ماري أنطوانيت…هذه النمساوية الجميلة التي أصبحت ملكةً لفرنسا، واشتُهرت بجملتها الشهيرة: «دعهم يأكلون الكعك» حين أُخبرت بأن الشعب لا يجد الخبز ليأكله، سنتعرف أكثر عليها..
نشأتها وطفولتها:
في عام 1755 حين عانت المَلكيات الأوروبية التقلب الشديد، وُلدت ماري أنطوانيت في فيينا بالنمسا. وماري هي الابنة الخامسة عشر للإمبراطور الروماني فرنسيس الأول وإمبراطورة هابسبورغ الجبارة ماريا تيريزا.
ولتعزيز التحالف الجديد نسبيًا بين الفرنسيين وهابسبورغ، تعهدت ماريا تيريزا بتزويج ابنتها الصغيرة ماري أنطوانيت للويس السادس عشر الملك المستقبلي لفرنسا. وبعد أربع سنوات، تزوج الثنائي بتفويض ودون أن يقابل أحدهما الأخر في فيينا. في 16 مايو 1770 أُقيم حفل الزفاف الباهظ للثنائي الملكي في معبد قصر فيرساي وحضر أكثر من خمسة آلاف مدعو واستمرت الاحتفالات حتى 30 مايو .كان زفافًا بهيجًا بالطبع ولم يكن ليُعكره مقتل 132 شخصًا في ساحة الكونكورد بسبب عرض الألعاب النارية الرائع. لكنه جعل بعض النساء الباريسيات -الغاضبات بالطبع- أكثر غضبًا تجاه هذه الأميرة المدللة.
ماري أنطوانيت والحياة في فيرساي:
نمط الحياة بمثابة شخصية عامة لم يكن سهلًا بالنسبة لماري أنطوانيت، كان زواجها صعبًا، وبينما كان لديها القليل من الواجبات الرسمية، أمضت معظم وقتها في الاختلاط واللهو، ما سبب انتشار شائعات في الوسط النسائي الباريسي عن سلوكها الغريب والشاذ وحتى الإباحي، وأصبح من المألوف أن يُلقى عليها باللوم في جميع مشاكل الدولة الفرنسية تقريبًا.
ماري أنطوانيت والثورة الفرنسية:
في حقيقة الأمر، كانت ماري أنطوانيت وهراؤها المعتاد أبعد ما يكون عن أن يتسببا في مشاكل الدولة الفرنسية أو الفرنسيين. إذ عانت فرنسا بالفعل من ديون طائلة تسببت بها الحروب الاستعمارية في القرن الثامن عشر –خاصةً الثورة الأمريكية التي تدخلت فيها فرنسا نيابةً عن المستعمرين-.
والمفارقة أن هؤلاء الذين امتلكوا أغلب العقارات في فرنسا كالكنيسة الكاثوليكية (طبقة رجال الدين) والنبلاء (طبقة النبلاء وتسمى الطبقة الثانية) -فقد كان المجتمع الفرنسي مقسم لثلاث طبقات رجال الدين – النبلاء -عامة الشعب- لم يكن عليهم دفع ضرائب على ثرواتهم !بينما أُرهقَت الطبقة الثالثة -أي عامة الشعب- بالضرائب المرتفعة، فكان من المنطقي أي يتصاعد غضبهم تجاه النفقات السفيهة للأسرة الملكية.
حاول لويس السادس عشر ومستشاروه فرض نظام ضرائبي أكثر ملاءمةً، لكنه واجه عرقلة “النبلاء”. وكالعادة ألقت الصحافة الشعبية باللوم على ماري أنطوانيت في عرقلة إصدار القانون ، إذ كانت تُعرف باسم “مدام اعتراض”، لم يكن هذا -بالإضافة لأشياء أخرى كثيرةً- خطأها بالطبع. وفي عام 1789 اجتمع ممثلون لجميع الطبقات، النبلاء ورجال الدين وعامة الشعب، في فيرساي للاتفاق على إعادة هيكلة الدولة الفرنسية.
بالطبع لم يكن ليتخلى رجال الدين أو النبلاء عن امتيازاتهم، وهذا ما حمل مندوبي طبقة العامة على إنشاء “مجلس وطني تأسيسي”، واضعين الحكومة بيد المواطنين الفرنسيين لأول مرة في التاريخ!
بينما ساءت أحوال المواطن الفرنسي العادي إلى درجة كبيرة، اقتنع العديد بأن العائلة الملكية والنبلاء يتآمرون ضدهم. وبذكر العائلة الملكية، فقد كانت ماري أنطوانيت البائسة هي الشخص المفضل لتلقي اللوم، نعتها رسامو الكاريكاتير والكتاب بالعاهرة النمساوية التي تفعل ما بوسعها لتقزيم فرنسا!
وفي أكتوبر 1789، تحركت مجموعة من النساء الباريسيات الغاضبات في تظاهرة نحو قصر فيرساي للاعتراض على غلاء أسعار الخبز والسلع الرئيسية، لكن المظاهرة التي بدأت بالاعتراض على ارتفاع الأسعار انتهت بجر العائلة الملكية خارج القصر ومن ثم سجنهم في قصر تويلري.
وفي يونيو 1791، هرب لويس السادس عشر وماري أنطوانيت من باريس، وسرت شائعة عن توجههم للحدود النمساوية حيث ينتظر حشد الجيش النمساوي بقيادة شقيق الملكة الإمبراطور الروماني المبجل جاهز للإطاحة بالحكومة الثورية واستعادة الملكية! وهذا الحادث المفترض كان دليلًا على أن الملكة لم تكن أجنبيةً فحسب بل نمساوية خائنة!
ماري أنطوانيت: بانتظار النهاية
أُعيدت العائلة الملكية الفرنسية الهاربة ولويس السادس عشر الذي أجلسه الثوار مرةً أخرى على العرش، لكن في هذه المرة رأى العديد من الثوار أن الأعداء الداخليين الحقيقيين للدولة الفرنسية لم يكونوا النبلاء بل العائلة الملكية ذاتها! لذلك وفي إبريل 1792 أعلنت حكومة اليعقوبيين (ثوريون راديكاليون) الحرب على النمسا.
هذه الحرب -التي كان أحد أسبابها اختبار ولاء الأسرة الحاكمة- لم تجر بشكل جيد على الأقل بالنسبة للجانب الفرنسي الذي مُني بهزيمة نكراء. وبالطبع، كان لا بد من لوم الملكة الأجنبية. وفي أغسطس، تحركت جموع من الرجال والنساء الغاضبات نحو قصر تويلري للإطاحة بالنظام الملكي بكامله هذه المرة وحبس الأسرة الملكية في برج.
وفي سبتمبر بدأ الثوار بذبح السجناء الملكيين بالآلاف، كل من كان له علاقة بالعائلة الملكية من قريب أو بعيد، الخدم والعمال والحاشية والأصدقاء والعلماء. قُتلت أميرة لامبال والتي كانت صديقة ماري أنطوانيت المقربة وقُطعت بوحشية في الشارع ثم أُخذ الثوار رأسها وأجزاءها وطافوا بها باريس. وفي ديسمبر حوكم لويس السادس عشر بتهمة الخيانة وأُعدم في يناير.
ولم يجر الوضع بشكل أفضل بالنسبة لزوجته التي ازداد السخط تجاهها حتى فقدت حضانة ابنها الصغير في عام 1793، وأُجبر الابن على اتهامها بالاعتداء الجنسي وسفاح القربى أمام محكمة ثورية تفتقد أبسط معايير العدالة، وفي أكتوبر أدينت بالخيانة وأُعدمت بالمقصلة وهي ابنة 37 عامًا.
ماري أنطوانيت: النهاية
ظلت قصص الثورة والمقاومة الفرنسية في القرن الثامن عشر موضوعًا شائكًا ومُعقدًا، لا يتفق مؤرخان في رواية نفس القصة بالطريقة ذاتها أبدًا. على الرغم من ذلك، فقد كانت ماري أنطوانيت هدفًا واضحًا ومحددًا بالنسبة للثوار. إذ مثّلت هي وحاشيتها كل مساوئ وأخطاء الحكم الملكي، بينما صُورت طبقة النبلاء على أنها مجموعة من الخونة عديمي السمع والتعاطف.
كان اسم ماري أنطوانيت مقرونًا بالخطايا كافةً، من الأنانية وحب الذات وحتى الخيانة والعربدة. وبغض النظر عن كل ما اتُهمت به، فقد كانت ماري أنطوانيت المُتوهَّمة في عقول الفرنسيين، أقوى تأثيرًا من ماري أنطوانيت الحقيقية.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: أحمد محمد ابراهيم ابراهيم
تدقيق: رزوق النجار
مراجعة: آية فحماوي