ماذا سيحدث إذا لم يعد التيار الكهربائي يتدفق، بل يتقطر بدلًا من ذلك؟
لمراقبة كل شيء عن كثب يتحقق كريستيان أست من روابط مجهر المسح النفقي (الصورة في الأعلى)، وقد أجرى الباحثون في قسم علوم النانو تجاربهم في هذا الجهاز بدرجات منخفضة جدًا.
المبدأ هو نفسه دائمًا (الصورة في الأسفل) إذ يتدفق تيار نفقي (مُمَثَّل بشريط شفاف) بين رأس دقيق جدًا والعينة، ويُزَودنا بالمعلومات حول خصائص العينة، وفي هذه الدرجات المنخفضة يكشف التيار النفقي عن خصائصه الكمومية.
مصدر الصورة: توم بينغل (الصورة في الأعلى)، معهد ماكس بلانك لبحوث فيزياء الحالة الصلبة (الصورة في الأسفل).
ما الذي سيحدث إذا لم يعد التيار الكهربائي يتدفق، بل يتقطر بدلًا من ذلك؟ بحث علماء يعملون مع كريستيان أسك في معهد ماكس بلانك لبحوث فيزياء الحالة الصلبة في موضوع هذا السؤال.
واقتضت تحقيقاتهم تبريد مجهر المسح النفقي لتصل حرارته إلى 15 جزء من الألف فوق الصفر المطلق.
في درجات الحرارة هذه، والتي تُعد منخفضة جدًا، تظهر الإلكترونات طبيعتها الكمومية.
ويصبح التيار الكهربائي وسط حُبَيْبِيّ، يتكون من جزيئات منفردة.
تتقطر الإلكترونات عبر موصل ما مثل حبات الرمل في ساعة رملية، وهي ظاهرة يمكن تفسيرها بواسطة الديناميكا الكهربائية الكمومية.
يبدو الماء الذي يتدفق من الصنبور مثل وسط متجانس (فمن المستحيل أن تُميِّز بين جزيئات الماء).
والشيء نفسه في حالة التيار الكهربائي، إذ يتدفق عدد كبير من الإلكترونات في السلك فيظهر التيار متجانسًا.
على الرغم من استحالة التمييز بين الإلكترونات، تقول ميكانيكا الكم أنهم موجودون. فكيف يتصرفون إذن؟ وفي أية ظروف لا يتدفق التيار مثل الماء من الصنبور، بل يتقطر مثل الرمل في الساعة الرملية؟
تشبيه الساعة الرملية مناسب جدًا لمجهر المسح النفقي، إذ يقوم رأس دقيق وحاد بالمسح عبر سطح العينة دون لمسها.
ورغم ذلك يتدفق تيار صغير، فهناك احتمال ضئيل أن تحفر الإلكترونات نفقًا من الرأس الحاد إلى داخل العينة.
هذا التيار النفقي هو دالة أسّية للانفصال، لهذا السبب يتواجد الرأس الحاد على بعد عدة أنغسترومات (أنغستروم: وحدة قياس للطول تساوي جزءً من عشرة مليار من المتر) فوق العينة.
وتسمح اختلافات صغيرة في التيار النفقي للباحثين بفصل ذرات منفردة وبنيات ذرية عن السطح والتحقيق في بنيتها الإلكترونية، ولذلك يعتبر مجهر المسح النفقي من بين أكثر أجهزة الكشف تنوّعًا وحساسيةً في فيزياء الحالة الصلبة.
حتى في ظل هذه الظروف الصعبة ـ تيار صغير أقل من جزء من المليار من التيار الذي يتدفق في مصباح 100 واط ـ تستمر مليارات الإلكترونات في التدفق، وهذا عدد كبير جدًا لتمييز الإلكترونات الفردية، فقد انخفضت درجة الحرارة إلى 15 جزء من الألف فوق الصفر المطلق (أي ناقص 273.135 درجة مئوية أو 0.015 كلفن) قبل أن يرى العلماء أن التيار الكهربائي يتكون من إلكترونات منفردة.
في هذه الدرجات المنخفضة، تظهر في الطيف هياكل دقيقة جدًا، لم يتوقعها الباحثون.
يقول أست، الذي يترأس فريق البحث الذي يعمل بمجهر المسح النفقي: «لا يمكننا تفسير هذه البنيات إلا بالافتراض أن التيار النفقي هو وسط حُبَيْبِيّ وغير متجانس».
هذه هي المرة الأولى التي أُظهرت فيها الطبيعة الكمومية للنقل الإلكتروني، في مجهر المسح النفقي، نفسها كاملة.
لذلك يجب أن تُكمّم الشحنة الكهربائية كذلك كي نفسر هذه الظاهرة الميكانيكة الكمومية.
يقول يواكيم أنكرهولد من جامعة ULM، والذي ساهم في الأسس النظرية: «طُورت النظرية التي تأسس عليها هذا في بداية تسعينيات القرن الماضي.
الآن وبعد أن حُلّت القضايا النظرية والتطبيقية المرتبطة بتطبيقها على مجهر المسح النفقي، من الجيد أن نرى تكامل النظرية والتجربة معًا».
بالإضافة إلى نظرية مفصلة، تتطلب مثل هذه التجارب مختبرًا مناسبًا يقلل من الاضطرابات الخارجية بشكل كبير.
منذ نهاية 2012، بدأ مختبر جديد في العمل في معهد ماكس بلانك في شتوتغارت، حيث تتوفر بيئة خالية من الاضطرابات من أجل تجارب حسَّاسة مثل مجهر المسح النفقي.
ويوجد الجهاز في صندوق مجهَّز بواقٍ صوتي وكهرمغناطيسي معًا على قاعدة إسمنتية منفصلة عن الاهتزازات.
يقول كلاوس كيرن، مدير في معهد ماكس بلانك لبحوث فيزياء الحالة الصلبة: «أردنا استخدامه من أجل دخول منطقة جديدة ومجهولة، وقد نجحنا نجاحًا كبيرًا في هذه التجربة».
وقد أثبتت الإلكترونات بالفعل طبيعتها الكمومية، فعندما تُنقل عن طريق نقاط كمومية، على سبيل المثال، يتوقف تدفق التيار حيث تظهر الإلكترونات منفردة. أصبح هذا التأثير واضحًا في مجهر المسح النفقي عن طريق التبريد لدرجات منخفضة جدًا.
يقول عضو من الفريق، بيرتولد جاك: «تأثير النفق وصل بشكل مؤكد إلى حَدِّهِ الكمومي هنا».
رغم ذلك لا يريد الباحثون أن يَرَوا هذا كتحديد أو تقييد.
يقول كريستيان أست: «تفتح هذه الدرجات المنخفضة وفرة من التفاصيل غير المتوقعة والتي ستسمح لنا بفهم الموصلية الفائقة وتفاعلات الضوء والمادة بشكل أفضل».
ترجمة: محمد أمين امكرود
تدقيق: ولاء سليمان
المصدر