تخيل النهوض من السرير وإيجاد عالم مقلوب، لقد انقلب المجال المغناطيسي للأرض، وتقع جرينلاند الآن في نصف الكرة الأرضية الجنوبي والقارة القطبية الجنوبية في النصف الشمالي!
ماذا تتوقع من كوكب لا يمكنك فيه الاعتماد على البوصلة لمعرفة وجهتك؟
المجال المغناطيسي يلعب دورًا أكبر من مجرد تحديد نقطة مرجعية للبوصلة، فهو يحمينا من التأثير الكلي للرياح الشمسية؛ وهي جزيئات مشحونة منبعثة من الشمس يمكنها تغطية الأرض بالأشعة فوق البنفسجية الضارة لو لا وجود هذا الحقل.
تمتد جذور المجال المغناطيسي تحت سطح الأرض بآلاف الأميال، إذ إن النشاط الحراري في اللب الخارجي يُنتج تيارات كهربائية بالتزامن مع دوران الأرض، وهو ما يخلق مجالًا مغناطيسيًا يعبر الكوكب ويحافظ عليه مثل مغناطيس أُنبوبي الشكل ذي قطبين شمالي وجنوبي (المعروف أيضا باسم ثنائي القطب).
عندما نتحدث عن انقلاب المجال المغناطيسي للأرض، فنحن نقصد الحدث الذي تنعكس فيه الأقطاب، وبناءً على المعلومات المُخزنة في الصخور البركانية الباردة؛ فمن المعلوم أن هذا قد حدث سابقًا 170 مرة تقريبًا في آخر 100 مليون عام من عمر الأرض.
آخر مرة حدث فيها ذلك كانت منذ 780 ألف عام، رُغم حدوث انعكاس مؤقت منذ 41 ألف عام واستمر أقل من 1000 عام؛ لكن تبقى أسباب هذه الانقلابات غامضة، ولا توجد طريقة للتنبؤ الكامل بموعد حدوث الانقلاب القادم.
عمومًا، نحن نعلم أن الانقلاب لا يحدث فجأة، إذ يستغرق الأمر وقتًا من 100 إلى 20 ألف عام ليكتمل، وهو ما يرافقه هبوط تدريجي في شدة المجال المغناطيسي.
ووفقًا للقياسات التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر، نحن الآن في طور هبوطٍ مشابه، إذ كشفت الأقمار الصناعية الخاصة بوكالة الفضاء الأوروبية عام 2014 أن المجال المغناطيسي يفقد 5% من شدته كل 10 أعوام.
يرى بعض العلماء إمكانية توقف هذا الهبوط في أي وقت، إذ إن شدة المجال المغناطيسي للأرض اليوم أقوى مما كانت عليه في آخر 50 ألف عام، بينما يرى آخرون هذا الأمر مؤشرًا إلى إمكانية حدوث انقلاب آخر خلال 1500 عام.
إلى جانب التأثير على بوصلات اليوم التي تشير إلى الجنوب بدلًا من الشمال، ما الذي قد يحدث إذا انقلب المجال المغناطيسي؟
رُغم أن الغلاف الجوي لا يزال يساعد على حماية الكوكب من الإشعاع، فإن هبوط المجال المغناطيسي الذي يسبق الانقلاب قد يُعرضنا للأشعة الكونية وجسيمات الطاقة التي تُسبب الإصابة بالسرطان، قد يُلحق كذلك أضرار جسيمة في نُظم الاتصالات وشبكات الطاقة، وقد يخلق أيضا عدة أقطاب شمالية وجنوبية، وبالتالي فإن الطيور والحيتان وغيرها من الحيوانات المهاجرة التي تعتمد في تحديد وجهتها على المجال المغناطيسي الحالي قد تواجه المشاكل.
ذلك لا يعني أن انقلاب الأقطاب يؤدي إلى فناء البشرية بالضرورة، إذ لا يوجد أي دليل يفيد أن الانقلابات الماضية للمجال المغناطيسي سببت انقراضات جماعية أو كوارث أُخرى، لكننا سنحتاج إلى بوصلة جديدة بالتأكيد.
اقرأ أيضًا:
وكالة ناسا تتعقب شذوذًا هائلًا متناميًا في المجال المغناطيسي للأرض
المجال المغناطيسي للأرض يتغير بوتيرة تفوق توقعاتنا!
ترجمة: ربيع شحود
تدقيق: علي الطريفي
مراجعة: عون حدّاد