ما الجزر الحرارية؟
الجزر الحرارية مصطلح مناخي يُطلق على ارتفاع درجات حرارة المدن الكبرى، وتحدث هذه الظاهرة بسبب حدوث التنمية الحضرية في المدن واستخدام الطاقة التي قد تزيد في معدلات حرارة الهواء بين 2-6 درجات مئوية.
إذا كنت لا تتحمل الحرارة، غادر المدينة، وانظر إلى تقرير الطقس المحلي، سوف تلاحظ شيئًا غريبًا. درجات الحرارة غالبًا تكون أعلى ببضع درجات في المدينة مقارنة مع المناطق الريفية المحيطة بها.
هذا التفاوت في درجات الحرارة ينتج عن ظاهرة غريبة تعرف باسم تأثير الجزر الحرارية الحضرية.
بمعنى أن التأثير يحول المدن إلى جزر من الحرارة.
بحسب وكالة حماية البيئة الأمريكية، فإن درجات الحرارة في مدن الولايات المتحدة يمكن أن تكون أعلى بعشر درجات فهرنهايت من المناطق المحيطة بها.
عادة ما يكون التفاوت في درجات الحرارة ليس بهذه الضخامة، ولكن بضع درجات يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا، إذ يؤدي الطلب على تكييف الهواء في الصيف إلى ارتفاع فواتير الطاقة.
يجادل الكثيرون بأن هذا يزيد من انبعاث غازات الدفيئة من محطات الطاقة التي توفر هذه الطاقة الإضافية، ولكن من ناحية أخرى يشير البعض إلى أن انخفاض الحاجة إلى الحرارة في فصل الشتاء يعوض التكاليف في فصل الصيف.
إضافةً إلى ذلك، فالمدن الأكثر دفئًا في فصل الشتاء تعني عددًا أقل من الشوارع المغطاة بالجليد.
ولعل أسوأ نتيجة لتأثير الجزر الحرارية هي عدد الوفيات المرتبطة بالحرارة. على الرغم من أن العواصف المتسببة بالضرر تحظى بأكبر قدر من اهتمام وسائل الإعلام، فإن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي تفيد بأن الحرارة عادة ما تكون أكثر فتكًا، ففي الولايات المتحدة تؤدي الحرارة إلى قتل عدد من الناس كل عام أكثر من الأعاصير والفيضانات والبرق بحسب الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي
الفيزياء وراء تأثير الجزر الحرارية
من أجل فهم تأثير الجزيرة الحرارية، نحتاج أولاً إلى فهم بضع قواعد بسيطة للفيزياء. الأهم من ذلك هو أن نفهم أن الأجسام يمكن أن تمتص الضوء وتعكسه.
في الواقع، يعتمد لون الجسم على نوع الضوء الذي يعكسه. على سبيل المثال، الجسم الأخضر يعكس الضوء الأخضر ويمتص جميع الألوان المرئية الأخرى من الضوء. عندما نرى جسمًا أخضر، نعتبره أخضر لأنه يعكس الطول الموجي الأخضر للون إلى أعيننا.
الأجسام الملونة الأكثر قتامة تمتص الضوء أكثر من غيرها، والأسطح السوداء تمتص تقريبًا كل الضوء. من ناحية أخرى، فالأسطح الملونة الأقل قتامة لا تمتص الكثير من الضوء، وإنما تعكس أكثره.
ما علاقة امتصاص الضوء بالحرارة؟
عندما يمتص جسم الضوء، فإنه يحول هذا الضوء إلى طاقة حرارية، وينبعث منه مرة أخرى على هيئة حرارة. وبما أن الأجسام السوداء تمتص المزيد من الضوء، فإنها أيضًا تبعث المزيد من الحرارة. وهذا هو السبب في أن ارتداء قميص أسود في يوم مشمس حار سيجعلك تشعر بالحر أكثر، فالقميص الأسود يمتص الضوء، ويبعث منه حرارة على بشرتك. بينما ارتداء قميص أبيض، سيساعد على عكس ضوء الشمس ويبقيك أكثر برودة.
إن المعدل الذي يعكس به الجسم الإشعاع الشمسي يُسمّى «ألبيدو-Albedo» (مقدار الإشعاع الشمسي المنعكس من الأسطح)، وكلما كان الألبيدو أكبر كان انعكاس الإشعاع أفضل.
الأسفلت التقليدي لديه ألبيدو منخفض، ما يعني أنه يعكس الإشعاع بشكل سيئ وبدلًا من ذلك يمتصه.
عندما نبني ونتوسع في المدن، نميل إلى إنشاء المباني ذات الأسطح الداكنة ورصف الأرضية بالأسفلت. تمتص المباني والأرضية كمية كبيرة من الضوء والإشعاع وينبعث منها على هيئة حرارة، ولأن أكثر من نصف الأسطح في المدن من صنع الإنسان، فإن المدن ترتفع حرارتها أكثر من المناطق الريفية، حيث المباني أقل كثافة.
هذا الامتصاص الحراري هو السبب في أن الفرق في درجة الحرارة بين المدن والمناطق الريفية هو الأعلى بعد ساعات قليلة من غروب الشمس، فالمدن تحتفظ بالحرارة لفترة أطول من المناطق الريفية بحسب وكالة حماية البيئة.
لكن هذا ليس الأمر الوحيد الذي يسبب تأثير الجزيرة الحرارية. يعتقد العلماء أن الغطاء النباتي يؤدي دورًا كبيرًا في الحفاظ على منطقةٍ ما باردةً من خلال عملية تسمى التبريد بالتبخر، عندما يتحول السائل إلى غاز.
إن النبات يأخذ الماء من خلال جذوره ويعتمد عليه في العيش، ولكن بعد امتصاص النبات للماء، يمتص الهواء الجاف تلك المياه بعد تحويلها إلى بخار، ويوفر الهواء الحرارة التي تقود هذه العملية، لذلك خلال العملية، يفقد الهواء الحرارة ويصبح أكثر برودة.
نعاني من نفس الشيء عندما نتعرق، حيث يلامس الهواء بشرتنا المتعرقة، ويمتص الرطوبة التي تبرد الهواء من حولك. ولأن بناء المدينة يعني تشييد المباني بدلًا من الغطاء النباتي، فإن المدينة تفقد مزايا التبريد بالتبخر التي يقوم بها الغطاء النباتي.
كما تساهم عوامل أخرى في هذا التأثير، على سبيل المثال فإن السيارات ومكيفات الهواء التي تنتشر في كل مكان في المناطق الحضرية تحول الطاقة إلى حرارة وتطلق هذه الحرارة في الهواء.
تقنيات الحد من تأثير الجزر الحرارية:
لحسن الحظ، بمعرفة أسباب تأثير الجزر الحرارية ، يمكننا السيطرة عليها إلى حد كبير.
يمكن أن تقلل تقنيات معينة الطلب على تكييف الهواء وتقلل فواتير الطاقة.
بما أن الأسطح القاتمة التي لها قدرة منخفضة على عكس الطاقة الشمسية (ألبيدو منخفض) تسبب تسخين المنطقة الحضرية، فالحل المنطقي هو عكس هذا الاتجاه. قد يقوم المخططون الحضريون بذلك عن طريق طلاء المباني باللون الأبيض، أو ألوان فاتحة أخرى. هذه التقنية الأساسية تقطع شوطًا طويلًا في عكس تأثير الجزيرة الحرارية.
لكن بعض الناس لا يحبون فكرة المدينة البيضاء الساطعة. الطلاء منخفض الانعكاس يوفر بديلًا ويأتي بألوان غير بيضاء. هذه الأنواع من الطلاءات تعكس الإشعاع غير المرئي دون أن تعكس كل الضوء لذلك، فإنها تبقي الجسم باردًا نسبيًا دون الاستغناء عن اللون القاتم. ويمكن أيضًا تطبيق بعض الطلاء عالي الانعكاس على الأسفلت. ومن الأمثلة التي تعالج الأسفلت لجعل سطحه أكثر انعكاسًا، استخدام تقنيتي (Asphalt Chip Seals) و (Emulsion Sealcoats) إذ تقلل هذه العمليات من عامل الانعكاس للأسفلت، الذي يعد مساهمًا رئيسيًا في تأثير الجزيرة الحرارية.
تركيب سطوح خضراء في مباني المدينة اكتسب شعبية، وهذا الحل لاعلاقة له باللون، فالسقف الأخضر هو ببساطة سقف يشمل غطاءً نباتيًا، ولا يمنع سقف المبنى من امتصاص الحرارة فحسب، بل يبرد الهواء من حوله، ويعوض تأثير الجزيرة الحرارية إلى حدٍ ما.
وتستخدم العديد من المباني المستدامة أسقفًا خضراء للحد من اعتمادها على استهلاك الطاقة.
تساعد عدة طرق أخرى في الحد من تأثير الجزيرة الحرارية أيضًا. على سبيل المثال، رش الأسطح هو حل تبخير آخر. الرشاشات على السطح تبلل السطح بحيث يبرد الهواء من حوله من خلال التبخر.
أنشأ المخططون الحضريون أيضًا مواقف سيارات تقليدية على طول ساحات نمو الأشجار والنباتات. لا تساهم الأشجار الطويلة في التبريد التبخري فحسب، بل توفر أيضًا الظل الذي نحتاج إليه.
اقرأ أيضًا:
لماذا تنخفض درجات الحرارة في الصحاري ليلًا؟
العلماء يحذرون: ارتفاع درجات الحرارة قد يسبب انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون
ترجمة: عمرو أحمد حمدان
تدقيق: عبد الرحمن داده