هبطت أقدم مادة صلبة على سطح الأرض منذ 51 سنة، ومنذ ذلك الحين حصلنا على معلومات أولية عن نظامنا الشمسي وعن أرضنا في بداية تشكلّها. كان عام 1969 عامًا غيرُ عاديّ بالنسبة لنا، إذ قال فيه نيل ارمسترونغ كلماته الخالدة: «هذه خطوة صغيرة للإنسان، وقفزة عملاقة للبشرية»، وبعد شهرين فقط من هبوط القمر، استقبلت الأرض زائرًا من الفضاء.
في يوم الأحد 28 سبتمبر 1969 كان سكان بلدة مورشيسون بأستراليا يستعدون للذهاب إلى الكنيسة، وعند الساعة 10:48 صباحًا لاحظ الأهالي كرة نارية برتقالية برّاقة مع أثر دخان أزرق اللون تسقط نحو الأرض، وبعد بضع دقائق سُمِع دويّ انفجار في المنطقة، عندما اصطدمت قطع من النيزك بالأرض، ولم يصب أحد باستثناء سقف حظيرة.
دفع وصول نيزك مورشيسون العلماء للبحث عما يتعلق بفهم ماضينا وإعطائنا نظرة أعمق حول السؤال: هل تطورت اللبنات الكيميائية الأولية للحياة على الأرض؟ أم أنها أقتفت رحلة أحد هؤلاء الزوار من الفضاء؟
الحبيبات قديمة قدم الزمن:
تُعد حبيبات غبار النجوم الموجودة داخل نيزك «مورشيسون» أقدم مادة صلبة وُجدت على الأرض، إذ يبلغ عمر بعض هذه الحبيبات 7 مليارات سنة (بينما يبلغ عمر شمسنا 4.6 مليار سنة فقط)، يُعتقد أن النيزك قد تشكل خلال فترة من فترات تشكيل النجوم المتقدّمة.
لا تتشكل النيازك في يوم واحد، بل يزداد حجمها بمرور الوقت خلال تجوالها في الفضاء، وتشمل المصادر المكونة للنيازك لدينا النجوم والمستعرات العظمى والأجسام الأخرى خارج كوكب الأرض، يتراوح عمر الحبيبات في نيزك مورشيسون من 7 مليارات سنة إلى بضع مئات ملايين السنين.
ينتمي نيزك مورشيسون إلى فئة من الكوندريتات الكربونية، لأن تركيبته تشتمل على 2% كربون -وهو نادر جدًا بالنسبة للنيازك- وعلى كريّات السيليكات الصغيرة التي تسمى «الغضروف». حبيبات هذا النيزك مرتبطة ببعضها بواسطة مادة عضوية لزجة تنبعث منها رائحة زبدة الفول السوداني الفاسدة.
يتكون الكوندريت من المواد الصلبة الأولى التي تكثّفت من بقايا سحابة غازية، وتتكون سحابة الغاز من غبار النجوم المسؤولة عن تكوين نظامنا الشمسي.
تعد الكوندريت من أكثر الصخور الفضائية نقاءً وندرةً وذلك بسبب تدني تعرضها إلى درجات الحرارة الشديدة، ولذلك ما زالت هذه الصخور تحتفظ بمعلومات حول تكوّن شمسنا على عكس باقي المواد التي تميل إلى فقدان الأدلة نتيجة التغيرات الكيميائية التي تسببها الحرارة الشديدة.
كيف يمكننا معرفة أنه أقدم من الشمس؟
يتفاعل غبار النجوم المكوّن من كربيد السيليكون أحيانًا مع أشعة الكون عالية الطاقة، هذا يتسبب في انقسام ذرة السيليكون Si إلى أحد نظائر النيون Ne والهيليوم He. يتبع توليد الهيليوم والنيون نتيجة للأشعة الكونية معدلًا خاصًا.
يستفيد العلماء من هذه السمة لحساب العمر، إذ يستخرج العلماء حبيبات كربيد السيليكون من الحجر النيزكي، ثم تُوضع في مطياف الكتلة (MS)، وتُسخن الحبيبات إلى درجة حرارة تبدأ عندها بإطلاق الغاز المحبوس فيها. يساعد التحليل باستخدام نظائر الغاز الذي يُطلق في تحديد ما إذا كان قد نشأ بسبب تفاعل الأشعة الكونية أم لا، إذ تمتلئ الفراغات السماوية بالأشعة الكونية، وبحساب عدد جزيئات نظير النيون يتمكّن العلماء من حساب عمر مواد النيزك.
النيزك الأمثل القادم من الفضاء
تُعد النيازك أرخص وسيلة لاستكشاف الفضاء؛ لأنها تأتي إلينا، ويزودنا هذا الكوندريت الكربوني النادر بدليل على وجود مواد كربونية معقدة في مكان ما في الكون.
لحسن حظنا وصل هذا النيزك إلى العلماء ولم يمضِ عليه الكثير من الوقت، فقد كان ما يزال يبعث الغازات عندما وصل إلى جامعة ملبورن، دون أن يعاني أي تلوث أو تأثير أرضي، فقد دُرس عبر وكالة ناسا ومعاهد أخرى جنبًا إلى جنب مع الصخور القمرية المكتسبة حديثًا.
كشفت الدراسات الأولية التي أُجريت على النيزك عن وجود بعض الجزيئات المهمة كيميائيًا مثل الأحماض الأمينية (اللَبِنات الأساسية للحياة)، إذ عُثر على الجلايسين والألانين والبرولين والفالين و4 أحماض أمينية أساسية أخرى في النيزك.
كانت الأحماض الأمينية الموجودة في النيازك في خليط راسمي-racemic mixture (خليط من جزيئات تسمى جزيئات اليد اليسرى واليمنى) على العكس من الموجود في حياتنا، التي تفضل الأحماض الأمينية اليسرى فقط.
في الحقيقة إنّ جزيئات الأحماض الأمينية ليس لها أيدٍ، مثلًا عندما تحاول تركيب يدك اليمنى ويدك اليسرى فوق بعضها البعض (باتجاه واحد مثلًا راحة اليد)؛ فإنه بإمكانك رؤية الإبهامين في اتجاهين مختلفين، مع أن كلتا اليدين تتكونان من كف وأصابع متطابقة ولكن اتجاهيهما ليسا متطابقين، وهذا هو حال الأحماض لكنها مختلفة عن بعضها.
بعض الجزيئات العضوية المعقدة لها نفس الصيغة الجزيئية ولكن بروابط مختلفة وتسمى الجزيئات اللولبية chiral molecules، التي نُميز بينها عبر «التفريق».
وجد الباحثون أخيرًا شيئًا عظيمًا بعد 50 عامًا من البحث وهو احتواء النيزك على السكر المركب والبوليولات التي تشكل المكونات الأساسية للحمض النووي DNA والحمض النووي الريبي RNA، إذ عُثر في النيزك على السكريات الحيوية الأساسية مثل ثنائي هيدروكسي أسيتون (مقدمة إنزيم الجسم) والجليسرين (يساعد في بناء غشاء الخلية) والريبوز (أحد مكونات الحمض النووي DNA).
يعد هذا الاكتشاف أمرًا مهمًا للغاية بالنسبة للكيميائيين وعلماء الأحياء، إذ يمكن أن تكون كيمياء السكر للأجسام خارج كوكب الأرض هي الحلقة المفقودة فيما يتعلق بالمواد العضوية التي وجِدت عند بدء ازدهار الحياة.
كيف تساعدنا في فهم أصل الحياة؟
يعتقد بعض العلماء أن العناصر المهمة للحياة مثل الكربون C والأوكسجين O والنيتروجين N والكبريت S والهيدروجين H سُلِّمت إلى الأرض بواسطة الصخور الفضائية المتساقطة عليها عندما لم يكن هنالك حياة عليها قبل بضعة مليارات من السنين.
نشأت هذه الفكرة عبر تجربة ميلر-يوري (Miller-Urey)، التي أطلقت مجال كيمياء البريبايوتيك (مجال دراسة يحاول فهم التطور الكيميائي الذي أدى إلى تكوين مادة بيولوجية معقدة من جزيئات بسيطة).
قام ستانلي ميلر وأستاذه هارولد يوري عام 1952 بتجربة لمحاكاة بيئة الأرض الفتيّة عندما بدأت الحياة في الازدهار، إذ أعادوا إنشاء محيط مليء بالخليط البدائي الذي يحتوي على غازات ومواد كيميائية أدت إلى ظهور مواد كيميائية معقدة ساهمت ببناء الحياة.
تجربة ميلر-يوري
حَدَّث ميلر أجهزته في عام 1972، فقد حصل على أحماض أمينية مشفرة وبروتينات أخرى عُثر على قليل منها في وقت لاحق في نيزك مورشيسون، أثارت هذه النتائج فضول هؤلاء الخبراء الذين يحاولون تتبع تاريخ كيمياء الأرض الفتيّة المفقود.
الخلاصة:
يشبه نيزك مورشيسون كبسولة زمنية، تساعدنا على فهم سلوك الشمس في بدايتها، إضافًة إلى الظروف الكيميائية التي سادَت في أثناء تكوين النظام الشمسي.
آلاف السنين من الحضارة ولا زلنا جاهلين كيف تحولت الكيمياء البسيطة إلى بيولوجيا معقدة ذاتية الإصلاح والتحضير، يمكن أن تساعدنا هذه الصخور السوداء القديمة في الاقتراب أكثر من اكتشاف تلك الإجابات، وكلما نظرنا عن كثب اكتشفنا ما لا نعرفه. ووفقًا لقول كارل ساجان إن: «الكون بداخلنا، نحن مصنوعون من النجوم، إننا وسيلة الكون؛ ليعرف ذاته».
اقرأ أيضًا:
سقوط نيزك على ولاية ميتشغن قد يكشف لنا أسرار الحياة على كوكب الأرض
لدينا أول دليل مؤكد على مقتل شخص بسبب سقوط نيزك
ترجمة: سلام محمد حسن
تدقيق: تسبيح علي