إن الحرارة الناتجة عن الإدماج النووي لذرات الهيدروجين لتكوين ذرات الهيليوم هي العمليّة التي تعمل على إمداد نواة الشمس، وهي هائلة للغاية لدرجة أن مادتها غير موجودة كمادة صلبة أو سائلة أو غازية، ولكن في الحالة الرابعة للمادة، وهي غير مألوفة لمعظم الناس، وهي البلازما.
ومع الحرارة العالية، وخليط الجسيمات الموجبة والسالبة في غلاف الشمس الناري، و«التاج الشمسي»، في حالة تغيّرٍ مستمر لدرجة أن الشمس وبكل قوة جاذبيتها لا يمكنها الاحتفاظ بحالتها.
تبدو الشمس هادئة أثناء غروبها الرائع، ولكن بشكل شبه دائم تنفجر بعنف وتطلق سحب بلازما ساخنة.
وبعد السفر مسافة معينة، تصبح البلازما مثل الغاز، وتبلغ درجة حرارة الغاز 1 مليون درجة مئوية، ويتم قذفه للخارج بمئات الكيلومترات في الثانية، ما يؤدي إلى قلب كلّ كوكب ومذنب في طريقه، وتسمى هذه الظاهرة بـ«الرياح الشمسية».
ما الذي يسبب الرياح الشمسية؟
في الحقيقة لسنا متأكدين تمامًا، لقد حيّر الغموض العلماء منذ ستة عقود حتى الآن، ونحن نعلم أن الانبعاثات المفاجئة ناتجة عن المجال المغناطيسي المتقلّب في الشمس، لكن حقلها المغناطيسي معقد للغاية لدرجة أننا لم نتمكن من استيعاب تطوره وسلوكه بشكل كامل.
وفقًا للفيزيائي كريغ ديفوريست (Craig DeForest) فإنّ السبب يكمن في أن البلازما تصبح شبيهة بالغاز، ويحدث ذلك ضمن انتقال البلازما بعيدًا عن مصدرها، حيث تقلّ قوتها المغناطيسية، وتبدأ بالتصرّف مثل الغاز، بدلًا من البلازما المهيكلة بشكل مغناطيسي.
ومع ذلك، فإن تأثيرات الرياح الشمسية التي تصل إلى الأرض مثيرة للاهتمام، فالريح القويّة قادرة على تعطيل الأقمار الصناعية وأنظمة تحديد المواقع العالمية، ما يجعلها تعطي نتائج خاطئة، وغالبًا ما تكون النتائج بعيدة بعشرات الأمتار.
يحرف المجال المغناطيسي للأرض معظم الريح، ولكن في كثير من الأحيان تتسرب الأيونات وتتفاعل مع الغلاف الأرضي لإشعاله، وتنتج الشفق، وهو عروض جميلة للأضواء المتلألئة في سماء القطب الشمالي، والتي يطلق عليها عادة بالشفق القطبي الشمالي.
يشتت المجال المغناطيسي الريح الشمسية، فيحمي الغلاف الجوّي ويحمينا من الإشعاع المدمر.
وسواء كان المذنَّب يتحرك نحو الشمس أو بعيدًا عنها، فإن الرياح الشمسية تدفع ذيله بعيدًا بحيث يبتعد ذيله دائمًا عن الشمس.
وبالمثل عندما يكون كوكب خاليًا من حقل مغناطيسي يتم تجريده من غلافه الجوي؛ لأن الرياح ستحمل معها الجسيمات التي تشكل غلافه الجوي.
فبعد أن توقّف المريخ -ولسبب ما غير معروف- عن توليد حقل مغناطيسي جردته الرياح من غلافه الجوي، ومنذ ذلك الحين، يتعرض سطحه للرياح الشمسية.
يجب على المرء ألّا يخلط بين الرياح الشمسية والتوهجات الشمسية أو الانبعاثات الكتليّة التاجيّة (CME).
وفقًا لوكالة ناسا، فإنّ التوهج الشمسي هو انفجار مكثف للإشعاع قادم من إطلاق الطاقة المغناطيسيّة المرتبطة بالبقع الشمسية، فإذا كنت تظن أن الرياح الشمسية مدمرة، فإن هذا الانفجار يساوي مئة مليون قنبلة هيدروجينيّة، مما يجعلها أقوى الانفجارات في نظامنا الشمسي.
يتمّ التعرف عليه من خلال ظهور النقاط المضيئة على الغلاف الجوي للشمس.
يعدّ موقع التوهّج، منطقة مظلمة على سطح الشمس تحتوي على حقل مغناطيسي غير منتظم، وقد لوحظت البقع الشمسية لتدوير ويمكن أن تكون كبيرة مثل الأرض.
على الرغم من كون انفجار بمثل هذا الحجم مثير للازعاج، إلّا أنه ليس له تأثير كبير علينا لأن المادة التي تم إطلاقها تدريجيا تنتشر وتتوزع في الفضاء.
ثم يحمينا الحقل المغناطيسي للأرض من هذه الظاهرة الشمسية، ومع ذلك، فإن الظاهرة التي غالبًا ما تفشل في حمايتنا منها الـ(CME).
إن الانبعاثات التاجيّة (CME) هي عبارة عن قذف مفاجئ وعنيف من بلايين الأطنان من البلازما من الهالة أو الغلاف الجوي الخارجي للشمس.
تتكوّن الهالة من حقول مغناطيسية قوية للغاية موجودة في حلقات معقدة، عندما تتقلب الحلقات وتتصل ببعضها ويحدث هذا غالبًا فوق البقع الشمسية، حيث يتم إطلاق فقاعات ضخمة من البلازما الحارقة وكمية غير عادية من الطاقة المغناطيسية، وتسرع الطاقة هذه الحركة إلى عدة ملايين من الكيلومترات في الساعة.
وعلى عكس المادة التي تطلق أثناء التوهج، تكون الكتل المتداخلة الكثيفة كثيفة للغاية، وبدلًا من أن تنحرف فإنها تخترق المجال المغناطيسي للأرض وتحفز العواصف المغناطيسيّة الأرضيّة، وهو اضطراب هائل بحيث لا يدمر فقط الأقمار الصناعية المحمولة في الفضاء، ولكن يدمر أيضًا الإلكترونيات على سطح الأرض.
بعد الضربة، يتمّ إضعاف الحقل المغناطيسي للأرض بشكل مأساوي لمدة 6-12 ساعة، حيث يمكن أن يتعرّض الجانب المضاء بنور الشمس في الكوكب لإنخفاض في شدة الكهرباء، وانقطاع موجات الراديو، مع ظهور شفق شديد لمدة تصل إلى بضع ساعات!
وقد يستغرق الحقل المغناطيسي عدة أيام حتى يتعافى تمامًا.
سواء كانت الرياح الشمسية أو التوهجات الشمسية أو الانبعاثات التاجيّة (CME)، ترتبط كلّ ظاهرة ارتباطًا وثيقًا بالحقل المغناطيسي للشمس، وهو أمر لا يزال موضوعًا بالغ الأهمية للبحث المستمر.
يجب جمع المزيد من البيانات، وإجراء المزيد من المحاكاة لنتمكن في نهاية المطاف من التوفيق بين هذه التناقضات الغريبة، مثل كيف يمكن للجسيمات التي تشكل الرياح الشمسية أن تفلت من جذب الشمس بسرعة 145 كم/ثانية، بينما يجب أن تكون السرعة ليتمكنوا من الهروب أكثر من 600 كم/ثانية!
من أين يحصلون على الطاقة الإضافية؟ أو لماذا يكون غلاف الشمس أكثر سخونة من لبّها، بينما منطقيًا العكس هو الصحيح؟
لا يزال يتعيّن علينا الكثير لفهم كامل نجمنا.
- ترجمة: أحمد طريف المدرس.
- تدقيق: صهيب الأغبري.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر