ماذا لو اكتشفنا حضارة غريبة أقلُّ تقدّمًا من حضارتنا
أوّلًا، كيف سنجد كوكبًا مثيلًا بالأرض؟
على الرغم من الاكتشافات الأخيرة المدهشة لكواكب تدور حول نجوم أخرى، لم يجد علماء الفلك حتى الآن توأمًا حقيقيًّا للأرض، أي كوكبًا بنفس حجم كوكب الأرض يدور حول نجم أصفر كالشمس وتفصل بينهما المسافة ذاتها.
أقرب اكتشاف توصلوا إليه هو كوكب يسمّى «كيبلر- 452b Kepler» الذي تبلغ كتلته خمسة أضعاف كتلة الأرض وينتمي على الأرجح إلى صف الكواكب الذي يسمى «كواكب الأرض الفائقة super- Earths» التي قد تكون قابلة للسكن ولكن ليست شبيهة بالأرض.
ينطبق الأمر ذاته على الكواكب المكتشفة مؤخرا التي تدور حول النجم «ترابيست- 1 Trappist-1» والتي يقترب حجمها من حجم الأرض.
تعد هذه عوالم مثيرة جدًا للدراسة، ويمكن اعتبار البعض منها داعمًا للحياة.
ولكن كواكب ترابيست تدور حول نجم قزم أحمر باهت، هذا يعني أنها تُنسَف بإشعاع نشط وأنها عالأرجح مقفلة بشكلٍ مدّي، فضلًا عن نصف الكرة الذي يواجه النجم دائمًا.
يكتشف تلسكوب الفضاء كيبلر التابع لوكالة ناسا الكواكب بعد أن تتعقب أثرًا لبقع صغيرة من ضوء نجمهم عندما يعبرون بين النجم وكوكب الأرض.
ولكن كوكب مثل كوكبنا الذي يحتاج سنة كاملة ليُكمِل دورة واحدة، هذا يعني أنك ترى ظلًّا مرة واحدة في السنة، و لوقت قصير جدًا.
للتأكد من أن الكوكب موجودًا حقًّا- وليس مجرّد خفقان ضوء من النجم- عليك أن تراقب على الأقل ثلاثة أحداث.
أي أنك تحتاج لمتابعة العديد من النجوم، و متابعتها جميعها لعدة سنوات.
وحتى في تلك الحالة، فإنّ الكواكب الوحيدة التي ستجدها هي تلك التي ستصطف تمامًا بين نجمها و كوكب الأرض.
الكواكب في المنطقة الداعمة للحياة والتي تدور حول نجوم أخرى قد لا تكون تشبه كوكبنا في شيء.
كيبلر Kepler-186 ( في الأعلى ) هو نظام مصغر مثل ترابيت Trappist-1. Kepler-452 ( في الوسط ) هو نجم مشابه للشمس ولكن كوكبه الرئيسي أكبر حجما و كتلة من كوكب الأرض.
( المصدر: NASA/JPL-CalTech/R.Hurt).
ثانيًا، كيف نعرف ما إذا كان الكوكب الشبيه بالأرض ظاهريًّا حقًا داعمًا للحياة؟
الطريقة الرائدة الآن هي النظر إلى تدفق الضوء من خلال الغلاف الجوي للكوكب عندما يعبر بيننا وبين النجم.
وتعد هذه المهمة صعبة جدًا حتى بالنسبة للكواكب الضخمة.
الآن، نحن لا نملك التقنية الحديثة لاعتمادها.
لكن هناك نهج آخر وهو البحث عن الكواكب الشبيهة بالأرض إلى جانب نجومهم ومن ثم تحليل ضوئهم.
وذلك يتطلب تلسكوبًا قويًّا جدًا وطريقة فعالة للغاية لحجب وهج النجم، لأن الكوكب الشبيه بالأرض سوف يكون إلى جانب النجم في السماء، ولكن أكثر خفوتًا بمليار مرة.
يمتلك الفلكيون بعض الأفكار الذكية للقيام بذلك، إما باستخدام حاجب ضوء خارجي يسمّى ظل النجم يُحلق أمام تلسكوب الفضاء، أو جهاز داخلي (لمراقبة طفاوة الشمسRoronagraph-) مصمم في التلسكوب ذاته لخلق نوع من الكسوف الاصطناعي.
سوف يختبر التلسكوب القادم WFIRST»» مفهوم مراقبة طفاوة الشمس، لكن لن يكون حسّاس بما فيه الكفاية لمراقبة كواكبًا أخرى شبيهة بالأرض.
هذا يحتاج إلى تلسكوبات محسنة يُحتَمل أنْ لا تُبنَى على الأقل حتى ثلاثينيّات القرن الواحد والعشرين.
هذه هي خطة وكالة ناسا لتلسكوب الفضاء القادم WFIRST مع الجهاز التابع لها لمراقبة طفاوة الشمس الحاجب لضوء النجمstarlight- blocking coronagraph.
(المصدر: NASA-JPL/G. Blackwood/ Noecker et al).
ثالثًا، كيف نعرف ما إذا كانت هناك حياة ذكيّة على هذا الكوكب؟
سيحلل علماء الفلك الأغلفة الجوية للكواكب بحثًا عن «biosignatures-مكونات كيميائية غير اعتيادية» خارجة عن التوازن مثل تلك المرتبطة بالحياة على كوكب الأرض -على سبيل المثال الأكسجين الحرّ والميثان- بينما تُركّز أبحاث معهد البحث عن الذكاء خارج كوكب الأرض على الإشارات المحتمل إرسالها من قبل حضارات غريبة، لكن لن يتمكن سكان كوكب بتقنيات القرن السادس عشر من تركيز أي رسائل راديوية نحونا.
يمكن لبعض أنواع التلسكوبات ذوات العدسات المتطرفة و الخيالية أن تكون قوية بما فيه الكفاية لترى أدلّة عن مدن أو تخليص هندسي للغابات.
لاحظ، بالمناسبة، أنّه سيكون من المُستَبعد للغاية أن توجد حضارة غريبة قريبة جدًا من حضارتنا في التطور التكنولوجي، حتى لو كانت الحياة الغريبة الذكية شائعة إلى حدٍ ما؛ إذ تشكلت النجوم والكواكب على الأرجح في مجرتنا قبل أكثر من 10 مليار عام، ربما أنّه من الطبيعي أن يستغرق الأمر 4 مليارات سنة لظهور حياة ذكية؛ وربما لا.
بغض النظر عن ذلك، كان يمكن للحياة على عوالم أخرى أن تبدأ قبل أو بعد مليارات السنين من بدء الحياة على الأرض.
وخلال هذا النطاق الواسع، فإنّ احتمالات أن تكون حضارة غريبة ضمن 500 سنة من مرحلة تطورنا هي الملايين إلى واحد، وهذا يَفترض أن الكواكب الأخرى تتبع نفس مسارنا.
كيفية إطلاق مسبار بين النجوم باستخدام ليزر إبحار الضوء laser lightsail هذه التكنولوجيا غير موجودة بعد، ولكنها واقعية على المدى القريب.
(المصدر: Breakthrough Starshot).
رابعًا، ماذا نفعل إذا وجدنا حقًا أدلة ثابتة على حضارة ما قبل صناعية على كوكب حول نجم آخر؟
لن نتمكن من التواصل معهم بأي طريقة معروفة حاليّا.
من الممكن أن نرسل مسابر ما بين النجوم مصغّرة لدراسة الكوكب ومعرفة المزيد عن سكّانه، بينما يستكشف مشروعBreakthrough Starshot» » نوع التكنولوجيا اللازمة لإنجاز شيء من هذا القبيل، كابتكار مسابر صغيرة جدًا و سريعة لا يمكن الكشف عنها.
سوف تحطم وكالة ناسا مركبة كاسيني Cassini في المريخ في أيلول، وذلك للتأكد من أن المسبار لن يلوث أحد أقمار الكوكب المحتمل أن تكون صالحة للحياة.
هذا النوع من الحذر يجب أن يمتد إلى أي اتصال في المستقبل مع كائنات غريبة وسيطة.
(المصدر: NASA-JPL).
هذا يقودنا إلى القسم الخامس والأخير هل يجب أن نحاول إجراء أي اتصال؟
من الممكن أن نستخدم مسابر ما بين النجوم لإسقاط رسائل مشفّرة في جميع أنحاء الكوكب.
ربما بإمكان السّكان الرد عن طريق إنشاب حرائق هندسية ضخمة يمكن أن نلاحظها من الفضاء.
سيكون لدينا الكثير من الوقت للتفكير فيما إذا كان الاتصال فكرة جيدة، وإذا كان الأمر كذلك، ما هي أفضل طريقة للقيام بذلك.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن إرسال رسالة إلى أقرب نجم لنا تستغرق نحو 9 سنوات ذهابًا وإيابًا.
لنفترض أننا وجدنا حضارة على «كيبلر 452b» الذي يبعد عنا نحو 1,400 سنة ضوئية، فسيستغرق إرسال كل رسالة ذهابًا وإيّابًا 2800 سنة كحدّ أدنى.
بينما سيستغرق مسبار شبيه بالستارشوت 7000 سنة على الأقل للوصول إلى هناك.
الآن، تمتلك وكالة ناسا مجموعة مفصّلة من قواعد حماية الكواكب للتأكّد من عدم تلويث البشر للمريخ أو العوالم الأخرى التي يمكن أن تكون صالحة للحياة.
وهذا أحد أسباب تحطيم مسبار كاسيني بالمريخ؛ للتأكد من أنها لن تلوث الأقمار إنسيلادوس-Enceladus »أو «تيتان- Titan».
على العموم، لم تَسر الاجتماعات بين الثقافات التكنولوجية وغير التكنولوجية بشكل جيد على كوكب الأرض.
وإذا ما وصلنا في يوم من الأيام إلى النقطة التي نجد فيها ثقافة غير تكنولوجية على كوكب آخر، أتوقع أن يكون لدينا ما يكفي من الوعي الجيد للمراقبة عن بعد وعدم التدخل.
- ترجمة: لميا عنتر
- تدقيق: الاء أبو شحوت
- تحرير : محمد حمد