الفيزياء الكونية هي فرع من علوم الفضاء الذي يطبق قوانين الفيزياء والكيمياء في شرح ولادة وموت النجوم ، والكواكب، والمجرات، والسدم (جمع سديم) والأمور أو الأشياء الأخرى الموجودة في الكون. الفيزياء الكونية لها نوعان من العلوم المترابطة أو المتقاربة، علم الفلك وعلم الكونيات، والخطوط ضبابية بينهما.
بالمعنى الأكثر صلابة:
- يقيس علم الفلك (Astronomy) المواقع، واللمعان (التألق)، والحركات وغيرها من الخصائص والمميزات
- بينما الفيزياء الكونية (Astrophysics) تنشئ نظريات فيزيائية لهياكل صغيرة الحجم وصولًا إلى المتوسطة في الكون.
- والآن علم الكونيات (Cosmology) يفعل ذلك للهياكل الأكبر، والكون ككل.
عمليًا، تُشكِل هذه المهن الثلاث عائلةً مترابطةً متينة. اسأل مثلًا عن موقع السديم أو ما نوع الضوء المنبعث منه، ومن المحتمل أن يجيبك عالم الفلك أولًا. اسأل من ماذا يتكون السديم وكيف تشكل، وسيقفز عالم الفيزياء الكونية لإجابتك.
اسأل عن كيف لهذه البيانات أن تتناسب مع تشكل الكون، ومن المرجح أن يقوم عالم الكون بالخطوة والقفزة المناسبة للإجابة. ولكن امتثل الحذر من أية من هذه الأسئلة، فقد يبدأ اثنان أو ثلاثة من العلماء في التحدث والإجابة في آن واحد!
أهداف الفيزياء الكونية:
يسعى علماء الفيزياء الكونية لفهم الكون ومكاننا فيه. في ناسا، أهداف الفيزياء الكونية متمثلة في: «اكتشاف كيفية عمل الكون ، واستكشاف كيف بدأ وتطور، والبحث عن حياة على كواكب حول نجوم أخرى»، وفقًا لموقع ناسا. وذكرت ناسا أن أهدافًا كهذه ينتج عنها ثلاثة أسئلة عامة:
- كيف يعمل الكون ؟
- كيف وصلنا إلى هنا؟
- هل نحن بمفردنا؟
لقد بدأ هذا مع إسحاق نيوتن:
في حين أن علم الفلك هو أقدم العلوم، بدأت الفيزياء الكونية مع إسحاق نيوتن (Isaac Newton). وقبل نيوتن، وصف علماء الفيزياء الكونية حركة الأجسام السماوية باستخدام رياضيات معقدة دون أساس مادي (فيزيائي).
أظهر نيوتن أن نظريةً واحدةً تفسر بآن واحد مدارات الأقمار والكواكب في الفضاء ومسار كرة المدفع (cannonball) على الأرض. هذا أضاف إلى مجموعة الأدلة -في ذلك الوقت- خاتمةً واستنتاجًا مذهلًا بأن السماوات والأرض تخضعان لنفس القوانين الفيزيائية.
ربما أكثر ما فصله تمامًا نموذج نيوتن عن النماذج السابقة هو أنه تنبؤي ووصفي. استنادًا على الانحرافات في مدار أورانوس، تنبأ علماء الفلك بمكان وجود كوكب جديد، الذي لوحظ آنذاك وأُطلق عليه اسم نبتون. أن تكون متنبئًا ووصفيًا هذه علامة على علم ناضج مدروس، وعلم الفيزياء الكونية يتموضع في هذا التصنيف.
أحداث هامة في تاريخ الفيزياء الكونية:
نظرًا إلى أن الطريقة الوحيدة التي نتفاعل بها مع الأجسام البعيدة هي عن طريق مراقبة الإشعاعات المنبعثة منها، فإن الكثير من الفيزياء الكونية يرتبط باستنتاج نظريات تشرح الآليات التي تُنتج هذا الإشعاع، وتقدم أفكارًا عن كيفية استخراج معظم المعلومات منه.
برزت الأفكار الأولى عن طبيعة النجوم في منتصف القرن التاسع عشر (mid 19th century) علم التحليل الطيفي المزدهر، ما يعني مراقبة ترددات معينة للضوء، التي تمتصها مواد معينة وتنبعث منها عند تسخينها. يبقى التحليل الطيفي أساسيًا وضروريًا لنجاح علوم الفضاء، سواء كان ذلك في التوجيه أو اختبار نظريات جديدة.
قدم علم المراقبة الطيفية المبكر أول دليل على أن النجوم تحتوي على مواد موجودة أيضًا على الأرض. كما أنه كشف أن بعض السدم غازيةً بالكامل، بينما يحتوي بعضها الآخر على نجوم. وذلك قد ساعد فيما بعد على ترسيخ فكرة أن بعض السدم لم تكن سدمًا على الإطلاق؛ بل كانوا عبارةً عن مجرات أخرى!
ففي أوائل العشرينيات من القرن العشرين (١٩٢٠)، اكتشفت سيسيليا باين (Cecilia Payne)، باستخدام المراقبة الطيفية (Spectroscopy)، بأن النجوم هي في الغالب هيدروجين؛ على الأقل حتى تصل للشيخوخة. سمحت الأطياف التابعة للنجوم أيضًا لعلماء الفيزياء الكونية بتحديد السرعة التي تتحرك بها باتجاه الأرض أو بعيدًا عنها. تمامًا كالصوت المنبق من المركبة الذي يختلف بحسب إذا كانت المركبة متوجهةً نحونا أو بعيدًا عنا، بسبب تأثير دوبلر، فإن أطياف النجوم ستتغير بنفس الطريقة.
في ثلاثينيات القرن العشرين (١٩٣٠)، عبر دمج تأثير دوبلر ونظرية آينشتاين للنسبية العامة، قدم إدوين هابل(Edwin Hubble) دليلًا قويًل بأن الكون يتوسع. وهذا أيضًا ما تنبأت به نظرية آينشتاين، وشكلت نظرية آينشتاين وتأثير دوبلر معًا الأساس لنظرية الانفجار الكبير.
وفي منتصف القرن التاسع عشر أيضًا، تكهن الفيزيائيان اللورد كلفن (ويليام طومسون William Thomson) وجوستاف فون هلمهولتز(Gustav Von Helmholtz) بأن الانهيار الجاذبي يمكن أن يزود الشمس بالطاقة، ولكن في النهاية أدركا بأن الطاقة المولدة بهذه الطريقة ستستمر 100000 (مئة ألف) عام فقط. بعد مرور خمسين عامًا.
أعطت معادلة آينشتاين الشهيرة E=mc2 علماء الفيزياء الكونية أول دليل لمعرفة ما قد يكون المصدر الحقيقي للطاقة (على الرغم من أنه تبين أن الانهيار الجاذبي قد يلعب دورًا هامًا). مع نمو الفيزياء النووية وميكانيكا الكم (الكمومية) وفيزياء الجسيمات في النصف الأول من القرن العشرين، أصبح من الممكن صياغة نظريات حول كيف يمكن الانصهار النووي أن يمد النجوم بالطاقة. هذه النظريات تصف كيفية تشكل النجوم، وكيف تعيش وتموت، وتفسر بنجاح التوزيع المرصود لأنواع النجوم، وأطيافها، ولمعانها (بريقها)، وأعمارها وغيرها من الميزات.
الفيزياء الكونية هي فيزياء النجوم وغيرها من الأجسام البعيدة في الكون ، لكنها أيضًا لا تبعد عن الحياة اليومية. وفقًا لنظرية الانفجار الكبير، النجوم الأولى كانت تقريبًا عبارةً عن هيدروجين بالكامل. عملية الانصهار النووي التي تنشطهم تحطم ذرات الهدروجين لتكون العنصر الأثقل الهيليوم (Helium).
في عام (١٩٥٧)، أظهر فريق العلماء الفلكيين الزوجين جيفري ومارغريت بوربيدج (Geoffrey and Margaret Burbidge)، إلى جانب الفيزيائيين ويليام ألفريد فاولر(William Alfred Fowler) وفريد هويل (Fred Hoyle)، أن النجوم تنتج عناصر أثقل وأثقل مع تقدمها في العمر، فينقلون هذه المواد إلى الأجيال اللاحقة من النجوم بكميات أكبر من أي وقت مضى. فقط في المراحل الأخيرة من حياة النجوم الأكثر حداثةً تُنتَج العناصر المكونة للأرض، مثل الحديد (٣٢.٢٪)، والأوكسجين (٣٠.١٪)، والسيليكون (١٥.١٪).
عنصر آخر من هذه العناصر هو الكربون، والذي يشكل مع الأكسجين الجزء الأكبر من كتلة جميع الكائنات الحية، بما في ذلك نحن. وهكذا، تخبرنا الفيزياء الكونية أنه على الرغم من أننا لسنا جميعًا من النجوم، لكننا جميعًا غبار نجمي (Stardust).
الفيزياء الكونية كمهنة:
كي تصبح عالمًا في الفيزياء الكونية ذلك يتطلب سنوات من المراقبة، والتدريب والعمل. لكن تستطيع أن تصبح مشاركًا في هذا الأمر بطريقة صغيرة حتى في المدارس الابتدائية والثانوية، عبر الانضمام الى أندية علم الفلك، وحضور فعاليات محلية لعلم الفلك، وحضور دورات تعليمية مجانية على الإنترنت في علم الفلك والفيزياء الكونية، ومواكبة الأخبار المتعلقة في هذا المجال على موقع إلكتروني مثل موقع(www.space.com).
في الجامعة، يجب أن يهدف الطالب -في نهاية المطاف- إلى إكمال درجة الدكتوراه في الفيزياء الكونية، ثم تولي منصب ما بعد الدكتوراه في نفس المجال. علماء الفيزياء الكونية يستطيعون العمل لحساب الحكومة، مختبرات الجامعة وفي بعض الأحيان في منظمات خاصة.
يوصي موقع(www.study.com) كذلك بالخطوات التالية لوضعك على طريق الوصول إلى عالم الفيزياء الكونية:
ـ خذ دروسًا في الرياضيات والعلوم كلها خلال المدارس الثانوية. تأكد من أنك تأخذ مجموعةً متنوعةً وواسعةً من حصص العلوم. علوم الفلك والفيزياء الكونية تجمع غالبًا عناصر البيولوجيا، والكيمياء وغيرها من العلوم لفهم الظواهر في الكون بشكل أفضل.
كذلك لا تنسى أن تبقي عيونك جاهزةً لرصد أية فرص عمل صيفية أو أية فترة تدريب للرياضيات أو العلوم. حتى الأعمال التطوعية تسهم في دعم سيرتك الذاتية.
ـ متابعة درجة البكالوريوس في الرياضيات أو العلوم. في حين أن البكالوريوس في الفيزياء الكونية هو الخيار المثالي، وهناك العديد من المسارات الأخرى لهذا المجال. تستطيع أن تقوم بدراسة علم الكمبيوتر، مثلًا، فهو أمر مهم لمساعدتك في تحليل البيانات. من الأفضل التحدث إلى مستشار التوجيه بالمدرسة الثانوية أو الجامعة المحلية لمعرفة وإيجاد برامج الشهادات التي من الممكن أن تساعدك.
ـ خذ الفرص البحثية. العديد من الجامعات لديهم مختبرات يشارك بها الطلاب في الاكتشافات، وفي بعض الأحيان قد تُنشَر. وكالات مثل ناسا أيضًا توفر دورات تدريبية من وقت لآخر.
ـ الانتهاء من الدكتوراه في تخصص الفيزياء الكونية. شهادة الدكتوراه (Ph.D)، هي رحلة طويلة، لكن مكتب إحصاءات العمل في الولايات المتحدة يشير إلى أن معظم علماء الفيزياء الكونية يمتلكون شهادة دكتوراه. تأكد من شمل دروس ودورات في علم الفلك، وعلوم الحاسوب، والرياضيات، والفيزياء والإحصاءات للحصول على قاعدة واسعة من المعرفة.
ناتالي هينكل (Natalie Honkel)، عالمة فيزياء كونية كوكبية كانت في جامعة ولاية أريزونا، أجرت مقابلةً مطولةً مع Lifehacker -مدونة على شبكة الإنترنت حول اختراقات الحياة والبرامج التي أُطلقت في ٣١ يناير ٢٠٠٥- في عام (٢٠١٥)، قدمت فيها لمحةً عن المكافآت والتحديات المتمثلة في أن تكون باحثًا مبتدئًا في الفيزياء الكونية. وصفت العدد الطويل من السنوات التي قضتها في إجراء أبحاثها، وتغييرها المتكرر للوظائف، ساعات عملها وكيفية أن تكون امرأةً في مجال تنافسي. هي قدمت أيضًا فكرةً مثيرةً للاهتمام حول ما فعلته كل يوم؛ القليل من وقتها كان ينقضي في استخدام التلسكوب.
قامت هانكل بإخبار Lifehacke: »أقضي الغالبية العظمى من وقتي في البرمجة. يفترض معظم الناس أن علماء الفلك يقضون كامل وقتهم في استخدام التلسكوب، لكن هذا جزء صغير جدًا من العمل، إن وجد». وأضافت: «أقوم ببعض الرصد، لكن في السنوات القليلة الماضية لقد كنت أرصد مرتين فقط لمدة أسبوعين تقريبًا«.
وقالت: «بمجرد حصولك على البيانات، يجب عليك الحد منها (أي إخراج الأجزاء السيئة منها ومعالجتها للحصول على معلومات حقيقية»، كما أضافت: «عادةً تدمج مع بيانات أخرى لرؤية الصورة الكاملة، ثم اكتب ورقةً حول النتائج التي توصلت إليها. نظرًا لأن كل عملية رصد تؤدي عادةً إلى إنتاج بيانات من نجوم متعددة، فلن تحتاج لاستهلاك وقتك بالكامل في استخدام التلسكوب للحصول على عمل كاف«.
موارد إضافية:
- تاريخ الفيزياء الكونية
- صانع الزجاج الذي أثار الفيزياء الكونية
اقرأ أيضًا:
- أفضل كتب علم الفلك والفيزياء الفلكيّة
- ماذا يحدث إذا تصادمت العناقيد المجرية؟ تعرف على العواصف الكونية
ترجمة: رهف منويلا رافع النبواني.
تدقيق: بوغوص حنا يوسيف.