حجر الرودونيت من الأحجار المهمة في التراث الروسي، فقد اعتاد قرويو جبال الأورال قرب منطقة سيدلنيكوفو، في روسيا القرن الثامن عشر، وضع أحجار وردية اللون يسمونها الأورليت جوار أطفالهم في المهد، وروى الأهل لأطفالهم وهم يهزون المهد بهدوء حكايات شعبية عن النسور التي اشتُق منها اسم الحجر، أريول بالروسية، وكيف تضع النسور هذه الأحجار قرب صغارها في العش، آملين أن وضع هذه الأحجار الوردية قرب أطفالهم سيجعلهم يكبرون أذكياء وشجعانًا كما النسور المهيبة.

كان لأحجار الرودونيت النادرة قيمة كبيرة في روسيا، إذ ارتداها القياصرة وصُنعت منها حلي ضخمة، أما الآن فلم يعد هذا الحجر الوردي المُطعّم بعروق من الفحم يُقتنى لندرته وقيمته المادية، بل لقيمته الميتافيزيقية بوصفه حجرًا للطاقة والحماية وحب الذات.

زهرة المعادن

تقول شيريل إيلين، من المعهد الأمريكي للأحجار الكريمة: «الرودونيت حجر غني بالمنغنيز من مجموعة فلزات البيروكسينويد، صيغته الكيميائية المبسطة (3MnSiO)، لكنه يجتمع غالبًا مع عناصر أو معادن أخرى منها الحديد والكالسيوم».

يمنح المحتوى العالي من المنغنيز حجر الرودونيت لونه الوردي، ومنه جاء اسمه. اكتُشف أول مرة عام 1790 في جبال الأورال قرب سيدلنيكوفو. عام 1819، أطلق عليه عالم الطبيعة الألماني «كريستوف فريدريك ياشه» اسم رودونيت، المشتق من الكلمة الإغريقية «رودو» أي الوردة. تتنوع ألوان الرودونيت بين الوردي والبني والأحمر البنفسجي، وتُرى فيه عادةً خطوطًا سوداء متشابكة من الفحم أو أكاسيد المنغنيز.

تقول إيلين: «غالبًا ما تحوي الحصى الصغيرة عروقًا أو لطخات سوداء، مستقرة ضوئيًّا، أي أنها لن تبهت. يمكن صهر الرودونيت وتحويله إلى زجاج مائل للبني أو الأسود على موقد الصائغ إذا استُخدم في الحلي».

رمز ثقافي روسي

في روسيا، كانت أحجار الأورليت تُمنح بوصفها هدية زواج على مدى قرون، بغرض حماية الزوجين وتحسين فرص الحمل، وزاد الامبراطور ألكسندر الثالث إنتاج الرودونيت في روسيا بعد أن صنع حرفيو الأورال البارعون آنيةً رائعة منه، وسرعان ما شاع استعماله لإنشاء تصاميم متاحة للأثرياء، منها الطاولات والأواني والتوابيت.

تقول إيلين: «استُخدم الرودونيت لنحت التماثيل وشواهد القبور وغيرها لوجوده على شكل صخور كبيرة». بلغ وزن أكبر صخرة رودونيت في العالم 47 طنًا، واستُخدمت لنحت تابوت ماريا ألكسندروفا، إمبراطورة روسيا وزوجة ألكسندر الثاني التي دُفنت جواره في مقبرة عائلة رومانوف في سان بطرسبورغ.

تُعرض العديد من قطع الرودونيت الزخرفية في متحف «إرمتاج» في سان بطرسبورغ، متضمنةً نسخًا مصغرة من جواهر التاج الإمبراطوري، التي تتضمن نماذج مذهلة من الرودونيت.

حجر الرودونيت ليس باهظ الثمن، لكنه عالي القيمة

لم يعد الرودونيت باهظ الثمن كالسابق، يعود ذلك أساسًا إلى وفرته. تقول إيلين: «يمكن إيجاد الرودونيت اليوم في العديد من الدول، أهم مصادره أستراليا والبرازيل وكندا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمكسيك وبيرو ورومانيا والسويد وروسيا والولايات المتحدة». ويوجد في ولاية ماساتشوستس مخزون كبير من الرودونيت، حتى أنه أُعلن الحجر الرسمي الذي يرمز للولاية عام 1979.

يمكن استخراج الرودونيت بسهولة، ما يسهم في وفرته، ويمكن استخراجه في بعض المناطق بتقنيات ومعدات بسيطة منها المعاول والمطارق، لكن الصخور الكبيرة تتطلب آلات تنقيب متطورة لتُستخرج.

قد توجد بلورات حمراء شفافة ثمينة في الأعماق، لكنها نادرة. تقول إيلين: «يُعد الرودونيت رخيص الثمن نسبيًا، لكن بلوراته عالية الجودة قد تكون أغلى ثمنًا بسبب ندرتها. لهذه البلورات شقوق مثالية باتجاهين، وقساوة منخفضة تبلغ 5.5-6.0 على مقياس موس للقساوة، ومتانة ضعيفة، ما يجعلها أحجارًا كريمة صعبة القطع، لذا يُباع الرودونيت المنحوت بشكل متعدد الأوجه عادةً لهواة جمع الأحجار، بدلًا من استخدامه حليًّا».

ما زال الأطفال الروس حتى اليوم يتبادلون بيضًا من الرودونيت في عيد الفصح للتعبير عن الصداقة والتعاطف، وغالبًا ما يوجد الرودونيت في سوق المجوهرات والأحجار الكريمة منحوتًا على هيئة كرات مصقولة وأحجار ملساء ومنحوتات وخرز، ويحظى بأهمية ميتافيزيقية عند خبراء الأحجار والمعالجين والهواة.

سُمي الرودونيت حجر الحب لأن العديد من هواة الأحجار يعتقدون أن له قدرة على تحفيز وإحياء حب الذات وتخفيف التوتر.

تُباع عادةً تماثيل وأحجار وأطواق وأساور من حصى الرودونيت لقيمتها الجمالية، ويتوافر الرودونيت بكثرة في المتاجر الإلكترونية، وتتراوح أسعاره من بضعة دولارات إلى بضع مئات حسب الحجم واللون والحالة.

يبقى الرودونيت فلزًا مهمًا حول العالم رغم تراجع قيمته بوصفه حجرًا نادرًا منذ القرن الثامن عشر، وسواء أردت شراءه لأنه يتماشى مع ملابسك، أو لاعتقادك أنه يعزز ثقتك بنفسك، فعليك أن تعلم أن هذا الحجر الوردي يعبق بالتاريخ والخواص الغامضة، لكن عمومًا، لا يُنصح بوضع الأحجار في مهد الطفل!

اقرأ أيضًا:

المعدن الذي غير شكل العالم والمستخدم من العصر الحجري حتى وقتنا الحالي «الهيماتيت»

اكتشاف سبب توهج معدن غريب تلقائيًا

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: سمية بن لكحل

المصدر