إنّ الجدال حول حوادث إطلاق النار العشوائيّة في الولايات المتحدة أصبح ذا طابع سياسيّ واضحٍ، ويحاول الأطباء التوصل لأسبابه باستخدام البيانات والمنطق.
توصّل فريق البحث إلى أربعة عوامل اجتماعيّة رئيسيّة من الممكن أن تؤدي إلى تلك الحوادث بواسطة تطوير ملفاتٍ متعلّقة بالمجتمعات التي كثرت فيها هذه الحوادث.
من باب التوضيح، تلك العوامل مبنيّة على أساس الترابط بينها وبين الحوادث فقط.
ولكن، في حال أُثبِتَت فعاليّتها على التنبؤ فستكون أداةً مفيدةً للغاية في سياسة الصحّة العامة.
يقول (ستيفن ماركوايك – Stephen Markowiak) نائب الجراحة العامة وباحث في جامعة توليدو في أوهايو: «عادةً ما تتلقى حوادث إطلاق النار اهتمامًا بعد دخول ضحاياها قسم الطوارئ في المستشفى فقط.
لكن إذا أردنا أن نفيد مجتمعاتنا فعًلا وإحداث فرق، علينا أن نرى الأزمة من وجهة نظر صحة العامة وأثر ذلك عليها».
المعلومات التي استعملها ستيفن وفريقه لتطوير تلك الملفات وردت من مصادر عدّة تتضمن المباحث الفدراليّة، ومكتب الولايات المتّحدة للتعداد السكانيّ، ومركز مكافحة الأمراض، بالإضافة إلى عشرة مصادر موثوقة أخرى.
قام فريق البحث باستخدام بيانات الحوادث التي تجاوزعدد الضحايا فيها الأربع ضحايا، واستبعدوا الحوادث التي حفّز إطلاق النار فيها دافعًا واضحًا كالسرقة أو انتهاكات العصابات.
وجدت الدراسة في المجمل 155 حادث إطلاق نارٍ جماعيّ في الأعوام بين 2005-2018، وتمّت مقارنتهم بـِ180 عاملٍ اجتماعيّ صحيّ داخل المجتمعات المتأثرة بتلك الحوادث.
استنتج ستيفن أنّ أفراد المجتمعات التي تتكرر فيها تلك الحوادث بشكلٍ عام يعانون صحيًّا أكثر من غيرهم.
اعتُبِرَت سهولة الوصول لمتخصصين في مجال الصحة النفسيّة -مثل الأطباء النفسيين- أحد العوامل الرئيسيّة المُسببة للظاهرة.
حيث أنّ المجتمعات التي تواجه صعوبةً في ذلك وتعاني من عدم تلبية الاحتياجات النفسيّة لأفرادها، أكثر تعرضًا بشكلٍ واضح لحوادث إطلاق النار الجماعيّة.
كان هذا واضحًا بشكلٍ جليّ في المناطق الحضريّة.
كشفت الدراسة عدم تكافؤ بين عدد الأطباء النفسييّن وعدد المرضى الذين يحتاجون علاجًا لأمراضهم النفسيّة.
علَّق ستيفن قائلًا: «بعد إمعان النظر إلى بياناتنا، اتضح أنّ انخفاض نصيب الفرد من عدد أخصائيي مجال الصحّة النفسيّة يضرّ المجتمع، خاصةً إذا زاد عدد المرضى عن المتوسط الوطنيّ، وهو 490 مريض لكلّ طبيبٍ نفسيّ.
ما يُظهِر مدى خطورة نقص الأطباء وعلماء النفس على النطاق الوطنيّ».
كما أنّ تأثير مدى التقارب بين أفراد المجتمع مهمٌ، فقد أظهرت البيانات أنّ التفاعل الاجتماعيّ والتواصل يقلّلان من نسبة الحوادث المتعلقة بإطلاق النار.
بالطبع للمال دور هام أيضًا.
وجدت الدراسة أنّ التفاوت في مستوى المعيشة لدى الأفراد، وزيادة تكاليف السكن، والازدحام السكانيّ والنقص في المرافق العامّة، جميعها اعتُبِرت أسبابًا في زيادة عدد تلك الحوادث المؤسفة.
أضاف ستيفن: «لو ركّزنا على جعل مجتمعاتنا أماكن صحيّةً أكثر، حيث نسهّل الوصول لأطباء الأمراض النفسيّة، وعززّنا الروح الجماعيّة والإحساس بالانتماء إلى المجتمع، أعتقد أنّ دراستنا تُشير إلى أنّ معدّل تلك الجريمة سينخفض».
كان إيجاد علاقة ترابطٍ بين قوانين ضبط حمل السلاح وحوادث إطلاق النار أكثر صعوبةً.
لكن، بعد أخذ الأحوال المدنية، وعدد الرجال من فئة عمريّة معينة، والكثافة السكانيّة، بعين الاعتبار، توصّل العلماء للاستنتاج أنّ عدد تلك الحوادث ينخفض في الولايات التي تعزز الرقابة على السلاح، خاصةً عندما اقتُرِنَت تلك القوانين المتشددة بفحص الحالة النفسيّة والعقليّة لراغبي شراء الأسلحة.
عمومًا، توصّلت الدراسة إلى أنّ العوامل الأربعة الرئيسيّة في تحديد نسبة الجريمة هي: قلّة عدد الأطباء النفسيين، وعدم التكافؤ في الفرص الاجتماعيّة، وارتفاع معدّلات التفاوت في الدخل، والتخاذل في الرقابة على الأسلحة، وعدم تطبيق قوانين ضبط حملها، هي الأسباب المحتملة وراء زيادة حوادث إطلاق النار الجماعيّة.
اختتم ستيفن بقوله: «أردنا أن نرى إلى أين ستوصلنا دراستنا الشاملة، وتفاجأنا بالنتائج.
أتمنى أن يكون مشروعنا هو منصة انطلاقٍ لدراساتٍ مستقبليّة عدّة تتناول هذا الموضوع الشائك – العنف المسلّح».
- ترجمة: چينا عماد جمال.
- تدقيق: آية فحماوي.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر