أشعة جاما هي أحد أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي، كما هو الحال في موجات الراديو، الأشعة تحت الحمراء، الأشعة فوق البنفسجية، الأشعة السينية والأشعة الميكروية. تُستخدم أشعّة جاما لعلاج السرطان عن طريق القضاء على الخلايا السرطانية ، ويهتم الفلكييُّون بدراسة رشقاتها (انفجاراتها).
تُرسَل الأشعة الكهرومغناطيسية في موجات أو جسيمات بأطوال موجية وترددات مختلفة. تُعرف هذه المجموعة الواسعة من الأطوال الموجية بالطيف الكهرومغناطيسي. ينقسم الطيف عمومًا إلى سبع مناطق بناءً على تقليل الطول الموجي وزيادة الطاقة والتردد. التسميات الشائعة هي الموجات الراديوية، الميكروية، الأشعة تحت الحمراء (IR)، الضوء المرئي، الأشعة فوق البنفسجية (UV)، الأشعة السينية وأشعة جاما.
تقع أشعّة جاما في نطاق الطيف الترددي فوق الأشعة السينية الضعيفة (soft x-ray). تحتوي أشعة جاما على ترددات أكبر من حوالي 1018 دورة في الثانية، أو هيرتز (Hz)، وأطوال موجية تقل عن 100 بيكومتر، أو 4 ×10 للأس 9 بوصة. (البيكومتر هو واحد تريليون من المتر).
تتداخل أشعّة جاما والأشعة السينية القوية (hard x-ray) في الطيف الكهرومغناطيسي، ما يجعل من الصعب التمييز بينهما. في بعض المجالات، مثل الفيزياء الفلكية، يتم رسم خط اعتباطي في الطيف حيث تصنف الأشعة فوق طول موجي معين على أنها أشعة سينية وتصنف الأشعة ذات أطوال موجية أقصر على أنها أشعة جاما.
تمتلك كل من أشعّة جاما والأشعة السينية طاقة كافية للتسبب في تلف الأنسجة الحية، ولكن لا يسمح الغلاف الجوي بنفاذ جميع إشعاعات جاما الكونية تقريبًا إلى الأرض.
اكتشاف أشعة جاما
وفقًا للوكالة الأسترالية للحماية من الإشعاع والسلامة النووية ARPANA؛ رُصدت أشعة جاما لأول مرة في عام 1900 من قبل الكيميائي الفرنسي بول فيلارد عندما كان يستكشف الإشعاعات الصادرة من عنصر الراديوم. بعد عدة سنوات، اقترح الكيميائي والفيزيائي المولود في نيوزيلندا إرنست راذرفورد اسم (أشعة جاما)، تبعًا لترتيب أشعة ألفا وأشعة بيتا – أسماء تُعطى لجسيمات أخرى تنشأ أثناء التفاعل النووي – وعلق بها الاسم من ذلك الوقت.
مصادر أشعة جاما وتأثيراتها
تُنتج أشعّة جاما بشكل أساسي من خلال أربعة تفاعلات نووية مختلفة: الاندماج، الانشطار، اضمحلال ألفا واضمحلال جاما.
الاندماج النووي هو التفاعل الكيميائي الذي يغذي الشمس والنجوم. يحدث ذلك في عملية متعددة المراحل يتم فيها إدخال أربعة بروتونات أو نوى الهيدروجين تحت درجة حرارة وضغط شديدين وإجبارها على الاندماج لتكوين نواة الهيليوم، التي تضم بروتونين ونيوترونين.
نواة الهيليوم الناتجة أقل بحوالي 0.7٪ من البروتونات الأربعة التي دخلت التفاعل. يتحول هذا الاختلاف في الكتلة إلى طاقة، وفقًا لمعادلة آينشتاين الشهيرة E = mc^2، حوالي ثلثي الطاقة الناتجة هي أشعة جاما.
(الباقي على شكل نيوتريونات، والتي تتفاعل بشكل ضعيف للغاية مع الجزيئات ذات الكتلة الصفرية تقريبًا). في المراحل المتقدمة من عمر النجم، عندما ينفد الوقود الهيدروجيني، يمكن أن تتشكل عناصر أكثر كتلة من خلال الاندماج النووي، بما في ذلك الحديد، لكن هذه التفاعلات تنتج كمية متناقصة من الطاقة في كل مرحلة.
مصدر آخر مألوف لأشعة جاما هو الانشطار النووي. يُعرِّف مختبر لورنس بيركيلي الوطني الانشطار النووي على أنه تقسيم نواة ثقيلة إلى قسمين متساويين تقريبًا، والتي تكون حينئذ نواة لعنصر أخف. في هذه العملية، التي تتضمن اصطدامات عديدة مع جُسيمات أخرى، تنقسم النوى الثقيلة، مثل اليورانيوم والبلوتونيوم، إلى عناصر أخف، مثل الزينون والسترونتيوم.
يمكن للجزيئات الناتجة من هذه الاصطدامات أن تؤثر على نوى ثقيلة أخرى، ما ينشئ سلسلة من التفاعلات النووية. خلال هذه التفاعلات تتحرر الطاقة لأن الكتلة المكونة للجزيئات الناتجة أقل من كتلة النواة الثقيلة الأصلية. يتحول هذا الفرق في الكتلة إلى طاقة، وفقًا لـ(E = mc^2)، في شكل طاقة حركية للأنوية الصغيرة، النيوترينوات وأشعة جاما.
مصادر أخرى لأشعة جاما تشمل اضمحلال ألفا واضمحلال جاما. يحدث اضمحلال أو تحلُل ألفا عندما تتحول نواة ثقيلة إلى نواة هيليوم -4، مما يقلل من عددها الذري بمقدار 2 ووزنها الذري بمقدار 4. هذه العملية يمكن أن تترك للنواة طاقة زائدة، والتي تنبعث في شكل أشعة جاما. يحدث تحلل جاما عندما يكون هناك الكثير من الطاقة في نواة الذرة، ما يتسبب في إطلاق أشعة جاما دون تغيير في تكوين شحنتها أو كتلتها.
العلاج باستخدام أشعة جاما أو العلاج الإشعاعي
تُستخدم أشعّة جاما في بعض الأحيان لعلاج الأورام السرطانية في الجسم عن طريق إتلاف الحمض النووي للخلايا السرطانية. ومع ذلك، يجب توخي الحذر الشديد، لأن أشعّة جاما يمكن أن تتلف أيضًا الحمض النووي لخلايا الأنسجة السليمة المحيطة بالأنسجة السرطانية.
إحدى طرق العلاج تتضمن زيادة تعرض الخلايا السرطانية للجرعة مع تقليل تعرض الأنسجة السليمة وذلك من خلال توجيه مجموعة حزُم من أشعة جاما الناتجة من مُسرِّع خطي (linear accelerator)، نحو المنطقة المستهدفة من اتجاهات مختلفة. هذا هو مبدأ تشغيل طرق العلاج المسماة (سكين جاما – Gammas knife) أو cyberknife.
وفقًا لعيادة مايو (Mayo Clinic) تَستخدم الجراحة الإشعاعية لسكين جاما معدات متخصصة للتركيز على ما يقارب من 200 حزمة صغيرة من الإشعاع على الورم أو أي هدف آخر في الدماغ. الإشعاع بحد ذاته له تأثير ضئيل للغاية على أنسجة الدماغ التي يمر بها، ولكن يتم الحصول على جرعة قوية من الإشعاع عند نقطة التقاء الحزم.
أشعة غاما وعلم الفلك
أحد أكثر مصادر جاما إثارة للاهتمام هي انفجارات أشعة جاما(GRBs). هذه الحوادث تكون عالية الطاقة وتدوم من بضعة أجزاء في الثانية إلى عدة دقائق. تمت ملاحظتها لأول مرة في الستينات، ويتم رصدها الآن في مكان ما من السماء مرة واحدة يوميًا.
انفجارات أشعة جاما هي أكثر أشكال الضوء نشاطًا. وفقًا لوكالة ناسا؛ إنها تلمع بمئات المرات أكثر إشراقًا من المستعر الأعظم، وتبعد حوالي مليون تريليون مرة عن أشعة الشمس.
وفقًا لروبرت باترسون، أستاذ علم الفلك بجامعة ولاية ميسوري، كان يُعتقد في يوم من الأيام أن انفجارات أشعة جاما تأتي من المراحل الأخيرة للثقوب السوداء الصغيرة المُتبخرة. يُعتقد الآن أنها تنشأ عن تصادم الأجرام المضغوطة مثل النجوم النيوترونية. تعزو نظريات أخرى هذه الأحداث إلى انهيار النجوم الهائلة لتشكيل ثقوب سوداء.
في كلتا الحالتين، يمكن أن تنتج انفجارات أشعة جاما ما يكفي من الطاقة لتفوق طاقة مجرة بأكملها خلال بضع ثوان. نظرًا لأن الغلاف الجوي للأرض يحجب معظم أشعة جاما، فإنه يُمكن رؤيتها فقط باستخدام بالونات عالية الارتفاع وتلسكوبات مدارية.
اقرأ أيضًا:
العلماء ينتجون دفعة صغيرة من أشعة غاما في المختبر
ترجمة: أزهر البكري
تدقيق: محمد نجيب العباسي