رُهاب التورّد أو الخوف من احمرار الوجه رهاب معقد نسبيًا ويُفترض إيجاد حلٍ له والتغلب عليه نهائيًا، فهو استجابة فيزيولوجية تحدث مِن بين الأمور الأخرى التي تبعث الشعور بالقلق أو الارتباك، وهذا ما يجعله يصنّف واحدًا من أنواع الرهاب القليلة التي تتكرر من تلقاء نفسها، أيّ كلما تزايد القلق بشأنه أكثر كلما ازداد احتمال خوض تجربة الخوف من الاحمرار أكثر.

وعلى خلاف الأشكال الأخرى من الرهاب فهو ليس محدد اتجاه أمر واضح تمامًا أو بالإمكان تجنبه أو ضبط الإحساس اتجاهه مثل: رهاب العناكب على سبيل المثال، بل إنه يصعب السيطرة على احمرار الوجه ويحدث استجابةً لمجموعة واسعة من المواقف الاجتماعية، وقد يصبح في الحالات الشديدة مقيدًا للحياة ويتسبب بالانعزال عنها إذا وصل الخوف للحد الذي يمنع الإنسان من التفاعل الاجتماعي مع محيطه بالكامل.

ما الآلية التي تسبب احمرار الوجه؟

يحدث الاحمرار تلقائيًا كما يحدث عند الاستجابة للضرب أو الهرب، وهو ردّ فعل لا إرادي يثيره الجهاز العصبي الودي، فالجسم يمتلئ بمادة الإبينفرين المعروفة أيضًا باسم الأدرينالين عند الشعور بالقلق أو الارتباك ومن ثم يخضع الجسم لتأثير أعراض فيزيولوجية حقيقية للغاية، إضافةً إلى زيادة معدل ضربات القلب وكبح عمل الجهاز الهضمي وتثبيط الألم، ويعمل الإبينفرين أيضًا موسعًا للأوعية الدموية لبعض الشرايين والأوردة فيتسبب بتوسّعها ويحسّن من تدفق الدم والأكسجين في مناطق معينة في الجسم.

لذا تُعد هذه الاستجابة أحد الآثار الجانبية السلبية المؤسفة الناتجة عن توسع الأوعية في بعض أوردة الوجه، فحدوثها يؤدي إلى تنشيط الدورة الدموية في الوجه ومن ثم تحمّر الخدين، وتختلف أسباب حدوثها وتكثر مثل: الاحمرار الناجم عن تعاطي الكحول أو في حالات طبية معينة.

بغض النظر عن السبب الكامن وراء ذلك، فغالبًا ما يشعر المصابون به بالقلق والإحراج والارتباك، فينتهي الأمر بهم إلى حلقة مفرغة يزداد الأمر فيها سوءًا وتتفاقم الحالة على نحوٍ سيء للغاية.

الرهاب الاجتماعي

قد يكون أحد أعراض اضطراب القلق الاجتماعي الخوف من تورّد الوجه، و عمومًا لا يحدث لكونه مجرد رد فعل من احمرار الوجه، بل نتيجة لجذبه اهتمام الآخرين من حولنا، لا سيما أن هذا آخر ما نحتاجه عندما نكون قلقين أو في موقف محرج، وعادةً ما يصحبه الكثير من الأفكار السلبية التي تتمحور جميعها حول كيفية توجّه الأنظار علينا، ما يزيد بدوره مستوى الاحمرار والأفكار السلبية التي تتسبب بالشعور بمزيد من الارتباك والقلق، فالرهاب يخلق لنا الخوف من أن نكون محطّ اهتمام على نحو سيء ومتعب للغاية بغض النظر إذا لم نكن في موقف محرج أو لم يركز الآخرون اهتمامهم علينا.

الأعراض

إن أبرز المفارقات كون أقوى أعراض الخوف من احمرار الوجه هو تفاقم الحالة عمومًا، لأنه من المرجح أن يزداد الاحمرار أكثر فأكثر كلما فقد الشخص التحكم بزمام الأمر وخرج الموقف عن السيطرة، إضافة إلى أنه قد يترافق بأعراض الرهاب الأخرى الشائعة مثل: الرجفان والتعرق وتزايد معدل ضربات القلب وصعوبة التنفس طبيعيًا، وقد يحدث تلعثم بالكلام ويستحيل مواصلة النقاش إطلاقًا.

وفي مراحل متقدمة قد يتطور الأمر إلى توقع القلق المستمر، فيفزع المريض من احتمال حدوث موقف يتسبب له بالاحمرار. والبدء في تجنب بعض الظروف الاجتماعية، أو قد تصل في الحالات الشديدة إلى تجنبه من الخروج إطلاقًا، والإصابة برهاب اجتماعي إضافي مثل: رهاب المسرح أو الخوف من تناول الطعام أمام الآخرين خوفًا من أن تتسبب هذه الأنشطة برد فعل يحمّر وجهه أمامهم خجلًا.

يتطلب تشخيص الرهاب أعراض تعيق ممارسة الحياة طبيعيًا وتستمر لمدة تزيد عن ستة أشهر، إضافةً إلى عدم تناسب الخوف أو القلق فعليًا مع الخطر وأن يتجاوز الخوف حدوده الطبيعية محدثًا ضيق شديد أو سلوكيات التهرّب والاجتناب.

العلاج

يُحدد العلاج بناءً على حدة الأعراض ومدى تعقيدها، وفي كثير من الأحيان لا يكون مبعث الخوف من الاحمرار بحد ذاته، بل يكون بالواقع من تصوّر ردود فعل الآخرين حيال الاحمرار الناتج.

تعالج خيارات العلاج المختصرة مثل: العلاج السلوكي المعرفي (CBT) عن طريق تعلّم أنماط تفكير وسلوكيات جديدة تخفف من الخوف، إضافةً إلى توفر الأدوية التي تدخل غالبًا في الخطة العلاجية.

ربما يكون العلاج بالمواجهة أو إزالة التحسس أكثر تعقيدًا نظرًا لأن هذا الخوف أقل وضوحًا من أنواع الرهاب المعينة الأخرى، لأنه يتوجّب على المريض أن يكون أكثر راحة وانضباطًا لذاته في المواقف التي تحرض احمرار الوجه وما يعقبها من آثار أخرى بدلًا من تورّد الوجه و الاحمرار خجلًا، لكن يمكن التغلب على هذا الخوف بمساعدة المعالج وإرشاداته.

يتوفر إلى جانب العلاج السلوكي والأدوية العلاج بالجراحة أيضًا، وتكون مفيدة في حالات نادرة للحد من احمرار الوجه، ولكن لا يُنصح بها عمومًا.

اقرأ أيضًا:

ما هو تفسير الشعور بالخجل ؟

كل ما تحتاج معرفته عن الرهاب Phobia

ترجمة: رغد شاهين

تدقيق: آية إبراهيم

مراجعة: باسل حميدي

المصدر