا تقوم بأي عمل وتسمى بالنحل الكسول.
تتم ولادة ذكور النحل من البيوض غير الملقحة ولذلك فإن الذكور لها أم ولكن ليس لها أب، وكل الإناث تتم ولادتها عندما تتناسل الملكة مع ذكر وبالتالي يكون لها أب وأم.
الإناث غالبًا ينتهي الأمر بها عاملات، ولكن بعضها الآخر يتغذى بمادة خاصة تسمى الهلام الملكي والذي سيجعلها تتمايز إلى ملكات جاهزة تنطلق لبدء مستعمرة جديدة عندما تشكل أسرابًا وتغادر منزلها(الخليّة) باحثةً عن مكان جديد لبناء عشّ جديد ولذلك إناث النحل لديها أب وأم أما الذكور فلديها أم فقط.
لنلقي نظرة على شجرة العائلة لذكر النحل:
لديه أم فقط.
لديه جدّان بما أن أمه كان لديها أب وأم أيضًا.لديه ثلاثة آباء لأجداده حيث جدته لديها أب وأم وجده لديه أم فقط.
كم لديه جد لأجداده؟
مجددًا نرى أرقام فيبوناتشي:
الحلزون والصدف:
التجمعات السكانية للنحل ليست المكان الوحيد الذي تحدث فيه أرقام فيبوناتشي فإنها تظهر أيضًا في الأشكال الجميلة للصدف ولتبيان ذلك لنبني صورة بدءًا من مربعين صغيرين بحجم 1 إلى جانب بعضهما البعض، وفي نهايتهما من الأعلى نرسم مربعًا بحجم 2(1+1) والآن نستطيع أن نرسم مربعًا يلامس المربعين المتحدين والمربع الأخير من الجانب الثاني وبالتالي يصبح لدينا ضلع طوله ثلاثة وحدات ثم نرسم مربعًا يلمس المربعين الثاني والثالث (والذي لديه ضلع بطول 5 وحدات)، ويمكننا أن نستمر بإضافة المربعات في الصورة وكل مربع جديد لديه ضلع بطول ضلعي المربعين السابقين.
هذه المجموعة من المستطيلات والتي أطوال أضلاعها عبارة عن رقمي فيبوناتشي متتاليين والتي تتألف من مجموعة مربعات أطوال أضلاعها تشكل أرقام فيبوناتشي سنسميها مستطيلات فيبوناتشي.
إذا رسمنا الآن ربع دائرة في كل مربع نستطيع أن نشكّل حلزونًا، الحلزون ليس شكلًا حلزونيًا رياضيًا صحيحًا (بما أنه مصنوع من قطع هي أجزاء من دوائر لا ينقص حجمها) ولكنه تقريب جيد للحلزون الذي لا يظهر كثيرًا في الطبيعة، وهذا النوع من الأشكال الحلزونية يمكن رؤيتها كما في صدف الحلزون وأصداف البحر.
الصّورة في الأسفل لمقطعٍ عرضيّ لصدفة حيوان النُّوتر توضح التقوّس الحلزوني للصدفة والحُجر الداخلية التي يستخدمها الحيوان أثناء نموه وهذه الحجرات تجعل الحيوان قابلًا للطفو في الماء.
أرقام فيبوناتشي تظهر أيضًا في النباتات والأزهار، حيث أن بعض أفرع الأشجار تنمو بطريقة تعتمد على أرقام فيبوناتشي في نقاط النمو، والأزهار بشكل عام تعتمد بتلاتها أيضًا على أرقام فيبوناتشي والأقحوان مثلًا يمكن أن يصل عدد بتلاتها إلى 34 أو 55 و89 أيضًا.
وبشكل خاص ورائع تظهر أرقام فيبوناتشي في الأشكال الحلزونية في رؤوس البذور. وفي المرة القادمة التي ترى فيها زهرة دوار الشمس انظر إلى ترتيب البذور في المركز فهي تظهر حلزونية إلى الخارج يمينًا ويسارًا.
على حافة هذه الصورة لزهرة دوار الشمس إذا قمت بعدّ منحنيات هذه البذور الحلزونية إلى اليسار بشكل خارجي يوجد 55 شكلًا حلزونيًا، وفي النقطة نفسها يوجد 34 شكلًا تتحرك بشكل حلزوني إلى اليمين.
إلى حد ما باتجاه المركز يمكنك أن تعد 34 حلزونًا إلى اليسار و21 حلزونًا إلى اليمين.زوج الأرقام (المنحنيات الحلزونية التي نعدها إلى اليمين واليسار) هي غالبًا قريبة من سلسلة أرقام فيبوناتشي.
يحصل ذات الشيء في العديد من البذور ورؤوس الأزهار في الطّبيعة ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى أن هذا الترتيب يشكل رُزماً مثالية للبذور بحيث أنه مهما كان حجم رأس البذرة كبيرًا فإنها تكون مرتبة بطريقة غير منتظمة في أي مرحلة، وكل البذور يكون لها نفس الحجم دون ازدحام في المركز وغير متناثرة على الأطراف.
يبدو أن الطبيعة تستخدم النموذج نفسه لترتيب البتلات على حافة الزهرة وترتيب الأوراق حول الساق وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا يحافظ على فعاليتها أثناء استمرار الزهرة في النمو وذلك يعتبر إنجازًا كبيرًا في عملية واحدة! إذًا كيف تنمو النباتات بحيث تحافظ على هذه المثالية في التصميم؟
النمو الذّهبي:
يبيّن علماء النبات أن النباتات تنمو من مجموعة صغيرة منفردة من الخلايا تقع على رأس أي نبات ينمو تسمى بالنسيج الإنشائي، ويوجد نسيج إنشائي منفصل في نهاية كل فرع أو غصن حيث تتشكل الخلايا الجديدة وحالما تتشكل ينمو حجمها ولكن الخلايا الجديدة تتشكل فقط في نقاط النمو وتتوسع الخلايا بشكل مبكر في أسفل الساق وبالتالي ترتفع نقاط النمو وكما أن هذه الخلايا تنمو بشكل حلزوني كما لو أن النسيج الإنشائي يستدير بشكل زاوية ينتج خلايا تستدير بنفس الزاوية وتنتج خلية جديدة وهكذا دواليك، وهذه الخلايا يمكن أن تصبح بذرة أو ورقة جديدة أو فرعًا جديدًا وربما يمكن أن تصبح بتلات أو سداة على الزهرة.
الشيء الرائع هو أن زاوية واحدة ثابتة للدوران يمكن أن تنتج التصميم المثالي مهما كان حجم نمو الزهرة، ومبدأ أن الزاوية الواحدة تنتج حزمًا غير منتظمة مهما كان واضحًا حجم النمو تم اكتشافه مبكرًا ولكن لم يتم إثباته رياضيًا حتى 1993 من قبل ستيفاني دوادي- StéphaneDouady و Yves Couder وهما عالما رياضيات فرنسيان حيث جعل 0.618 من الانحراف قبل إنتاج بذرة جديدة ( ورقة أو بتلة..الخ) ينتج الرزم المثالية من البذور مهما كان حجم رأس البذرةولكن من أين يأتي الرقم السحري 0.618؟
النسبة الذهبية:
إذا أخذنا نسبة رقمين متتاليين من سلسلة فيبوناتشي بقسمة كل منهما على الآخر سوف نجد سلسلة الأرقام التالية:
1/1=1، 2/1=2 ،3/2=1.5 ،
5/3=1.666…،8/5=1.6 ،13/8=1.625 ،21/13=1.61538….
إذا رسمت منحنيًا يمثل هذه القيم سترى بأنها ستصل إلى حد معين والذي نسميه النسبة الذهبية (كما يسمى الرقم الذهبي أو القسم الذهبي).
قيمته تصل إلى(1+5√) /2 (أي تقريبًا1.618034) ويتم تمثيله غالبًا بالحرف اليوناني Phi الذي يكتب على الشكل ɸ، وأقرب قيمة له والتي نكتبها على الشكل ɸ (phi بأحرف صغيرة) هي فقط القسم العشري من Phi أي 0.618034.
((5√-1)/2) وهو الرقم الذي يمثل الأشكال الحلزونية في رؤوس البذور وترتيب الأوراق في عدة نباتات ولكن لماذا نرى الرقم phi في الكثير من النباتات؟
الرقم Phi(1.618034) والرقم phi 0.618034 هي أرقام غير منطقية ولا يمكن كتابتها على شكل قسمة بسيطة، لنرَ ما الذي يمكن أن يحصل لو أن النسيج الإنشائي في رأس البذرة تحول بدلًا من ذلك إلى رقم أبسط على سبيل المثال 1/2.
بعد دورتين عبر نصف دائرة سنعود إلى حيث تم إنتاج أول بذرة، ومع مرور الوقت الدوران بنصف دورة بين البذور سينتج رأس بذرة بذراعين ينتشران من النقطة المركز ويتركان الكثير من المساحة الضائعة.
الرسمة الأولى:
رأس بذرة تم إنتاجه ب0.5=1/2 دورة بين البذور: تتعاقب البذور على شكل خط
الرسمة الثانية:
رأس بذرة تم إنتاجه ب0.48=12/25 دورة بين البذور:البذور تشكل ذراعين دائريتين.
الرسمة الثالثة:
رأس دائرة تم إنتاجه ب 0.6=3/5 دورة بين البذور : البذور تشكل خمسة أذرع مستقيمة.
الرسمة الرابعة:
Pi دورة بين االبذور تنتج سبعة أذرع حلزونية.
الشيء نفسه سيحدث لأي قسمة بسيطة مشابهة لدوران: البذور تنمو بأذرع حلزونية تترك مسافة كبيرة بينها (عدد الأذرع هو القاسم المشترك للقسمة) وبالتالي فإن أفضل قيمة للأدوار بين البذور ستكون رقمًا غير منطقي ولكن ليس كل رقم غير منطقي سيفي بالغرض.
على سبيل المثال رأس البذرة الذي يتم ينشأ بـ pi دورة لكل بذرة يبدو أنه يملك سبعة أذرع حلزونية من البذور وذلك لأن 22/7 هو قيمة تقريبية منطقية جدًا لـ pi.
ما نحتاجه لعدم تضييع المساحة هو رقم غير منطقي لا يمكن تقريبه إلى رقم منطقي ويتبين أن الرقمين )1.618034(Phi وجزؤه العشري هما أكثر رقمين غير منطقيين بين كل الأرقام الغير منطقية ويمكنك أن تكتشف ذلك في كتاب : (الفوضى في أرض الأرقام: الحياة السرية للقسمة المستمرة Chaos in number land: the secret life of continued fractions).
ولذلك فإن دورة Phi تعطي الحزم المثالية للبذور والأوراق في النباتات، وكما أنها تشرح لماذا تظهر أرقام فيبوناتشي في ترتيب الأوراق وفي رقم الأشكال الحلزونية في رؤوس البذور.
أرقام فيبوناتشي المتجاورة تعطي أفضل قيم تقريبية للنسبة الذهبية، حيث تتبادل الأدوار بأن تكون القاسم للقيم التقريبية وتعرّف عدد الأشكال الحلزونية عندما تزداد أحجام رؤوس البذور.
كيف اكتشفت الكثير من النباتات هذا الرقم الرائع والمفيد Phi؟
كما هو واضح فإنها لم تكتشفها من الحل الرياضي كما فعل فيبوناتشي، بدلاً من ذلك نفترض أنه كما استقرت النسبة بين أرقام فيبوناتشي أن تكون النسبة الذهبية فإن التطور تدريجيًا أيضًا استقر على الرقم الصحيح، وإن إرث ليوناردو بيزانو أو فيبوناتشي هو محور كل زهرة فإنه أيضًا محور نظام أرقامنا.
- ترجمة: بتول حبيب
- تدقيق: محمد نور
- تحرير: زيد أبو الرب