ما هي الفائدة من إنتاج أجنة مهجنة بين البشر والحيوانات؟
أثار فريق من العلماء من معهد Salk Institute بالولايات المتحدة الأمريكية ضجة الأسبوع الماضي بعد الإعلان عن استنبات أجنة مهجنة بين البشر و الخنزير. و قد تم ذكر القصة على نطاق واسع، بالرغم من أن بعض منافذ الإعلام استعملت لهجة أكثر شدة من غيرها.
و قد يتساءل البعض ما الغرض من استنبات العلماء لهجائن بين الإنسان و الحيوان – و هي مخلوقات غالبًا ما يطلق عليها اسم الكيميرا chimeras- بعد المخلوق الأسطوري اليوناني بملامح الأسد و الماعز و الثعبان.
إلا أن الغاية لا تتجلى فقط في إيجاد مخلوقات جديدة و عجيبة. فالكيميرا جدًا مفيدة في فهم كيفية نمو و تطور الحيوانات، كما يمكن أن تستخدم يومًا ما في زراعة الأعضاء لإنقاذ أرواح البشر.
الخلايا القادرة:
لم يسمح لأجنة الخنزير المهجنة التي أنتجها Juan Ezpisua Belmonte و Jun Wu و فريقهما بمعهد Salk بأن تتطور، و قد كانت تحتوي على خلايا إنسانية في عدة أنسجة.
و كانت النسبة الفعلية لخلايا الإنسان في الكيميرا منخفضة جدًا، كما تعارض وجودها مع النمو، و مع ذلك، فإن هذه الدراسة تمثل خطوة أولى في مسار جديد من الأبحاث حول الخلايا الجذعية، إلا أنها تثير أيضا بعض المخاوف من الناحية الأخلاقية.
الكيميرا هو كائن يحتوي على خلايا من نوعين أو أكثر، و هي ظاهرة من الممكن أن تحدث في الطبيعة، و إن كانت بشكل نادر.
فأحيانًا، تتعرض قردة المارموسيت Marmoset للكيميرية في الدم و الأنسجة الأخرى كنتيجة لنقل الخلايا بين التوائم عند تواجدهم بالرحم.
بينما عند الإنسان، بعد نجاح عملية زرع النخاع العظمي لعلاج سرطان الدم، أصبح لدى المريض، بالإضافة إلى الخلايا الخاصة به، خلايا المتبرع في نخاعه العظمي.
من جهة أخرى، يمكن إنتاج الكيميرا إصطناعيًا بالمختبر وذلك بالجمع بين الخلايا من أجنّة أولية، إما من نفس النوع أو من أنواع مختلفة. و يعتبر إيجاد فئران كيميرية أمر أساسي للبحث في مجال البيولوجيا التطورية، علم الوراثة، الفيزيولوجيا و علم الأمراض.
و قد أصبح هذا ممكنًا بفضل التقدم في استهداف الجينات في الخلايا الجدعية الجنينية، مما يسمح للعلماء بتغيير بعض الخلايا إما للتعبير أو لإسكات بعض الجينات، مع القدرة على استعمال هذه الخلايا في تطوير الكيميرا، و قد تمكن العلماء بفضل هذه التقنيات من إنتاج حيوانات يمكن استخدامها لدراسة كيفية تأثير الجينات على الصحة و كيف تتدخل في الأمراض.
و يعتبر العالم Oliver Smithies، Mario Cappechi ، Martin Evans من رواد هذه التقنية حيث حازوا على جائزة نوبل للفيزيولوجيا و الطب سنة 2007 عن أبحاثهم في هذا المجال.
انصب اهتمام العلماء في الآونة الأخيرة، على البحث فيما إذا كانت الخلايا الجذعية متعددة القدرات التي تم الحصول عليها من أجنة بشرية أو التي تم إنشاؤها بالمختبر يمكن أن توظّف في إنشاء أنسجة لحيوانات كيميرية.
يمكن زراعة الخلايا الجذعية متعددة القدرات ذات الأصل البشري في المختبر، و يمكنها أن تشكل جميع أنسجة الجسم، شأنها في ذلك شأن نظيراتها عند الفئران. و قد أثبت العديد من الباحثين أن بإمكانهم صنع أنسجة بشرية وظيفية ذات أهمية طبية انطلاقًا من خلايا جذعية متعددة القدرات للإنسان، مثل الأعصاب، القلب، الكبد و خلايا الكلي.
و بالفعل، فالعلاجات الخلوية انطلاقًا من الخلايا الجذعية البشرية هي في طور التجارب السريرية في حالات إصابات الحبل الشوكي، مرض السكري و كذلك الضمور البقعي.
اتضح منذ العام 2007 أنه لا يوجد نوع واحد فقط من الخلايا الجذعية المحفزة، حيث تم إنشاء أنواع مختلفة من الخلايا الجذعية متعددة القدرات عند الإنسان و الفئران باستعمال تقنيات مختلفة.
و يبدو أن هذه الخلايا تتطابق مع الخلايا في مختلف مراحل التطور الجنيني، و بالتالي فمن المرجح أن يكون لها خصائص مختلفة مما يطرح تساؤلات عن أفضل مصدر للخلايا.
لطالما اعتبر الباحثون أن استنبات الهجين كمعيار لتحديد قوة الخلايا الجذعية متعددة القدرات، و في الوقت الذي تُستخدم فيه و بشكل مكثف في الدراسات على الخلايا الجذعية الحيوانية، فإن الدراسات الكيميرية باستخدام خلايا جذعية بشرية تشكل تحدّياً بما أن عددًا قليلًا من الخلايا البشرية هي التي تستطيع أن تبقى على قيد الحياة ضمن الهجين بين الإنسان و الحيوان.
التطبيقات الطبية:
على الرغم من أن عدد الخلايا البشرية في الجنين المهجن كان ضعيفًا، إلا أن نتائج البحث الذي أجري بمعهد سالك salk توفر وسيلة جديدة لتحقيق هدفين مهمين:
1- الهدف الأول هو إمكانية ايجاد حيوانات ذات خصائص بشرية من أجل استعمالها في البحوث الطبية الحيوية.
فالبرغم من أن إمكانية ايجاد فئران باستخدام دم الإنسان قائمة، مما يتيح معرفة كيفية عمل وظائف الدم و النظام المناعي ، فإن هذه الحيوانات تعتمد على استعمال أنسجة أجنة بشرية و يصعب تطويرها.
إن استعمال الخلايا الجذعية في إيجاد كائنات مهجنة بين الإنسان و الحيوان يمكن أن يسهل على المدى البعيد، استنبات فئران بخلايا دم بشرية، أو أنسجة أخرى مثل الكبد أو القلب، مما يمكن أن يزيد من إمكانية دراسة تطور بعض الأمراض و كذلك تطوير أدوية جديدة لعلاجها.
2- الهدف الثاني من استنبات الهجين بين الإنسان و الحيوان له علاقة بدراسات أجريت في اليابان سنة 2010، حيث استطاع الباحثون إيجاد هجين بين نوعين، بعد إدخال خلايا جذعية للجرذان داخل جنين فأر إلى جين أساسي لتطور البنكرياس.
و كنتيجة لذلك، فإن الفئران المتزايدة كانت تمتلك بنكرياس وظيفية و تعمل بشكل جيد، و تحتوي على خلايا الجرذان. إذا كان من الممكن تحقيق نتائج مماثلة بالنسبة للخلايا البشرية في هجين الخنزير، فإن هذا من شأنه أن يشكل مصدرًا جديدًا للأعضاء البشرية بغرض الزرع.
الحدود الأخلاقية:
رغم أن تحقيق مثل هذه الأهداف يبقى بعيد المنال، فإنه من شبه المؤكد أن التقدم في بيولوجيا الخلايا الجذعية سيمكن من نجاح هده التجارب، فإلى أي مدى يمكن اعتبار هذه التجارب مقبولة أخلاقيًا؟ و إلى أي مدى يمكن أن تصل حدودها؟
قد يتقبل كثيرًا من الناس فكرة استخدام الخنزير من أجل التغذية أو لاستبدال صمامات القلب، كما يمكنهم تقبل استعمال أجنة الخنازير كحاضنات لتصنيع أعضاء بشرية كالبنكرياس و القلب من أجل الزراعة. إلا أن استخدام كيميرا بين الإنسان و القردة قد يشكل مصدرًا أكثر إثارة للجدل.
و قد بيّنت الدراسات أن الخلايا الأولية للجهاز العصبي المصنوعة من خلايا جذعية بشرية يمكن أن تستعمل في استنساخ أدمغة فئران حديثي الولادة، مما يؤكد نظرية إمكانية العلاجات الخلوية. و لكن ماذا عن زرع خلايا بشرية في أجنة القردة؟ ماذا سيكون الوضع الأخلاقي و المعرفي لقرد يملك دماغًا متكون أساسًا من النسيج العصبي البشري؟
قد يكون من الممكن استخدام الهندسة الوراثية لتمكين الخلايا البشرية من النمو بشكل فعال في جسم المضيف، و لكن كيف نضمن أن هذه الخلايا لن تتدخل أيضًا في أعضاء أخرى مثل الأعضاء التناسلية؟
و في الوقت الذي شكل فيه الإعلان عن استنبات أجنة مهجّنة بين الإنسان و الخنزير العديد من المفاجآت، فإن المنظمين و الباحثين في مجال الطب يعلمون جيدًا أن الأبحاث الكيميرية تثير إشكالات بالإضافة إلى تلك التي تطرحها الأبحاث على الحيوانات.
و مع ذاك، فبدلًا من الدعوة إلى فرض حظر شامل أو منع تمويل هذا النوع من الدراسات، فهو يتطلب بالأحرى ، النظر في كل حالة على حدة من قبل لجان للمراقبة تدرك تمامًا قضايا الرفق بالحيوانات و تلم بالمعايير المعتمدة حالياً.
فعلى سبيل المثال، إرشادات الأبحاث السريرية لسنة 2016 و الجمعية الدولية لأبحاث الخلايا الجذعية تمنع الأبحاث التي من شأنها استنبات أمشاج بشرية انطلاقًا من التهجين بين الإنسان و الحيوان، إلا أنها تدعم الأبحاث التي تستخدم كائنات مهجنة بين الإنسان و الحيوان التي أجريت تحت رقابة مناسبة.
إننا في حاجة إلى متابعة الأبحاث حول التهجين، لكن في الوقت نفسه، من الضروري أن يستمر العلماء المشاركين في هذا المجال في النقاش و دراسة الآثار المترتبة على أبحاثهم. يمكن أن تُرفض فكرة الكيميرا ببساطة مثل الوحوش الخرافية المثيرة للرعب.
Martinn Pera أستاذ ورئيس سابق لبرنامج الخلايا الجذعية أستراليا- جامعة ملبورن
Megan Munsie رئيس قسم التعليم والأخلاق والقانون و وحدة التوعية المجتمعية والخلايا الجذعية -أستراليا.
ترجمة: زينب الشقيري
تدقيق: أسمى شعبان