ما هي الزراعة المستدامة. هناك تحول يحدث في المزارع في جميع أنحاء الولايات المتحدة. إذ وعلى مدى عقود كنا ننتج الجزء الأكبر من غذائنا عن طريق الزراعة الصناعية، وهو نظام تهيمن عليه المزارع الكبيرة التي تزرع نفس المحاصيل عامًا بعد عام، مستخدمةً في هذه الزراعة كميات هائلة من المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية التي تتلف التربة والماء والهواء والمناخ، وهذا النظام ليس مبنيًا ليدوم طويلًا، فهو يهدر الموارد التي يعتمد عليها ويقلل من جودتها.
ولكن يوجد عدد متزايد من المزارعين والعلماء المبتكرين الذين يسلكون مسارًا مختلفًا ويتجهون نحو نظام زراعي أكثر استدامةً بيئية واقتصادية واجتماعية. إذ يوفر هذا النظام مساحةً للمزارع من جميع الأحجام، ما ينتج مجموعة متنوعة من الأطعمة والألياف والوقود المعدلة حسب الظروف المحلية والأسواق الإقليمية، ويستخدم أحدث الممارسات الإبداعية القائمة على العلم والتي تحقق أقصى قدر ممكن من الإنتاجية والربح، مع تحقيق أقل قدر ممكن من الأضرار البيئية.
يدّعي بعض مؤيدي الزراعة الصناعية أن من آثار هذا التغيير السعر الذي يجب أن ندفعه لإطعام العالم، لكن في الواقع، فإن مجموعة متزايدةً من الأدلة العلمية تدحض هذا الادعاء، وتشير إلى أن نموذجًا أكثر استدامةً يمكن أن يكون مربحًا بنفس القدر ويلبي احتياجاتنا على المدى طويل.
مبادئ الزراعة المستدامة:
إذن، الزراعة المستدامة هي موجة المستقبل، ولكن ما هي بالضبط؟
في مجال الزراعة تُعتبر الاستدامة فكرةً معقدةً ذات جوانب كثيرة:
– اقتصادية: يجب أن تكون المزرعة المستدامة من الأعمال المربحة التي تسهم في اقتصاد قوي.
– اجتماعية: يجب أن تتعامل بنزاهة مع عمالها وتكون لها علاقة متبادلة المنفعة مع المجتمع المحيط.
– بيئية: الاستدامة البيئية في الزراعة تعني الإدارة الجيدة للنظم والموارد الطبيعية التي تعتمد عليها المزارع، وتتضمن أمورًا أخرى تشمل:
– البناء والحفاظ على تربة صحية.
– التحكم بالمياه بحكمة.
– التقليل من تلوث الهواء والماء والمناخ.
– الترويج للتنوع البيولوجي .
هناك مجال كامل من البحوث مكرس لتحقيق هذه الأهداف يُعرف بعلم البيئة الزراعية أو الأغرويكولوجيا- agroecology أي علم إدارة المزارع كنظم بيئية من خلال العمل مع الطبيعة وليس ضدها، إذ يمكن للمزارع المُدارة تحت المبادئ البيئية الزراعية تجنب الآثار الضارة دون المساس بالإنتاجية أو الربح.
هل المستدامة تعني عضوية؟
في حين أن معظم الأمريكيين ربما لم يسمعوا عن البيقية الموبرة أو شرائح (شرائط) البراري أو غيرها من الميزات الأساسية للمزارع المستدامة، فإن أي شخص زار السوق مؤخرًا قد سمع عن الأغذية العضوية. تضم حركة الزراعة العضوية، والتي يعود تاريخها إلى أوائل القرن العشرين، نظامًا من ممارسات الاستدامة التي دُوّنت في معايير شهادات محددة من قبل وزارة الزراعة الأمريكية. يمكن للمزارع التي تحترم هذه المعايير تصنيف منتجاتها على أنها (عضوية – USDA Organic)، وهي ميزة يبحث عنها المزيد والمزيد من المتسوقين.
العضوية والمستدامة كلمتان غير مترادفتين تمامًا، إذ تترك المعايير العضوية الحالية مجالًا لبعض الممارسات التي تُعتبر غير مثالية من وجهة نظر الاستدامة، كما أن ليس كل المزارعين الذين يستخدمون ممارسات مستدامة مؤهلون للحصول على شهادة وزارة الزراعة الأمريكية أو يسعون لها.
مع ذلك، من المرجح بدرجة كبيرة أن منتجات الفواكه والخضروات العضوية المعتمدة التي تجدها في السوق هي أكثر استدامةً من تلك المحلية المزروعة تقليديًا. لذلك إذا كانت قاعدتك الأساسية هي “ابحث عن الملصق العضوي”، فمن غير المحتمل أن تكون مخطئًا.
ممارسات الزراعة المستدامة:
على مدى عقود من العلم والممارسة، ظهرت العديد من الممارسات الزراعية المستدامة الرئيسية مثل:
– تناوب المحاصيل واعتناق التنوع: إن غرس مجموعة متنوعة من المحاصيل يمكن أن تكون له فوائد عديدة بما في ذلك توفير تربة صحية وتحسين مكافحة الآفات. وتشمل ممارسات تنويع المحاصيل البيئية تداخل المحاصيل intercropping- أي زراعة مزيج من المحاصيل في نفس المنطقة، والتناوب المعقد للمحاصيل لعدة سنوات.
– زراعة محاصيل الغطاء الأخضر: تُزرع هذه المحاصيل مثل البرسيم أو البيقية الموبرة في أوقات المواسم التي قد تُترك فيها التربة عارية. تحمي هذه المحاصيل صحة التربة وتبنيها عن طريق منع التعرية وتجديد مغذيات التربة ومراقبة الأعشاب الضارة، ما يقلل الحاجة إلى مبيدات الأعشاب.
– التقليل أو الامتناع عن الحرث: الجرف التقليدي (الحرث) يحضّر الحقول للزراعة ويمنع العديد من المشاكل التي قد تصيب البذور، ولكن يمكن أن يسبب الكثير من فقدان التربة. ويساهم الامتناع عن الحرث، أو الحرث المخفف الذي ينطوي على إدخال البذور مباشرة في التربة غير المحروثة، في التقليل من التآكل والتعرية، ويحسن صحة التربة.
– تطبيق الإدارة المتكاملة للآفات:(IPM) يمكن تطبيق مجموعة من الطرق بما يتضمن ذلك من ضوابط ميكانيكية وبيولوجية بشكل منهجي للحفاظ على تعداد الآفات تحت السيطرة مع تقليل استخدام المبيدات الكيميائية.
– دمج الثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية: تميل الزراعة الصناعية إلى الفصل بين الإنتاج النباتي والحيواني، إذ تعيش الحيوانات بعيدةً عن المناطق التي يتم فيها إنتاج علفها، وتنمو المحاصيل بعيدًا عن الأسمدة الوفيرة المهملة. تبين مجموعة متزايدة من الأدلة أن التكامل الذكي بين إنتاج المحاصيل وتربية الحيوانات يمكن أن يكون توليفةً لمزارع أكثر كفاءةً وربحية.
– اعتماد ممارسات الحراجة الزراعية: عن طريق خلط الأشجار أو الشجيرات في عمليات المزارع، إذ يمكن للمزارعين توفير الظل والمأوى لحماية النباتات والحيوانات وموارد المياه، مع توفير دخل إضافي محتمل.
– إدارة النظم الكاملة والمناظر الطبيعية: إذ تعامِل المزارع المستدامة المناطق غير المزروعة بكثافة أو المزروعة بشكل مكثف جزئيًا مثل المخازن النهرية أو شرائط البراري باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من المزرعة، وتقدر دورها في السيطرة على التعرية (التآكل) وتقليل الجريان السطحي للمغذيات ودعم الملقحات والتنوع البيولوجي الآخر.
وهناك موضوع رئيسي يربط العديد من هذه الممارسات ألا وهو التنويع. ةتبسيط الأمور” هي نصيحة قد تكون جيدةً في العديد من المواقف، ولكن عندما يتعلق الأمر بالزراعة فإن الأنظمة الأكثر استدامةً وإنتاجيةً تكون أكثر تنوعًا وتعقيدًا، مثل الطبيعة نفسها.
علم الزراعة المستدامة:
تُظهر أحدث العلوم، والتي يخرج الكثير منها من مراكز البحوث في الولايات المتحدة، كيف يمكن للممارسات الأغرويكولوجية (الإيكولوجية الزراعية) دعم المزارع الإنتاجية والربحية. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة جارية في مركز أبحاث مارسدين فارم Marsden Farm- التابع لجامعة ولاية أيوا- Iowa State University أن أنظمة دوران (تناوب) المحاصيل المعقدة يمكن أن تتفوق على الثقافة الأحادية التقليدية في كل من الإنتاجية والربحية.
تُعتبر البحوث المتعلقة باستنبات (إنتاج) أنواع جديدة من المحاصيل أمرًا ضروريًا أيضًا لنجاح نظام بيئي زراعي أكثر استدامةً، مما يوفر للمزارعين إمكانية الوصول إلى مجموعة واسعة من أنواع المحاصيل التي يمكن تكييفها بسهولة مع الظروف والممارسات الخاصة بالمزرعة. إلا أنه قد تضاءلت برامج بحوث الاستنبات في السنوات الأخيرة ما ترك المزارعين معتمدين بشكل متزايد على مجموعة محدودة من الأصناف المصممة خصيصًا لتلبية احتياجات المزارع الصناعية.
ولمساعدة المزارعين على تبني ممارسات مستدامة، من الأهمية بمكان أن نستمر في دعم أبحاث علم البيئة الزراعية إلى جانب التوعية والتعليم لمساعدة المزارعين على الاستفادة الفعالة من العلم المتاح. ولتحقيق هذه الغاية، نسّق اتحاد العلماء المعنيين- Union of Concerned Scientists UCS بيانًا وقّعه أكثر من 450 عالمًا وخبيرًا، يدعون فيه إلى زيادة الاستثمار العام في البحوث البيئية الزراعية.
الزراعة المستدامة و السياسة الزراعية:
في حين تواصل السياسة الزراعية للولايات المتحدة وضع حصة الأسد (الرصيد الأكبر) من الموارد العامة وراء دعم الإنتاج الزائد من الذرة وغيرها من المحاصيل السلعية، تتواجد بعض العلامات المشجعة، إذ تضمنت آخر إصدارات مشروع قانون المزرعة Farm Bill- أحكامًا لدعم المزيد من الزراعة العضوية، ولتسهيل الأمر على مزارعي الفاكهة والخضروات للتأهل للحصول على التأمين على محاصيلهم، ولمساعدة المزارعين على اعتماد ممارسات أكثر استدامةً في أراضيهم الزراعية الخاصة.
ولكن إذا أردنا أن تصبح الزراعة المستدامة النموذج السائد في الولايات المتحدة، فنحن بحاجة إلى المضي قدمًا أكثر. فقد نشرت UCS سلسلةً من التقارير والقضايا التي تقدم توصيات لتعزيز الزراعة المستدامة عبر السياسة الزراعية، كجزء من هدفنا العام المتمثل في توجيه نظامنا الغذائي نحو توفير الغذاء الصحي وبأسعار معقولة ومنتجة بشكل مستدام للجميع. ونحن نشجعك على إلقاء نظرة ثم الاتصال بممثليك لمطالبتهم بدعم سياسات الزراعة المستدامة.
اقرأ أيضًا:
عندما تلتقي التكنولوجيا بالزراعة تولد الزراعة العامودية
الحرب السورية تقضي على الزراعة يمكن رؤية آثارها من الفضاء
منسوب غاز الميثان يرتفع عالميًا ، كيف ساهمت الأراضي الرطبة والزراعة في ذلك
تقرير ضخم من وزارة الزراعة الأمريكية متعلّق بالطعام الصحي
الزراعة المكثفة سبّبت تفاقم الجفاف في مدينة من مدن المايا القديمة.
ترجمة: فراس خزام
تدقيق: محمد وائل القسنطيني