الأشعة تحت الحمراء، هي جزء من الطيف الكهرومغناطيسي ، وهي أشعة غير مرئية للعين البشرية، ولكن يمكننا أن نشعر بها، على شكل حرارة، أو وهج حراري. كل الأجسام الموجودة في الكون تبعث بشكل أو بآخر أشعةً تحت حمراء، لكن هناك مصدران جليان لها، وهما الشمس والنار. الأشعة تحت الحمراء هي نوع من الإشعاع الكهرومغناطيسي، وهو سلسلة متصلة من الأشعة، وهي بالترتيب التنازلي من حيث الطاقة أو التردد على الشكل التالي: أشعة جاما – الأشعة السينية – الأشعة فوق البنفسجية – الضوء المرئي – الأشعة تحت الحمراء – موجات الميكروويف وموجات الراديو.
وفقًا لوكالة ناسا، اكتشف عالم الفلك البريطاني ويليام هيرشل ضوء الأشعة تحت الحمراء في عام 1800 في تجربة لقياس الفرق في تأثير الضوء المرئي باختلاف ألوانه على درجة الحرارة، فوضع موازين الحرارة في مسار كل لون من ألوان الطيف المرئي.
لاحظ بعدها أن ميزان الحرارة الذي امتص الضوء الأحمر، قد سجل ارتفاعًا في درجة الحرارة أكثر من ذلك الذي امتص الضوء الأزرق، ولكنه لاحظ شيئًا مهمًا للغاية، فميزان الحرارة الموضوع إلى جانب الضوء الأحمر – حيث لا يمر أي ضوء مرئي – سجل الارتفاع الأكبر في درجة الحرارة، أكثر من الأحمر نفسه.
لا بد إذن من وجود أشعة غير مرئية بالنسبة لأعين البشر، تُسفر عن أكبر ارتفاع في درجة الحرارة الأجسام التي تسقط عليها: إنها الأشعة ما تحت الحمراء. في الطيف الكهرومغناطيسي، نجد الأشعّة تحت الحمراء ذات ترددات أعلى من موجات الميكرو، وأقل بقليل من الضوء الأحمر المرئي، ومن هنا جاءت تسميتها «الأشعة تحت الحمراء». ولأن طول الموجة يتناسب عكسيًا مع التردد، فالأشعة تحت الحمراء تتمتع بأطوال موجية أكبر من تلك الخاصة بالضوء المرئي.
وفقًا لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، تتراوح ترددات الأشعة تحت الحمراء من حوالي 3 غيغا هرتز (GHz) إلى حوالي 400 تيرا هيرتز (THz)، وتقدر أطوال الموجات بين 1000 ميكرومتر (µm) و760 نانومتر، وفقًا لوكالة ناسا.
على غرار طيف الضوء المرئي، الذي يتمتع بمجموعة خاصة به من الأطوال الموجية من البنفسجي (أقصر طول موجي في الطيف المرئي) إلى الأحمر (أطول طول موجي في الضوء المرئي)، للأشعة تحت الحمراء أيضًا مجموعة خاصة بها من الأطوال الموجية، ويمكن تقسيم هذا الطيف الى قسمين:
الموجات القصيرة «القريبة»: وتكون أقرب إلى الضوء الأحمر، لا تنبعث منها أي حرارة يمكن الإحساس بها، وهي الاشعة المستخدمة في أجهزة التحكم عن بعد المُلحقة بالتلفزيونات.
الموجات الطويلة «البعيدة»: والتي تكون أقرب إلى الميكروويف في الطيف الكهرومغناطيسي، فيمكن الشعور بها على أنها حرارة شديدة، مثل الحرارة المنبعثة من أشعة الشمس أو النار.
الأشعة تحت الحمراء هي واحدة من ثلاث طرائق تُنقل بها الحرارة من جسم إلى آخر، والآخران هما الحمل والتوصيل. كل جسم تعلو درجة حرارته 5 درجات كلفن ( ناقص 268 درجة مئوية) يبعث الأشعة تحت الحمراء. تبعث الشمس أكثر من نصف طاقتها الإجمالية على شكل أشعة تحت حمراء، أما ضوؤها المرئي، وأشعتها فوق البنفسجية، فيُمتص جزء كبير منها، ويُعاد إصداره على شكل أشعة تحت حمراء.
الاستخدامات المنزلية:
تستخدم الأجهزة المنزلية، مثل بعض أجهزة التسخين، والأجهزة المستخدمة في تجفيف ومعالجة المواد، أو حتى طهو الطعام وتسخينه، الأشعة تحت الحمراء لنقل الحرارة. تصدر بعض المصابيح المنزلية 10% فقط من طاقتها كضوء مرئي، أما الـ 90% الأخرى، فهي أشعة تحت الحمراء ، وفقًا لوكالة حماية البيئة.
يمكن استخدام أشعة الليزر تحت الحمراء للاتصالات من نقطة إلى نقطة على بعد بضع مئات من الأمتار. فتطلق أجهزة التحكم عن بُعد في التلفزيون، والتي تعمل على الأشعة تحت الحمراء، نبضات من هذه الأشعة إلى جهاز استقبال الأشعّة تحت الحمراء في التلفزيون، وفقًا لـ How Stuff Works، ليحول المستقبِل نبضات الأشعة إلى إشارات كهربائية، تصدر تعليمات للمعالج الدقيق لتنفيذ الأمر المبرمَج.
استشعار الأشعة تحت الحمراء
أحد أكثر التطبيقات المفيدة لطيف الأشعّة تحت الحمراء هو الرؤية الليلية فجميع الكائنات على الأرض تنبعث منها أشعة تحت حمراء وفقا لدرجة حرارتها، ويمكن الكشف عن ذلك بواسطة أجهزة استشعار إلكترونية، مثل تلك المستخدمة في نظارات الرؤية الليلية، وكاميرات الأشعة تحت الحمراء.
واحد من أجهزة الاستشعار الالكترونية تلك هو مقياس البولومتر، الذي يتكون من تلسكوب مزود بمقاوم كهربائي حساس (مُستشعر) لدرجة الحرارة، أو مقاوم حراري عند نقطته المحورية، وإذا وصل جسم دافئ إلى مجال رؤية هذا التلسكوب، فإن الحرارة تسبب تغييرًا يمكن اكتشافه في الجهد الكهربائي عبر المقاوم الحراري.
أما كاميرات الرؤية الليلية، فهي تستخدم تكنولوجيا أكثر تطورًا من البولومتر. تحتوي عادةً هذه الكاميرات على شرائح تصوير حساسة للموجات تحت الحمراء.
يمكن بعد ذلك تحويل الصورة التي جمعتها تلك الشرائح الى صورة مرئية، وتكون هذه الأنظمة صغيرةً للغاية، بما يكفي لاستخدامها في الأجهزة المحمولة باليد، أو نظارات الرؤية الليلية.
يقيس «التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء» انبعاثات الأشعّة تحت الحمراء من مواد مختلفة، وفي بعض الأحيان، تكون الأشعة المنبعثة من مادة معينة تشبه إلى حد بعيد بصمة الأصبع عند البشر، فكل مادة تبعث موجات ذات أطوال موجية مختلفة عن باقي المواد، وتنبعث الفوتونات بواسطة الإلكترونات في الجزيئات أثناء انتقالها من مستويات طاقة معينة الى مستويات أدنى. يمكن بعد ذلك استخدام هذه المعلومات لتعيين المواد، وتحديد كثافتها، ومراقبة التفاعلات الكيميائية.
وفقًا لروبرت مايانوفيتش، أستاذ الفيزياء بجامعة ولاية ميسوري، فإن التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء، مفيد للغاية للعديد من التطبيقات العلمية، وتشمل هذه دراسة النظم الجزيئية والمواد ثنائية الأبعاد، مثل الجرافين.
علم الفلك والأشعة تحت الحمراء
كمثيلاتها من مكونات الطيف الكهرومغناطيسي، يستخدم علماء الفلك تلسكوبات مختصة بالتقاط الأشعّة تحت الحمراء المنبعثة من الأجرام الكونية؛ تمهيدًا لدراستها، وقد سمحت التطورات في أنظمة التصوير بالأشعة تحت الحمراء بالمراقبة التفصيلية لتوزيع مصادر هذه الأشعة في الفضاء، ما يساعد في دراسة الهياكل المعقدة في السدم، والمجرات، والهيكل الواسع النطاق للكون.
واحدة من مزايا مراقبة الأشعّة تحت الحمراء هي أنها تمكننا من مراقبة الأجرام الباردة التي لا تُصدر الضوء المرئي، وقد أدى ذلك إلى اكتشاف أجرام لم تكن معروفة من قبل، بما في ذلك المذنبات، والكويكبات، وغيوم الغبار الكوني الغامضة بين النجوم، والتي تبدو سائدة في جميع أنحاء المجرة.
قال روبرت باترسون، أستاذ علم الفلك بجامعة ولاية ميسوري، إن استخدام الأشعّة تحت الحمراء في علم الفلك حيوي بشكل خاص؛ لمراقبة جزيئات الغاز الباردة، ولتحديد التركيب الكيميائي لجزيئات الغبار الكوني.
ميزة أخرى لإشعاع الأشعة تحت الحمراء، هي أنها تتمتع بأطوال موجية أكبر من تلك العائدة للضوء المرئي، فيسمح طول الموجة الكبير للأشعة تحت الحمراء أن تدور ببساطة حول بعض العوائق الصغيرة، كجزيئات الغبار الكونين وجزيئات الغاز في غلاف الأرض الجوي، ولا تنعكس أو تُمتص كما الضوء المرئي. لذلك، تُستخدم الأشعّة تحت الحمراء لرصد الأشياء التي يحجب الضوء المنبعث منها الغاز والغبار، مثل النجوم المكونة حديثًا في السدم .
اقرأ أيضًا:
مواد جديدة تحول الأشعة تحت الحمراء إلى ضوء مرئي
الآن أصبح يمكننا رؤية الأشعّة تحت الحمراء
ترجمة: أسامة أبو إبراهيم
تدقيق: عبد الرحمن عبد