تتصف متلازمة الأمعاء القصيرة Short Bowel Syndrome أو SBS بسوء امتصاص يلي الاستئصال الواسع للأمعاء الدقيقة. قد تحدث المتلازمة بعد استئصال أكثر من 50% من الأمعاء الدقيقة، وهي مؤكدة الحدوث بعد استئصال أكثر من 70% أو حال بقاء أقل من 100 سنتيمتر من الأمعاء الدقيقة. تسبب متلازمة الأمعاء القصيرة قصورًا في عملية الهضم، وسوء امتصاص، وسوء تغذية.
الطبيعية الوظيفية للمرض
تعود أعراض المتلازمة إلى:
- فقدان سطح الامتصاص.
- فقدان عمليات نقل مرتبطة بمواقع محددة.
- فقدان مواقع محددة من الغدد الصماء أو الهرمونات المعدية المعوية.
- فقدان الصمام اللفائفي الأعوري ileocaecal valve.
يؤدي فقدان مساحة كبيرة من الغشاء المخاطي المسؤول عن الامتصاص بالأمعاء الدقيقة إلى سوء امتصاص الماء والكهارل والمغذيات، ويؤدي إلى فشل إعادة امتصاص السائل الناتج عن السبيل المعدي المعوي نفسه. يُشار إلى هذه الحالة باسم الفشل المعوي.
تفرز الأمعاء 8000-9000 مللي من السوائل يوميًّا، يُعاد استخدامها في الوظائف الحيوية عدا 100-200 مللي. لذلك تتسم المتلازمة بإنتاج كميات كبيرة من البراز السائل. قد تتفاقم هذه الحالة نتيجة الغزو الجرثومي. أظهرت إحدى الدراسات التي أُجريت على الجراثيم الموجودة طبيعيًّا في أمعاء المرضى الذين تطورت لديهم المتلازمة بعد استئصال الأمعاء سيطرة العصيات اللبنية Lactobacillus mucosae.
يؤدي فقدان جزء كبير من اللفائفي Ileum إلى انخفاض امتصاص الأملاح الصفراوية، ما يسبب إسهالًا دهنيًّا.
إن متلازمة الأمعاء القصيرة ليست نتيجةً حتمية لفقدان جزء كبير من الأمعاء، لكن تلعب عوامل أخرى دورًا في ذلك، تتضمن:
- الطول الأصلي للأمعاء.
- الجزء المفقود من الأمعاء.
- عمر المريض وقت فقد الأمعاء.
- الطول المتبقي من الأمعاء الدقيقة والغليظة.
- وجود الصمام اللفائفي الأعوري أو فقده.
يمكن تحديد 3 تغيرات وظيفية:
- الطور الحاد، مباشرةً بعد استئصال الأمعاء: يتميز بسوء التغذية وفقدان السوائل والكهارل.
- طور التكيف، بعد 2-4 أيام من استئصال الأمعاء: تؤدي التغيرات النسيجية إلى تحسين الامتصاص، وقد تؤثر في كمية التغذية الوريدية المطلوبة.
- طور التعافي: تستعيد الأمعاء قدرتها على الامتصاص جزئيًّا. تحدد درجة التعافي الإجراءات التالية، والحاجة للتغذية الوريدية والمكملات الغذائية.
الوبائيات
- تغيرت مسببات المرض على مر الزمن. تمثلت المسببات الشائعة للمرض في العقود الأولى من القرن العشرين في اختناق الأمعاء Bowel strangulation وانفتال المعي المتوسط midgut volvulus.
- بحلول الخمسينيات والستينيات، أصبحت الأسباب الشائعة هي الحوادث الوعائية المساريقية، بما في ذلك الخثار وانسداد الشريان المساريقي العلوي.
- حاليًا، السبب الأكثر شيوعًا لدى البالغين هو داء كرون.
- تشير الدراسات الإحصائية إلى حدوث 2-5 حالات بين كل مليون شخص.
التاريخ المرضي
تتمثل الأعراض الحالية عادةً في الإسهال. وقد يرافقه فقدان الوزن والتعب والتوعُّك والنعاس.
تُعَد الحالات المرضية السابقة بالغة الأهمية، وتتضمن الإصابة بداء كرون، والاستئصال المعوي، أو إصابة بطنية كبيرة أو حادثة وعائية مثل انفتال المعي المتوسط أو انسداد الأوعية المساريقية العلوية.
قد يسبب نقص الفيتامينات والمعادن:
- العشى الليلي وجفاف الملتحمة، بسبب نقص فيتامين (أ).
- التنميل، والتكزز (التقلص العضلي المستمر)، بسبب نقص فيتامينات (د) و(ﻫ) والكالسيوم والمغنيزيوم.
- ترنح واضطراب بصري، بسبب اعتلال الشبكية الناتج عن نقص فيتامين (ﻫ).
- كدمات غير مفسرة وطول زمن النزف، بسبب نقص فيتامين (ك).
- ضيق التنفس والإجهاد والنعاس، بسبب نقص فيتامين (ب12) وحمض الفوليك والحديد.
- فقد الشهية.
الفحوص والاختبارات
قد تكشف الاختبارات العديد من المظاهر الدالة على التشخيص، وتتعلق بالاضطرابات الغذائية التالية:
- فقدان البروتين وسوء التغذية: قد يؤدي إلى ضمور صدغي temporal wasting، وفقدان الكتلة العضلية للأصابع، ووذمة محيطية، وجلد جاف متقشر، وحليمات لسانية حادة، وحواف بارزة Prominent ridges بالأظافر. يُعَد ضعف تطور الأداء عند الأطفال أحد الأعراض.
- عوز الأحماض الدهنية الأساسية (لينوليك Linoleic ولينولينيك Linolenic): يؤدي إلى نقص النمو، والتهاب الجلد، والحاصَّة (الثَعلبة).
- عوز فيتامين (أ): يؤدي إلى تقرحات القرنية، وتأخر النمو.
- نقص فيتامينات (ب): يؤدي إلى التهاب الفم، وتشقق الشفاه، والتهاب اللسان.
- عوز فيتامين (ب1): يؤدي إلى الوذمة، وتسارع القلب، وشلل العين، وتثبيط المنعكسات الوترية العميقة.
- عوز فيتامين (ب6): يؤدي إلى اعتلالات عصبية محيطية (وهي أيضًا سمة لعوز فيتامين ب12) ونوبات.
- نقص فيتامين (د): يؤدي إلى ضعف النمو، وتقوس الأطراف.
- عوز فيتامين (ﻫ): قد يؤدي إلى الترنح في الحالات الشديدة، والوذمة، وتثبيط المنعكسات الوترية العميقة.
- عوز فيتامين (ك): يؤدي إلى الحبرات (بقع حمراء بالجلد) petechiae، والكدمات، والفرفريات (طفح جلدي) purpura، والتأهب للنزف.
- عوز الحديد: يؤدي إلى الشحوب، وتقصف الأظفار spooned nails، والتهاب اللسان.
- عوز الزنك: يؤدي إلى التهاب الفم الزاوي، وضعف التئام الجروح، والحاصَّة، وطفح حمامي متقشر حول الفم والعين والأنف والعجان.
التشخيص التفريقي
يعتمد التشخيص التفريقي على الأعراض، وتتضمن:
- أسباب الإسهال المزمن.
- أسباب سوء الامتصاص.
- أسباب فشل النمو.
الاستقصاءات:
التحاليل المخبرية
- تعداد عناصر الدم الكامل (FBC): للتحقق من فقر الدم، إذ يدل نوع فقر الدم على نوع العوز (مثل فقر الدم كبير الكريات macrocytic أو صغير الكريات microcytic).
- الألبيومين: يدل انخفاض الألبيومين على سوء التغذية، أما ارتفاعه فيدل على التجفاف.
- اختبارات الوظيفة الكبدية LFTs: يشير ارتفاع إنزيمات الكبد المستمر إلى تلف متني (نسيجي) parenchymal damage، ما يجب تمييزه عن الارتفاع العابر الذي يُلاحظ عند المرضى الذين يتلقون تغذيةً وريدية.
- الكهارل: قد تشير إلى التجفاف، وتحتاج أيضًا إلى مراقبتها لدى المرضى الذين يتلقون التغذية الوريدية، لتصحيح أي مستويات غير طبيعية.
- الكرياتينين: قد يشير إلى تدهور وظائف الكلى، ويقترح تغييرًا في الدعم الغذائي.
- الكالسيوم والمغنيزيوم والفوسفور المصلي: للكشف عن العوز فيها، الذي قد يؤثر على العديد من العمليات الاستقلابية.
- الفيتامينات في المصل ومستويات الحديد والعناصر الزهيدة: للكشف عن أي عوز.
- اختبارات التخثر: يجب تحديد النسبة المعيارية الدولية INR، وزمن البروثرومبين PT، وزمن الثرومبوبلاستين الجزئي المنشَّط aPTT، لاستبعاد اعتلال التخثر المرتبط بخلل الوظيفة الكبدية، خصوصًا قبل العمليات الجراحية.
التصوير التشخيصي
- الأشعة السينية البسيطة للبطن: لاستبعاد علامات العِلَّوص ileus أو الانسداد، وتقديم معلومات عن حالة الأمعاء.
- السبيل المعدي المعوي العلوي مع تتبع الأمعاء الدقيقة: لتحديد مناطق التضيق وتقييم حالة الغشاء المخاطي بالأمعاء الدقيقة. يدل تمدد الأمعاء على الوصول إلى مرحلة التكيف.
- التصوير المقطعي CT للبطن مع التباين اللوني: يفيد في كشف انسداد الأمعاء، وتصوير الكبد لإظهار أي تليف ناشئ أو علامات مبكرة لخلل الوظيفة الكبدية.
- تصوير البطن بالأمواج فوق الصوتية: لاستبعاد الكدارة المرارية biliary sludge أو حصيات المرارة، التي قد تترافق مع متلازمة الأمعاء القصيرة.
فحوص أخرى
- قياس الكثافة العظمية: لاستبعاد أمراض العظام الاستقلابية، التي قد تتطور نتيجةً لنقص الكالسيوم وفيتامين (د).
- الخزعة الكبدية: حال ظهور نتائج غير طبيعية لاختبارات الوظيفة الكبدية. يمكن العثور على مجموعة متنوعة من الحالات المرتبطة، بما في ذلك: الركود الصفراوي cholestasis، والتغيرات الشحمية، والتهاب الكبد الدهني غير الكحولي، وتليف الكبد.
الأمراض المرافقة
لدى البالغين:
- داء كرون.
- التهاب الأمعاء بسبب الإشعاع.
- الحوادث الوعائية المساريقية.
- الرضّ.
- انسداد معوي ناكس.
لدى الأطفال
- التهاب الأمعاء والقولون الناخر (الأكثر شيوعًا).
- احتشاء الأمعاء الإقفاري.
- رتق الأمعاء.
- انفتال الأمعاء.
- قصر الأمعاء الدقيقة الخلقي.
- انشقاق البطن الخلقي.
- التهاب الصفاق العقي Meconium peritonitis.
التدبير
تستطيع بعض التدابير أن تحسن نوعية الحياة لدى المرضى المعتمدين على التغذية الوريدية، مثل: تثقيف المريض، والاندماج في مجموعات الدعم، وعلاج الأعراض المرافقة، والعلاجات الدوائية لتقليل متطلبات التغذية الوريدية.
المعالجة الدوائية (غير الجراحية)
يُعالَج أكثر المرضى بالتغذية الوريدية الكاملة TPN في المراحل المبكرة. بعد ذلك نرى إن كان المريض في حاجة إلى معالجة معوية متخصصة محدودة (غير مطولة)، أو تغذية وريدية كاملة مطولة، اعتمادًا على طول الأمعاء المتبقية ووظيفتها، والآليات المؤثرة على زمن المرور transit time (انتقال الطعام في الأمعاء)، بما في ذلك عمل الصمام اللفائفي الأعوري والقولون. يُستخدم غالبًا مزيج من التغذية الوريدية والتغذية المعوية، لتسهيل إيقاف التغذية الوريدية في أقرب مرحلة ممكنة.
تُعَد الاعتبارات الديناميكية الدموية مهمة، ويجب حساب حجم السائل المُستبدَل وفق الكمية الناتجة من الشفط الأنفي المعدي والبراز، إضافةً إلى الخسائر غير الملموسة. يجب إضافة هذا الحجم إلى حجم المحافظة اليومية المعتاد للمريض daily maintenance volume. ويجب ألا يقل الناتج البولي عن لتر واحد يوميًّا.
يجب أن توفر التغذية الوريدية ما يكفي من البروتين والسعرات الحرارية والمغذيات الكبيرة والصغيرة. يختلف الخبراء بشأن تحديد وقت التكيف، عندما يحدث تحسن في الامتصاص. يرى بعض الخبراء أن التكيف الأقصى يمكن أن يستغرق ما يصل إلى عام، ويرى آخرون أن حدوث التكيف بعد ثلاثة أشهر يعد تحسنًا طفيفًا.
يتطلب الفقدان المفرط للسوائل والكهارل (الذي يحدث عادةً في الأسبوع الأول بعد استئصال جزء كبير من الأمعاء) الإنعاش بالسوائل أو التغذية الوريدية أو كليهما. تحدد كمية السوائل التعويضية وفق كمية البراز أو الخارج من الفغر ostomy output.
يجب قياس مستوى الفيتامينات (أ) و(د) و(ﻫ) و(ك) والمعادن الزهيدة بانتظام وتعويضها حسب الحاجة.
يُلاحظ فرط الإفرازات في أثناء أول 12 شهرًا من الاستئصال، ويجب معالجته بناهضات مستقبلات H2 أو مثبطات مضخة البروتون.
تساعد سرعة إدخال التغذية المعوية على تكيف الأمعاء، وتقليل الوقت اللازم للتغذية الوريدية. وتُجرى تدريجيًّا بإدخال كميات صغيرة من الطعام من طريق الفم.
قد يعاني المرضى الذين فقدوا جزءًا كبيرًا من اللفائفي أو القولون فقدًا كبيرًا للسوائل، وقد يحتاجون إلى علاج مُطوَّل بالسوائل الوريدية.
الجراحة
يتوقف علاج متلازمة الأمعاء القصيرة على الحالة السريرية لكل مريض، ويعتمد قرار اللجوء إلى الجراحة وتحديد العملية المطلوبة على العديد من العوامل. في حالة المرضى الذين يعانون متلازمة الأمعاء القصيرة، يمكن أن تلعب الجراحة دورًا مهمًّا في علاج الفشل المعوي intestinal failure.
يوجد العديد من الخيارات الجراحية، مثل: إنشاء صمامات معوية، وعكس أقسام الأمعاء reversed intestinal segments، ومداخلة أقسام القولون interposition of segments of colon، وإطالة الأمعاء.
عمومًا تُعَد الجراحة الملاذ الأخير بعد استنفاد جميع الخيارات العلاجية الأخرى، بما فيها التغذية الوريدية والمعوية والتعويضات الدوائية للأمعاء.
في بعض الحالات تنشأ الحاجة إلى الجراحة بسبب اختلاطات التغذية الوريدية المطولة، أو ركود المحتوى المعوي، أو النمو البكتيري السريع.
المضاعفات
- الأخماج المتعلقة بقثطرة التغذية الوريدية.
- الخثار، ما يمنع وصول التغذية الكافية.
- اختلاطات أي من الحالات المستبطنة (مثل أمراض الكبد).
- قد تتضمن المضاعفات المزمنة خارج الجهاز الهضمي: أمراض الكبد الصفراوية، وأمراض العظام الاستقلابية، والحماض اللبني lactic acidosis، وتشكل الحصيات الكلوية.
تتضمن الاختلاطات العامة للتدبير الجراحي:
- النزف.
- إنتان الجرح.
- خلل الوظيفة الرئوية التالي للجراحة.
- الأذى الكلوي الحاد.
- الانسداد الرئوي.
الإنذار
يعتمد الإنذار على السبب الكامن، وشدة المتلازمة، ومقدار تكيف ما تبقى من الأمعاء، وطبيعة الأمراض المرافقة، وفعالية التدبير المتوفر. السبب الأكثر شيوعًا للوفاة لدى المرضى الموضوعين على التغذية الوريدية الكاملة (TPN) هو فشل الكبد نتيجةً للأذى المتني (النسيجي) الكبدي المزمن.
اقرأ أيضًا:
فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة: كل ما تحتاج إلى معرفته
ست حميات مختلفة للسيطرة على متلازمة الأمعاء الهيوجة (القولون العصبي)
ترجمة: عبد الهادي العمري
تدقيق: أكرم محيي الدين